أيام قليلة ويحل عيد القيامة المجيد، وقبيل العيد أعاود قراءة الكتاب المقدس بعهديه، وأتوقف طويلا أمام ما تحدث به السيد المسيح على الجبل، لأننى ممن يؤمنون أن النسيج الإنسانى رفيع القدر والقيمة نسيج واحد، وفى ذهنى دومًا آيات نهاية سورة البقرة التى تبدأ بالآية الكريمة: «لله ما فى السموات وما فى الأرض وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه..» إلى نهاية السورة، ومنها أتعلم وألتزم بحتمية الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله دون تفرقة بين أحد منهم! ومن شدة تغلغل معانى كلام السيد المسيح فى وجدانى أذكر أننى خصصت عدة محاضرات ضمن برنامج دراسى ألقيته فى إحدى الجامعات لطلاب الهندسة والصيدلة وإدارة الأعمال كى أشرح لهم بعض معالم تاريخ وحضارة مصر المسيحية، وتأسيس دور الكنيسة الوطنية المصرية، ثم قرأت لهم ومعهم الموعظة على الجبل ليعرفوا قمة من قمم النبل الأخلاقي. ثم إننى أتوقف طويلًا أيضًا أمام إعلاء شأن الإنسان على الطقوس، مهما تكن الجهة التى تبالغ فى قدسيتها، وأقرأ فى بعض الأناجيل أن السيد له المجد ذهب فى يوم السبت بين الزروع وجاع تلاميذه وأخذوا يقطفون سنابل القمح ويأكلون، وعندما شاهد الفريسيون اليهود ذلك، ومعلوم أن اليهود يقدسون السبت ويتوقفون عن أى نشاط أو عمل فيه، قالوا له إن تلاميذك يفعلون ما لا يحل فى السبت، وجاءهم الرد ساحقًا عندما قال السيد المسيح لهم: أما قرأتم ما فعله داود حين جاع هو والذين معه وكيف دخل بيت الله وأكل خبز التقدمة، الذى لم يحل أكله له ولا للذين معه بل للكهنة فقط.. أوما قرأتم فى التوراة أن الكهنة فى السبت وفى الهيكل يدنسون السبت وهم أبرياء؟! ثم يقول لهم: «لكن أقول لكم إن ههنا أعظم من الهيكل.. فلو علمتم ما هو إنى أريد رحمة لا ذبيحة لما حكمتم على الأبرياء، فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضا» وتستمر المحاجاة ليفحمهم مرة أخرى، معليًا من شأن الإنسان عندما شفى إنسان مشلول اليد، فسألوه قائلين: هل يحل الإبراء فى السبوت جمع سبت لكى يشتكوا عليه، وعندئذ قال لهم: «أى إنسان منكم يكون له خروف واحد فإن سقط هذا فى السبت فى حفرة أما يمسكه ويقيمه؟! فالإنسان كم هو أفضل من الخروف.. لذا يحل فعل الخير فى السبوت.. ثم قال لذلك الإنسان يابس اليد: مد يدك.. فمدها، فعادت صحيحة كالأخرى! إنها إذن مكانة الإنسان التى أكدتها الآية القرآنية الكريمة التى قالت: «يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله» «البقرة 217». أما ما لفت نظرى بقوة منذ سنين طويلة فهو مرتبط بثورة الحجارة الأولى فى فلسطينالمحتلة، إذ وجدتنى أقرأ ما جاء فى إنجيل لوقا: «ولما قرب» أى السيد المسيح عند منحدر جبل الزيتون كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التى نظروا قائلين: مبارك الملك الآتى باسم الرب.. سلام فى السماء ومجد فى الأعالي.. وأما بعض الفريسيين من الجميع فقالوا له: يا معلم انتهر تلاميذك فأجاب وقال لهم أقول لكم إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ» «لوقا 3840». وأذكر أننى كتبت ذلك من قبل عند قيام تلك الثورة وسئلت عن العلاقة فاجتهدت وقلت إن الحجارة جماد ولغته أو صراخه هو حركته التى تحول من جماد ثابت إلى فاعل متحرك! وتكتمل الصورة التى فيها تفاصيل مستقبلية، حيث يتحقق بعد مئات السنين وقد تقرب من ألفى سنة، ما جاء حول القدس، إذ نقرأ فى الكتاب المقدس: «وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها قائلا إنك لو علمت أنت أيضا حتى فى يومك هذا ما هو لسلامك ولكن قد أخفى عن عينيك فإنه ستأتى أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة.. ويهدمونك وأبناؤك فيك ولا يتركون فيك حجرًا على حجر لأنك لم تعرفى زمان افتقادك» «لوقا 42 44». فى عيد القيامة أمل دائم فى الحياة، وفى قدرة الإنسان على تحدى الموت. لمزيد من مقالات أحمد الجمال