ليس تهديد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بإعادة رفع الحواجز الجمركية على الحديد والألومنيوم ضربا للاستقرار فى ساحة التجارة الدولية، وتكريسا للانعزال والانكفاء على الذات فحسب، ولكنه لطمة جديدة وجهها لحلفائه الأوروبيين، وذلك بعدما أطاح أى مفهوم للتضامن داخل حلف «الناتو» الذى يضم عددا كبيرا من دول أوروبا، قد بدا ذلك واضحا فى تركيز أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا على مسألة وحدة أوروبا وقوتها مؤخرا، وربما كانت هناك أسباب أخرى دفعت ميركل لمثل النتيجة المدهشة التى حققها حزب «البديل» اليمنى المتطرف فى الانتخابات الألمانية الأخيرة بما وضع (وسطية) ميركل فى اختبار صعب، دفعها إلى تشكيل حكومة ائتلافية، وتقديم تنازلات لم يعتدها حزبها (الاتحاد المسيحى الديمقراطى) لحزب (الديمقراطيين الاشتراكيين) وتعيين وزراء منه لحقائب الخارجية والعدل والمالية.. ليس هذا فقط ولكن المستشارة الألمانية تشعر بخطر جسيم من مد الأحزاب اليمينية والقومية فى الفضاء أو الساحة الأوروبية كلها، وربما كان أبرز تجلى لتلك الحقيقة هو فوز اليمين المتطرف الإيطالى بقيادة حزب (النجوم الخمس) بنسبة كبيرة من مقاعد البرلمان على نحو سيدفع إيطاليا إلى الدخول معه فى مفاوضات صعبة ومرهقة لتشكيل حكومة، وكان واضحا من احتفال زعماء اليمين الشعبوى الأوروبى بذلك أن القارة العجوز تتعرض لمرحلة جديدة من العدوانية والتوتر الاجتماعى ولكن الأهم أن (الاتحاد الأوروبى) ذاته يواجه تصدعا كبيرا، فنموذج الخروج البريطانى (بريكست) من الاتحاد الأوروبى صار ملهما لأحزاب أخرى مثل (الجبهة الوطنية) فى فرنسا بزعامة مارى لوبان التى توحدت آمالها بالاشتراك مع أحزاب بريطانية مثل «يوكيب» نايجل فاراج من أجل رؤية أوروبا كلها خارج ذلك الاتحاد الأوروبى.. لذلك تحاول أنجيلا ميركل الحفاظ على ما تبقى من وحدة أوروبا، وتدعيم الفارق بينها وبين الموقف الأمريكى وربما يبدو ذلك واضحا فى ملف إيران.. أوروبا تحاول الصمود وقد كانت ضربات ترامب المتواصلة لأوروبا سببا رئيسيا فى ذلك، وميركل تحاول قيادة التماسك الأوروبى فى زمن شارف العالم عصرا جديدا، وربما من أكبر الدلائل على التدخل الأمريكى لصالح الشعبويين الأوروبيين زيارة المستشار السابق لترامب إلى إيطاليا لدعم الشعبويين وقت نتيجة الانتخابات، وبحيث سيظل اسم «يانون» لصيقا بتلك المناسبة اليمينية الصاخبة. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع