ليست القوة وحدها هي الوسيلة التي يلجأ إليها الحكام السلطويون لقمع معارضيهم, فقد رأي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن استخدام القوة وإراقة الدماء لا يجلب سوي المزيد من الاحتجاجات وفتح باب الانتقادات والضغوط الخارجية وقد يتطور الوضع إلي الفوضي واضطراب الأوضاع في البلاد إذا تفاقم الصراع بين المعارضين و السلطة الحاكمة.ولذلك قرر بوتين, القيصر العائد إلي الكرملين, اللجوء إلي القانون كوسيلة لقمع معارضيه الذين كادوا أن أن يزلزل إمبراطوريته عندما خرج الاف الروس في مارس الماضي محتجين علي إعادة انتخابه ومعلنين رفضهم لسيطرة بوتين علي مقاليد الحكم منذ ما يزيد علي11 عاما. وقد بدأ الرئيس الروسي حربه القانونية ضد المعارضة من خلال إقرار سلسلة من القوانيين ذات العبارات الفضفاضة كثيرة التأويل غير محكمة الصايغة أو بعبارة أخري قوانين تفصيل تهدف في مظهرها إلي الحفاظ علي الأمن العام ومصلحة الدولة ولكنها في باطنها تسعي لإرهاب المعارضة وشق صفها. ففي الشهر الماضي أقر مجلس الدوما الروسي أو مجلس النواب الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم علي مشروع قانون يقضي برفع قيمة الغرامة علي المشاركين في مظاهرات غير مرخص لها إلي300 ألف روبل(9.300 دولار), وخلال الاسابيع القليلة الماضية أقر البرلمان ثلاثة قوانيين جديدة أولها وأهمها قانون يصف منظمات المجتمع المدني التي تتلقي تمويلا من الخارج وتمارس نشاطا سياسيا بمنظمات عميلة للخارج ويضعها تحت مراقبة شديدة, وهو ما يجعل من العمالة تهمة جاهزة ووصمة عار تلصق علي جبين تلك المنظمات, ويكرس للنغمة البوتينية المعادية للغرب التي تصور روسيا علي أنها قلعة حصينة والمعارضون هم الدمي في أيدي الغرب العدو. وأما القانون الثاني فيسمح بإغلاق مواقع الإنترنت التي تشتمل علي مضامين يحظرها القانون دون حكم من المحكمة, ورغم أن نص القانون يركز علي المحتوي الضار للأطفال والمتعلق بالمخدرات وطرق الانتحار فإنه ذكر أيضا المحتوي غير القانوني دون تحديد لطبيعة هذا المحتوي الأمر الذي يمكن استغلاله سياسيا مما يفتح الباب أمام السلطات لإغلاق صفحات علي مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتويتر وهي المواقع التي برزت حديثا كأهم أدوات المعارضة لنشر دعواتها ضد الأنظمة الحاكمة علي غرار ما حدث في ثورات الربيع العربي. أما القانون الثالث فيجعل من التشهير جنحة يعاقب عليها بغرامات علما بأن التشهير لم يكن عرضة للمحاسبة العام الماضي في عهد الرئيس السابق ورئيس الوزراء الحالي ديمتري ميدفيديف. وتعلق مجلة إيكونوميستالبريطانية علي ذلك قائلة إن بوتين يبني الإطار الشرعي لحكمه السلطوي, مشيرة إلي أن تلك القانونيين الجديدة هي نتاج حالة من القلق والخوف من بيئة سياسية جديدة تعالت فيها أصوات المعارضة والاحتجاجات الشعبية, فإذا كان بوتين قد أثبت علي مدار العقد الماضي مهارة في التلاعب بعالم الأحزاب والانتخابات, فإنه لم يثبتها بعد علي صعيد المجتمع المدني.واستشهدت المجلة ببعض الكاتب و الصحفيين الروس الذين قالوا إن الرئيس الروسي يسعي للتأكيد أمام الجميع أنه عائد إلي الكرملين بنفس القوة رغم الاحتجاجات التي لاحقت إعادة انتخابه وكأنه يقول لا أحد يستطيع أن يأخذ مني شيئا ولكن كن حذرا أيها القيصر لأنك إذا لم تقدم شيئا اليوم فستجبر علي تقديم الكثير غدا.