عندما تتنافس 2074 قائمةعلى 350 بلدية و بعتبة 3 فى المائة من الأصوات الصحيحة فى كل بلديةلضمان التمثيل و نحو 54 ألف مرشح على 7177 مقعدا يصبح من الصعب التنبؤ بدقة بما ستكون عليه نتائج أول انتخابات بلدية فى تونس بعد الثورة، والمقرر لها 6 مايو المقبل على أن يسبقها اقتراع رجال الأمن و الجيش 29 أبريل الحالى .وإذا أضفنا الى هذا أن غالبية الناخبين المسجلين «نحو 5٫3 مليون ناخب» ) كانوا إلى فبراير الماضى وفق آخر استطلاع رأى لم يقرروا بعد هل سيذهبون للصندوق؟.. وإلى من سيمحنون أصواتهم؟، فإن هذا التنبؤ يتحول الى نوع من «ضرب الودع». لكن مع هذه المحاذير وغيرها يمكن أن نسجل وفى توقيت اقتراب الحملة الانتخابية من منتصفهاعددا من الملاحظات من شأنها ان تساعد فى فهم العملية السياسية الجارية بتونس و توقع الملامح العامة لنتائجها : بعد نحو سبع سنوات من تشريعات ونظام انتخابى وبيئة سياسية تسعى لترسيخ حياة حزبية تعددية واسفرت عن دخول 12 حزبا البرلمان الحالى يشغل ممثلوها 207 من اجمالى 217 مقعدا، يخوض هذه الانتخابات البلدية 24حزبا من اجمالى نحو 210 أحزاب معترف بها. واللافت أيضا أن 16 حزبا لم تستطع أن تخوض الانتخابات بقوائم بأسمائها تتجاوز العشرة فى المائة من نسبة المجالس البلدية .. أى تتنافس على 25 بلدية فأقل. ومن بينها كما توضح القائمة المرفقة 14 حزبا تقدم كل منها بأقل من خمس قوائم و خمسة أحزاب بدورها بقائمة واحدة. ومن يتابع الحياة الحزبية التونسية سيفاجأ بما تكشف عنه هذه القائمة من القدرة الحقيقية لأحزاب وزعامات ورجال دولة كبار يحيط بها هالات إعلامية ضخمة على التقدم الى الناخبين. هناك حزبان اثنان فقط «النهضة» و«النداء» يخوضان «البلديات» على كل المجالس البلدية «أى 350 قائمة لكل منهما» . وتترجم حملة البلديات الجارية ما هو معلوم على مدى السنوات الأربع الماضية من أنهما ووحدهما من بين كل الأحزاب يملكان «ماكينة انتخابية» كبرى ومعتبرة فى انحاء البلاد. «النهضة» تحتفظ بكتلتها البرلمانية 68 نائبا وبتماسكها، وقد أصبحت الأولى فى البرلمان. فيما تراجع «نداء تونس» الى مرتبة الكتلة الثانية ، ب 55 نائبا حاليا بعدما كان الحزب قد حصد فى الانتخابات التشريعية الأخيرة 86 نائبا . وهذا جراء الانشقاقات والصراع على قيادة الحزب . ولاشك أن مجريات الحملة الانتخابية تؤكد أن الحزبين الرئيسيين المتنافسين هما النهضة والنداء ودون منازع . و تبرز استطلاعات رأى نوايا التصويت قبل توقف اعلان نتائجها نهاية فبراير الماضى تقارب حظوظهما و شدة المنافسة بينهما، حين منحت «النداء» 29٫7 فى المائة والنهضة 28٫9 فى المائة . ويتسع الفارق مع أقرب القوى الحزبية اليهما الى نحو عشرين نقطة، وحيث حلت الجبهة الشعبية اليسارية المعارضة «الائتلافية» ثالثا بنسبة 9 فى المائة. إلا أن هناك من المؤشرات على الأرض وعند مراقبى مجريات الحملة الانتخابية الجارية ترجح انخفاض نصيب قوائم القوى الحزبية الثلاث جميعها فى المجالس البلدية .