صدر حديثا كتاب "الفكر الليبرالي في مصر 1919-1961" تأليف الباحثة والصحفية إيمان العوضى تقديم الدكتورعاصم الدسوقي من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب يتناول الكتاب أحد القضايا الخلافية بين الباحثين في تاريخ مصر المعاصر ألا وهي قضية الليبرالية .. وهل شهدت مصر تجربة ليبرالية في الحكم والسياسة قبل عام 1952 أم شهدت مفكرون من طراز خاص طرحوا الفكر الليبرالي وفق ما اطلعوا عليه في الصحافة والكتب وفي ساحة العمل السياسي في مختلف بلدان أوروبا الغربية على وجه الخصوص. والشائع بين معظم الباحثين أن مصر شهدت تجربة ليبرالية في مصر بدأت مع دستور 1923 من خلال برلمان يضم مختلف القوى السياسية حزبية وغير حزبية تداولت الحكم من خلال انتخابات، وتم تقويض هذه التجربة بقيام ثورة 23 يوليو 1952 بإلغاء الدستور وإلغاء الأحزاب وإقامة التنظيم السياسي الواحد .. أما الحقيقة الموضوعية في هذا الشأن فتتلخص في أن مصر لم تشهد تجربة ليبرالية حقيقية لعدة دلائل في مقدمتها أن الملك كان يعصف بالدستور ولا يقيم له وزنا حيث درج على إقالة الحكومة القائمة وتكليف أحد أتباعه (رجال القصر اصطلاحا) بتشكيل حكومة جديدة دون إجراء انتخابات. ومما يؤكد هذا أن مصر شهدت أكثر من 32 حكومة منذ اول حكومة برئاسة سعد زغلول (يناير1924) وحتى ليلة 23 يوليو 1952 لكن لم تجر الانتخابات إلا ست مرات فقط، بل أن محمد محمود باشا رئيس الحكومة أصدر قرارا بحل البرلمان في 1938 وعرفت حكومته بحكومة اليد الحديدية، وأن مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد "الليبرالي" قبل تشكيل الحكومة في 4 فبراير 1942 بتدخل من السفير البريطاني مايلز لامبسون (لورد كيلرن) الذي أرغم الملك فاروق على تكليف النحاس بتشكيل الحكومة. وفي هذا الخصوص أيضا نجد أن دستور 1923 "الليبرالي في عرف أولئك الباحثين" ينص على كل مبادىء حرية الفكر والاجتماعات والتعليم وحرية الصحافة، ولكن "في حدود القانون أو الأعراف أو التقاليد"، بل إنه بعد النص على أن الصحافة حرة ولا يجوز مصادرة أي صحيفة إلا بقانون، نجده ينص على جواز مصادرة الصحف وقاية للمجتمع من الإفكار الهدامة. ومن الواضح أن هذا القيد جاء لمواجهة إعلان قيام الحزب الشيوعي المصري في 1921. وفي قانون الانتخاب الذي صاحب الدستور تم النص على شروط من يرشح نفسه لعضوية البرلمان قصرت العضوية في النهاية على أبناء الطبقة العليا في المجتمع من كبار ملاك الأراضي الزراعية وأصحاب رأس المال التجاري والصناعي، حيث نص القانون على أن الذي يرشح نفسه لمجلس الشيوخ يكون ممن يدفعون ضريبة أطيان زراعية قدرها 150 جنيها سنويا، وهذا يعني آنذاك أن يكون مالكا ل 300 فدان. لأن ضريبة الفدان آنذاك كانت خمسون قرشا (نصف جنيه)، أما الذي يرشح نفسه لمجلس النواب فكان عليه أن يدفع تأمينا قدره 150 جنيه لا ترد له إلا إذا حاز على 5% من الأصوات على الأقل. وبهذه الشروط وقع البرلمان في يد هذه الصفوة التي اهتمت بحماية مصالحها على حساب الطبقة الوسطى والفلاحين والعمال. والذي يتابع مضابط برلمان الفترة من 1924-1952 يجد هذه الحقيقة ماثلة ومؤكدة دون مشقة أو عناء. وبناء على هذه المعطيات تأتي أهمية هذا الكتاب الذي وضعته الباحثة إيمان العوضي عن "الفكر الليبرالي في مصر 1919-1961"، وليس عن التجربة الليبرالية في مصر كما هو شائع بين معظم الباحثين، حيث تناولت مفهوم الليبرالية بشكل عام، ثم عرضت لنماذج من دعاة الفكر الليبرالي في مصر من أصول مختلفة (احمد لطفي السيد، والشيخ علي عبد الرازق، والأديب نجيب محفوظ)، ثم قدمت نماذج لحركة الأحزاب ذات الفكر الليبرالي في مقدمتها الوفد، ثم الأحرار الدستوريين، والهيئة السعدية، والكتلة، وجميعها منشقة عن حزب الوفد أساسا. واخيرا تتناول مسألة إنحسار الفكر الليبرالي في مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952 حتى 1961 وهو معنى مختلف عن القول الشائع بتقويض التجربة الليبرالية في مصر مع قيام الثورة.