كانت القفزات المتتالية التى حققتها مؤشرات بورصة نيويورك خلال السنة الماضية مدعاة لتفاخر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. وفى خطابه الأخير عن حالة الاتحاد، اعتبر ترامب ازدهار وول ستريت - كناية عن أسواق المال والبورصة - نتيجة مباشرة لإنجازاته كرئيس. ثم حدث قبل أيام مالم يتوقعه كثيرون، باستثناء الخبراء المخضرمين، حيث سجل المؤشر الرئيسى فى بورصة نيويورك، داو جونز، انخفاضا لم يحدث من قبل فى تاريخه؛ تراجع 1175 نقطة فى يوم واحد فقط. ورغم أنه سجل ارتفاعا طفيفا بعد ذلك، إلا أن هذه الصدمة أحدثت هزة قوية فى الأوساط المالية داخل أمريكا وخارجها. ووراء تهاوى المؤشر عدة أسباب أهمها بيانات التوظف التى أصدرتها أخيرا وزارة العمل الأمريكية وتشير إلى زيادة الأجور بما يفوق التوقعات. ولأن زيادة الأجور تواكبها عادة زيادة إنفاق المواطنين على شراء السلع والخدمات، فإنها أيضا تؤدى إلى ارتفاع معدلات التضخم. ومن المألوف فى مثل هذه الحالات أن يلجأ مجلس الاحتياط الفيدرالي، وهو بمثابة البنك المركزى فى أمريكا، لزيادة أسعار فائدة البنوك لكبح التضخم. وهكذا أثارت هذه التوقعات ذعر المستثمرين فى البورصة ودفعتهم لبيع أسهم الشركات وشراء سندات البنوك للاستفادة من أسعار الفائدة المرتقبة، مما أدى إلى انخفاض المؤشر. ولأن مايحدث فى بورصة نيويورك يؤثر فورا فى أسواق المال العالمية، فقد سجلت هذه الأسواق لاسيما فى لندنوطوكيو تراجعا ملموسا، مع ملاحظة أن البورصة الصينية لم تتأثر بالقدر نفسه. فبينما هبطت قيمة السهم فى بورصة طوكيو مثلا بمعدل 8 فى المائة، كان تراجع أسهم بورصة شنغهاى عند 2.2 فى المائة فقط. وتفسير ذلك هو تبعية أسواق المال الغربية للأسواق الأمريكية، بينما تعتبر سوق المال الصينية مغلقة ومحصنة إلى حد ما من تقلبات السوق الأمريكية. غير أن تراجع مؤشر داو جونز وإن بدا مخيفا، إلا أنه يدخل فى إطار مايصفه الاقتصاديون باصطلاح “التصحيح”. فقد شهدت مؤشرات الأسهم الرئيسية فى السوق الأمريكية ارتفاعا متتاليا بصورة غير مسبوقة وكان متوقعا أن يحدث بعض التراجع لتصحيح هذا الارتفاع غير العادي. وبالتالى فإن التراجع مجرد انخفاض دورى وليس مقدمة لانهيار كالذى حدث عام 2008. ومن المصادفات الغريبة أن تحدث هذه الهزة القوية فى بورصة نيويورك فى اليوم الأول لتولى جيروم باول منصبه الجديد كرئيس لمجلس محافظى الاحتياط الفيدرالي، مما أثار تعليقات ساخرة سواء عن سوء الطالع الذى حل على أسواق المال بسبب تولى الرجل لهذا المنصب، أو عن مؤشر داو جونز الذى انخفض خصيصا ليضع الرئيس الجديد فى اختبار مفاجيء. وعلى الجانب السياسي، تسبب هذا الهبوط فى إحراج الرئيس ترامب الذى ادعى أنه سبب ازدهار البورصة، وهو ماتجنبه الرؤساء السابقون بمن فيهم أوباما، لأن صعود وهبوط مؤشرات الأسهم لعبة تقليدية تتأثر بعوامل أخرى خارج سيطرة رئيس البلاد. وقد طالب البعض ترامب باعلان مسئوليته عن تراجع داو جونز، باعتبار أن المسئول عن ازدهار الأسهم سيكون أيضا مسئولا عن انهيارها، وهو بالطبع مالم يفعله ترامب. وجاء رد البيت الأبيض مؤكدا أن تقلب الأسواق أمر مألوف، لكن الاقتصاد فى حالة جيدة، ويمضى فى منحنى متصاعد على المدى البعيد.