كما تعلى هذه المؤشرات من كفة « النهضة « على « النداء «. استطلاعات الرأى المشار اليها تدعو للتكهن بأن قوائم أربعة أحزاب وائتلاف حزبى واحد فقط مرشحة لاحتلال مقاعد فى عديد المجالس البلدية بتخطى عتبة الثلاثة فى المائة للمرور الى التمثيل و المنصوص عليها قانونا على مستوى الدائرة الانتخابية ،وذلك بإضافة التيار الديمقراطى و آفاق تونس. والحزب الأول معارض يقع إلى يسار الوسط، والثانى ليبرالى عانى من انشقاقات فى الأسابيع الأخيرة جراء الخلاف على قرار الخروج من الحكومة،ونزف من كتلته البرلمانية حتى فقدت النصاب العددى للاعتراف بها ككتلة . واللافت ان مواقف الحزبين على طرفى نقيض من مسار العدالة الانتقالية وهيئتها : التيار معها وآفاق ضدها. يعكس عدد القوائم التى تخوض بها الجبهة الشعبية انتخابات البلديات ( 132 ناهيك عن 45 أخرى تسميها ب«المواطنية» ) أنها تتقدم بحق للسباق بوصفها القوة الحزبية الثالثة . إلا أن المفاجأة الأكثر مدعاة للدهشة والتأمل ان الحزب الثالث فى البرلمان ب 21 نائبا «مشروع تونس لمحسن مرزوق وهو الانشقاق الأكبر عن النداء» فيما للجبهة الشعبية 15 يتقدم ب 69 قائمة حزبية فقط ،وإن كان يشارك وفق ما أبلغه ل«الأهرام» مقره المركزى بالعاصمة فى كل القوائم الائتلافية «45 قائمة» التى يتقدم بها «الاتحاد المدنى» الذى ظهر منذ أشهر معدودة بمثابة بديل «للنداء» ومنافس له على قاعدة الليبرالية .وهذا «الاتحاد المدنى» يضم بدوره عددا من الأحزاب القديمة والجديدة. وبصرف النظر عن المعلومات المقدمة الينا من مقر «مشروع تونس « بأنه يدعم 109 قوائم مستقلة تحمل العديد من بينها كلمة «مشروع» ، فإن حظوظ الحزب تبدو ضعيفة فى تمثيل ملموس بالمجالس البلدية. وهذا إذا أخذنا فى الاعتبار أيضا تواضع حضوره فى الحملة الانتخابية على الأرض الى حينه، و أيضا كون استطلاعات الرأى ذاتها لم تكن تمنحه نسبة تصل إلى الثلاثة فى المائة على المستوى الوطنى . من المتوقع وفق آخر استطلاعات نوايا التصويت وشواهد الحملة الانتخابية الجارية أن تستمر جغرافيا الثقل النسبى للقوى الحزبية الرئيسية على حالها . فيحقق «النهضة» نتائجه الأفضل فى الجنوب والوسط بما فى ذلك صفاقس ثانى مدن البلاد وعاصمتها الاقتصادية . ويتفوق «النداء» فى العاصمة تونس الكبرى والساحل بالشمال الشرقى . وتسجل الجبهة الشعبية أفضل نتائجها فى الشمال الغربى و أيضا بالوسط وبخاصة القيروان، ناهيك عن حضور ما فى صفاقس . تبقى القوائم المستقلة مرشحة لتسجيل مفاجأة فى هذه الانتخابات.واللافت وفق المعطيات المؤكدة أن 860 قائمة مستقلة تخوض المنافسة وبنسبة 41 فى المائة من اجمالى القوائم.وهذا مقارنة بالانتخابات التشريعية الأخيرة خريف 2014 حيث كانت نسبتها نحو 26 فى المائة عن 348 مقابل 787 حزبية و 140 ائتلافية،وبإجمالى 1326 قائمة . وثمة الآن مؤشرات على الأرض فى عديد من الدوائر تفيد بأن عددا من القوائم المستقلة يتمتع بالحضور ، وبخاصة فى المناطق الأقل حظا فى التنمية كالوسط والجنوب و الشمال الغربى، وحيث تتفاقم أزمة الأحزاب السياسية وينال استمرار المعاناة الاقتصادية المعيشية من مصداقية القوى الحزبية فى الحكم . كما يلاحظ أن شخصيات من المجتمع المدنى الحيوى بتونس ترشحت «للبلديات» على هذه القوائم المستقلة واحتلت رئاستها . ولعل «النهضة» كانت الأكثر قراءة للخريطة السياسية المجتمعية فمنحت المستقلين نصف قوائمها الحزبية ،وفق ما أعلنته . وهذا على خلاف « النداء» الذى يبدو انه وجد فى اعدادقوائمه للبلديات فرصة لإعادة ترميم الحزب وبنائه، وقام بالتركيز على توسيع عضويته . وفى كل الأحوال ، فإن حصاد الانتخابات البلدية سيحمل جدلا بشأن تأثير نتائجها على ما يعتبره العديد من التونسيين «الموعد الأهم» .وهو انتخابات البرلمان والرئاسة خريف ونهاية العام المقبل «موعد 2019» . إلا انه قد يكون من الخطأ المبالغة فى توقع دور حاسم لنتائج «البلديات» ومجالسها ورؤسائها على شكل البرلمان المقبل ومن يكون رئيس الجمهورية التونسيةالقادم .