كان ذلك قبل سنين طويلة نسبيا.. أيام ثورة الحجارة الأولي في فلسطينالمحتلة, أذكر أنني كنت أقرأ كما تعودت في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد, وتوقفت عند النصوص الإنجيلية التي تتكلم عن دخول السيد المسيح له المجد إلي أورشليم القدس. ووجدت في إنجيل لوقا في الإصحاح التاسع عشر ما نصه: ولما قرب أي السيد المسيح عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروا قائلين: مبارك الآتي باسم الرب سلام في السماء ومجد في الأعالي. وأما بعض الفريسيين من الجمع فقالوا: يا معلم انتهر تلاميذك, فأجاب وقال لهم: إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ لوقا.19 ويستمر المشهد الذي شهده يوم أحد الشعانين: وفيما هو يقترب نظر إلي المدينة وبكي عليها قائلا: إنك لو علمت أنت أيضا حتي في يومك هذا ما هو لسلامك, ولكني الآن قد أخفي عن عينيك فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة, ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة, ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرا علي حجر لأنك لم تعرفي زمن افتقادك. لوقا.19 وتأملت آنذاك وكتبت من وحي ثورة الحجارة أن المسيح له المجد قال: إن الحجارة تصرخ, وما صراخ الجماد إلا أن يتحرك, فالحركة نطق بطريقة واضحة!.. ثم تذكرت الحديث النبوي أو الأثر الذي ما معناه أنه سيأتي يوم يقول فيه الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله. وبعد سنين جاء بناء الجدار وعزل القدس وهدم كثير من معالمها ومساكنها علي رؤوس أبنائها.. وفي اعتقادي إن لم أكن مخطئا فإن حديث السيد له المجد عن أورشليم القدس لا يعنيها هي بذاتها, وإنما يعني كل الأرض التي اغتصبت من أصحابها واستولي عليها اليهود. أتذكر هذا كله وأتامله, وقد كان الأحد الفائت هو أحد الشعانين واليوم هو خميس العهد والأيام أيام آلام وحزن يعقبها فرح القيامة والخلود. أتذكر وأتدبر كيف أن السيد المسيح كان يواجه المتشدقين المتاجرين باسم الشريعة, وكيف دخل إلي هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل, وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام, وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعي وأنتم جعلتموه مغارة لصوص متي.21 وهناك مواقف كثيرة حاول الكهنة والفريسيون اليهود أن يحاجوه باعتباره يخالف وتلاميذه نصوص الشريعة, وخاصة اختراق قدسية يوم السبت, وقال: إن ابن الإنسان هو رب السبت أيضا متي.12 يتألم ويواجه ولا يتنازل ليعلمنا درس الصلابة بالحق ومع الحق ولأجل الحق مهما كان الثمن حتي وإن كان بذل الروح ذاتها! وما أشبه الليلة بالبارحة حيث تحولت بيوت الله إلي مغارات لصوص يتاجرون ويكسبون وتتعاظم ثرواتهم بالمليارات, فيما الناس ترزح تحت نير الفقر والجهل والمرض وتزييف الوعي, وفيما أولئك الذين يزعقون بأنهم هم الدين وهم العقيدة وهم الشريعة وما عداهم كفرة مارقون يسعون في الأرض فسادا ويعادون شرع الله, تراهم يفعلون أي شيء من أجل السلطة والثروة في آن واحد ويستبيحون فعل الكذب وخلف الوعد والفجر في الخصومة. تأملوا معي قول السيد المسيح: أيضا سمعتم أنه قيل للقدماء لا تحنث أوف للرب أقسامك, وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة لا بالسماء لأنها كرسي الله ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه, ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم ولا تحلف برأسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء.. بل ليكن كلامكم نعم نعم.. لا لا.. وما زاد علي ذلك فهو من الشرير! أدعو الله في هذه الأيام العظيمة أن يكتب لوطننا قيامة عظيمة ينزع عن نفسه فيها وبها كل أكفان الزور والبهتان والخداع والمتاجرة بالمقدسات وتضليل الناس, والكيل بمكيالين والنهم للاستحواذ واتخاذ السلطة مجالا للاستبداد والفساد.. فساد الضمائر الذي يدمر المصائر. [email protected] المزيد من مقالات أحمد الجمال