كان البرلمان المصري منحلا بحكم قضائي وفي خلال 3 أيام عاد البرلمان لممارسة عمله قبل أن يعود إلى وضع "الحل" مرة أخرى، في مشهد مرتبك وصراع بين السلطات لم تشهده الساحة السياسية المصرية منذ سنوات طويلة. ولا يعرف كثيرون أن تاريخ حل المجلس النيابي قديم قدم الممارسة البرلمانية، فقد كان الخديو توفيق أول من قام بحل المجلس النيابي، كما أن المشير طنطاوي لن يكون آخر من يحل مجلس الشعب المصري استنادا إلى حكم قضائي، في مشهد يعتبره البعض نزاعا سياسيا، بينما يراه البعض الآخر نزاعا قانونيا، في حين يرى ثالث أنه نزاع سياسي يدار بوسائل قانونية على مواقع القوة في البلاد. ولأن البرلمان هو محل النزاع، ولأن البلاد لم تشهد نزاعات مماثلة منذ عقود طويلة، فقد آثرنا أن نعرض خلال السطور القادمة تاريخ حل البرلمان في الحياة النيابية المصرية منذ إنشاء المجلس العالي في عهد محمد علي باشا عام 1824، وانتهاء بحل برلمان 2012 على يد المشير محمد حسين طنطاوي. كانت بداية الحياة النيابية في مصر في عهد أول حاكم يتم تنصيبه بإرادة شعبية هو الوالي محمد علي (1805-1848)، حيث أصدر قرارا بإنشاء ما سُمّي بالمجلس العالي عام 1824، وكان كل مهمته هو مناقشة الموضوعات، التي يطلب الوالي مناقشتها فحسب. ثم تطور الوضع في عهد الخديو إسماعيل، وكان هذا البرلمان أكثر فعالية من سابقه الذي كان صوريا بدرجة كبيرة. ظل العمل التشريعي في مصر متوقفا بسبب الاضطرابات التي كانت تشهدها البلاد وقيام هوجة عرابي عام 1881 التي كان من أهم مطالبها إنشاء مجلس للنواب، وبالفعل أجريت الانتخابات استنادا إلى قانون عام 1866 في عهد الخديو إسماعيل، ولكن لم يستمر عمل هذا المجلس سوى أقل من عام حيث وقع الاحتلال البريطاني عام 1882، وقامت سلطات الاحتلال بعد ذلك بإلغاء القانون الأساسي الخاص بمجلس شورى النواب، وحل هذا المجلس للمرة الثانية. واستمر مجلس النواب حتى توفي الخديو إسماعيل وتولى ابنه الخديو توفيق حكم البلاد الذي كان صاحب أول قرار لحل البرلمان حيث ضاق ذرعا من اللائحة التي أعدها المجلس يعطي فيها لنفسه صلاحيات محاسبة الوزراء والتدخل في بعض المسائل المالية، فرفض اللائحة وأصدر قرارا بفض المجلس في يوليو عام 1879 ليكون بذلك أول حاكم للبلاد يحل برلمانا منتخبا. ولأن بقاء البلاد بدون برلمان منتخب أمر لم يكن جائزا، فقد أقدمت سلطات الاحتلال على إصدار ما يسمى بالقانون النظامي الذي انتخب على أساسه ما يسمى بمجلس شورى القوانين عام 1883 وقد كان في حقيقة الأمر مجلسا بصلاحيات إدارية واستمر حتى عام 1914 حيث استبدله الاحتلال بما يسمى الجمعية التشريعية. والجمعية التشريعية تلك لم تستمر سوى ستة أشهر، حيث ظهر شبح الحرب العالمية الأولى في الأفق وبالتالي وللمرة الثانية يقوم الاحتلال البريطاني بحل المجلس بعد فرض إعلان الحماية البريطانية على مصر وإعلان الأحكام العرفية وظلت مصر متوقفة تشريعيا حتى عام 1923. وكان دستور عام 1923 نتاج ثورة 1919 التي شملت كل أنحاء البلاد في تلك الفترة وكان أهم مطالبها هو وضع دستور للبلاد وبالفعل صدر هذا الدستور الذي أسس لبداية حياة نيابية حقيقية للمصريين تراعي الفصل بين السلطات والتعاون بينها. لكن المشكلة أن الفترة من 1923 حتى 1953 قد شهدت صراعات سياسية شرسة بين الملك والبرلمان تارة وبين البرلمان والوزارة ولكن أيضًا بإيعاز من الملك، ويكفي القول إن ثمن ذلك كان حل البرلمان أكثر من عشر مرات وتغيير دستور 23 بدستور 1930 ثم العودة إليه مرة أخرى. كان من بين المرات التي تم فيها حل البرلمان عام 1924، بسبب خلافات بين سعد زغلول رئيس حكومة حزب الوفد التي اكتسحت الانتخابات البرلمانية والملك فؤاد حول صلاحيات الملك، إلى أن استقالت الوزارة وقام رئيس الوزراء المعين (عكس النظام النيابي الذي كان معمولا به في مصر آنذاك) زيور باشا بحل البرلمان. تكرر الأمر على يد رئيس الوزراء محمد محمود باشا عام 1928 بعد اكتساح حزب الوفد للانتخابات البرلمانية، ثم أبطل البرلمان من جديد مع إبطال دستور 1923 على يد إسماعيل صدقي رئيس الوزراء وصياغة دستور مارس 1930 ثم إبطاله مرة أخرى مع صدور قرار بعودة دستور 1923. واستمر الوضع هكذا حتى قيام ثورة 1952 وحل البرلمان وتعطيل الحياة النيابية ثم أصدر دستور 1956 الذي بموجبه تم انتخاب مجلس الأمة عام 1957 ولكن قرار بحله صدر عقب الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 وصدور دستور الوحدة ولكن تم حله مرة أخرى عقب الانفصال في 1961 ثم انتخب من جديد بناءً على دستور 1964 المؤقت ثم حله مرة أخرى بعد إقرار دستور البلاد الدائم عام 1971 وانتخاب برلمان 1976 ثم برلمان 1979 الذي كان أول برلمان يتم انتخابه على أساس التعددية الحزبية منذ حلها في أعقاب ثورة 1952. وفي عهد الرئيس السابق مبارك تم حل برلماني 1987 و1990 بسبب عدم دستورية قانون انتخاب مجلس الشعب وقد استغرقت المحكمة الدستورية العليا وقتها 3 سنوات حتى تصدر هذا الحكم ليتكرر هذا المشهد في 14 يونيو 2012 ليقصي برلمان لم يستمر سوى أشهر معدودة. التاريخ يقول إن الخديو توفيق كان أول من حل سلطة البلاد التشريعية والمشير محمد حسين طنطاوي كان آخرهم، وطوال 188 عاما تشريعيا، كان البرلمان دائما هو الورقة التي تسقطها خماسين السياسة، لم ينجح البرلمان يوما في معركته وطالما كان هو الطرف الأضعف، وكذلك هو الحال في 2012 ولم ينجح حتى الرئيس في الانتصار له بمعركة بقائه.