أسبوع الآلام صار أسابيع، وأدمت أشواك المتاجرة بالدين وتكريس التمييز والعنصرية الطائفية عقولنا وأفئدتنا بعد أن أدمى الركض وراء لقمة خبز كريمة غير مغمسة بكرامة الإنسان الأقدام والأيدى، وكثيراً ما لا يجد البشر سوى الأمل فى الخلاص الشامل زادًا لأرواحهم وحبلاً يربطهم بالوطن! فى أسابيع آلامنا التى يربطها حبل سرى بأسبوع آلام السيد المسيح له المجد أصبحت كل مدننا أورشليم، حيث الحصار يطوّق أرواحنا وأنفسنا، حيث الكهنة المعاصرون المتمترسون فى المقطم ومعهم كتبتهم مستمرون مثل من سبقهم فى تحويل الوطن لمغارة لصوص.. فالذين سبقوهم كانوا لصوص المال والجاه، وجاءوا هم ليكونوا لصوص الثورة والإرادة ومنتهكى الوطنية وذابحى العقيدة على مذبح الانتهازية والأطماع السياسية! تروى لنا الأناجيل بعض ما جرى فى أسبوع الآلام وفى بعض الآيات تنبؤات حدثت بالفعل! ففى إنجيل لوقا فى الإصحاح التاسع عشر نجد رواية تتصل بصعود السيد المسيح إلى أورشليم، وفيها نقرأ: «ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التى نظروا قائلين مبارك الملك الآتى باسم الرب. سلام فى السماء ومجد فى الأعالى. وأما بعض الفريسيين فقالوا له يا معلم انتهر تلاميذك. فأجاب وقال لهم: «أقول لكم إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ».. لوقا 38 41.. ويتأمل المرء الحديث عن صراخ الحجارة، فيفهم أن الحركة قد تكون هى كلام الجمادات، فالحجر إذا تحرك فإنه يتحدث، وهكذا كان تحقق النبوءة فى ثورات الحجارة فى فلسطين.. وفى تونس وفى القاهرة! ثم تمضى النبوءات المتحققة: «وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها قائلا إنك لو علمت أنت أيضا حتى فى يومك هذا ما هو لسلامك، ولكن الآن قد أخفى عن عينيك. فإنه ستأتى أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة. ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرًا على حجر لأنك لم تعرف زمان افتقادك. ولما دخل الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون فيه قائلا لهم: مكتوب إن بيتى بيت الصلاة وأنتم جعلتموه مغارة لصوص» لوقا 42 47. أليس هذا ما يحدث للقدس «أورشليم» الآن، حيث السور هو المترسة والحصار من كل جهة، والهدم عن طريق التنقيب تحت المدينة ماضٍ بغير توقف.. ثم ما أكثر اللصوص الذين حوّلوا بيوت الله وحوّلوا مرجعية العقيدة الدينية إلى مغارات مظلمة ينهبون فيها ما تطالهم أيديهم! وفى أسبوع الآلام.. بل أسابيع الآلام ونحن فى انتظار القيامة.. قيامة أمتنا من حالة التردى الذى وقعنا فيه.. وقيامة ثورتنا حتى تنتصر.. وقيامة الإنسان حتى لا يستعبده قيصر من بعد قيصر، يعيد المرء قراءة منظومة الحكمة المصفاة أينما وجدها.. ومن الحكمة المصفاة مع اقتراب عيد القيامة المجيد نقرأ موعظة الجبل حيث جلس السيد المسيح له المجد على الجبل وعلّم تلاميذه.. ومما قال أقتبس بالنص من الإصحاح الخامس من إنجيل متى ما يلى: «... قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم، وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم ومن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع، ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم فإن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك فاترك قربانك قدام المذبح واذهب أولا اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك»... «... سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السموات فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين، لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأى أجر لكم أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك. وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأى فضل تصنعون أليس العشارون أيضا يفعلون هكذا فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل».. «لا تدينوا كما لا تدانوا لأنكم بالدينونة التى بها تدينون تدانون وبالكيل الذى تكيلون به يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الذى فى عين أخيك وأما الخشبة التى فى عينك فلا تفطن لها. أم كيف تقول لأخيك دعنى أخرج القذى من عينك وها الخشبة فى عينك. يا مرائى أخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى من عين أخيك»، «إنجيل متى» الإصحاحات: الخامس والسادس والسابع. يا رب افتح عيوننا على الحق.. وخلصنا من شرور أنفسنا ومن الذين لا يخافونك ولا يرحموننا.. وكل عيد قيامة ومصر كلها بخير. [email protected]