مجال محمود فى البحث التاريخى ذلك الذى يهدف إلى استجلاء تاريخ الأفكار. مازال الاهتمام بهذا المجال محدوداً، بل نادراً فى مصر، وفى العالم العربى بوجه عام. وما برح تاريخ الأفكار مرتبطاً بالفلسفة والدراسات المتعلقة بها فى الأغلب الأعم. ومن هنا تأتى أهمية البحث الذى أعدته إيمان العوضى لنيل درجة الماجستير فى التاريخ عن (الفكر الليبرالى فى مصر 1919-1961)، ونشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب قبل أسابيع قليلة. جاء البحث فى ثلاثة فصول أساسية، إذ قدمت الباحثة فى الفصل الأول نماذج لكتابات من ظنت أنهم دعاة الفكر الليبرالى فى مصر، وتناولت فى الثانى ما تصورت أنها أحزاب ليبرالية فى الفترة من 1919 إلى 1953، ثم خصصت الفصل الثالث لانحسار الفكر الليبرالى حتى 1961. بذلت الباحثة مجهوداً كبيراً تستحق التحية عليه، ولكنها لم تتمكن من الغوص فى أعماق الموضوع وتدقيق مصطلحاته ومفاهيمه، فخلطت بين الأفكار المتناثرة والفكر المتكامل، وتصورت أن كل من كتب عن الحرية والديمقراطية والعلمانية لابد أن يكون مفكراً ليبرالياً. وتأثرت بخطأ شائع فى هذا المجال وقع فيه من هم أكثر منها خبرة وإطلاعاً. وأظهر بحثها حاجة شديدة إلى تخصص فرعى فى علم التاريخ يُعنى بتاريخ الأفكار، بحيث يكون فى كل قسم من أقسام هذا العلم فى كليات الآداب متخصصون فيه. فقد أصبحت التخصصات الدقيقة ضرورة للبحث العلمى، إذ يتعذر على من تخصص فى تاريخ الأحداث أن يُلم بتاريخ الأفكار إلمام الباحث العارف المُدَّقق. كما لا يسهل لمن تخصص فى تاريخ الحكام والقادة أن يدرس تاريخ المفكرين، وأن يُميَّز بين أصحاب الأفكار ومن تأثروا بأفكار أو أُعجبوا بها. وعندما نبحث فى تاريخ الفكر الليبرالى فى مصر وفق هذا المنهج، نجد أن من اعتُبروا فى دراسة إيمان العوضى مُفكرين ليبراليين إنما كانوا متأثرين ببعض الأفكار الليبرالية فى حدود ما تيسر لكل منهم. كما أن تأثرهم بها لم يكن فى الأغلب الأعم لكونها ليبرالية فى الأساس، بل لأنها أسهمت فى نقل أوروبا من التخلف إلى التقدم. وعندما نقرأ الدراسة نخلص إلى أن لدى الباحثة قدرات متميزة تمكنها من كتابة رسالة علمية تقدم قيمة مضافة حقيقية لو كان هناك تخصص فى تاريخ الأفكار فى جامعاتنا. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد