"لو لم أكن صحفيا لوددت أن أكون محاميا" نعم تلك أمنية تمنيتها منذ عشر سنوات أن أكون محامية بجانب أننى صحفية . وما دفعنى الى ذلك قدوتان كانتا مثلا أعلى لى احدهما كبيرة جدا فى القيمة والعمر والثانية كبيرة فى القيمة وصغيرة فى السن . تعلمت من الأثنين كيفية إلقاء الكلام بالحجج والبراهين وتقديم الأدلة . أما الآولى فكان الدكتور فتحى سرور أستاذ القانون ورئيس مجلس الشعب الاسبق . وما جدد الامنية داخلى هو مناسبة إلقائه أولى محاضرات معهد المحاماة التى تنظمها النقابة العامة للمحامين بالقاهرة لتدريب خريجى القانون الجدد الراغبين فى القيد بالنقابة بناء على توجيهات نقيبها الأستاذ سامح عاشور، ليس فقط لوضع جيل من المحامين عند مستوى مهنى معين للقيد بالجدول العام ولكن لتغيير الصورة السلبية التى رسخت مؤخرا فى الاذهان بأن مهنة المحاماة مهنة لا مهنة له . يروق لى كلام "الاستاذ " وأقصد هنا الدكتور سرور . وأقول " الاستاذ " لانه بحق يستحق كلمة أستاذ تلك الكلمة التى لم تطلق سابقا الا على المحامى فقط الذى ظفر بهذا اللقب من دون غيره فى الخمسينات والستينات من القرن العشرين حيث كان المحامى موضع ثقة موكليه ، الحامى حماهم والمدافع عن حقوقهم وكم من اعلام فى المحاماة امثال سعد زغلول دافعوا ن عن الوطن والشعب وقادوه الى الحرية والاستقلال بالمحاماة مما يدل على رفعة المهنة و شأنها العالى أنذاك كما يروق لى ايضا رأى " الاستاذ" الملقب دائما "بترزى القوانين " لمهارته وبراعته وقدرته وابتكاره فى توظيف القوانين فى مواضيعها المناسبة - وهو ما يحسب له - بأن النقابة كانت فى الستينات تمتحن المتقدمين للقيد بها من منطلق أن شهادة الحقوق الورقية التى كانت تعلق على جدران المنازل للافتخار بها غيركافية للعمل بمهنة المحاماة ، فكليات الحقوق تمنحهم التكوين القانونى أما النقابة فمهمتها بناء تكوينهم المهنى . أما القدوة الثانية التى جعلتنى أحب المحاماة أكثر ، فكانت لشاب محامى يدعى " إسلام عطية " فى العشرينات من العمر تلقى علوم القانون فى جامعة القاهرة على يد نزيه صادق المهدى ودرس الدبلومه على يد الاستاذ الدكتور فتحى سرور ، شاب نابغة فى القانون تشعر أنك امام فتحى سرور الصغير ، جال وصال فى قاعات المحاكم رغم صغر سنه ، يبرهن لك من تفوقه فى عمله أن المحاماة مهنة أشق من القضاء فالأولى قائمة على التفكير والابداع والاخيرة ترتكز على الترجيح ، وكلاهما معا محاماة وقضاء يشكلان جناحى العدالة ، فالمحاماة مهنة حرة تشارك القضاء فى تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع فالمحامى الفصيح ذاك الشاب يرى ان القاضى متلق للمعلومة فى حين ان المحام لابد ان يكون مقتنع بالمهنة وهاوى لها باحثا عن المعلومة ومعطى لها و مرافعة المحامى لها قيمة عالية جدا حيث توضح للمحكمة ملابسات الواقعة وتهديها طريقها للقانون المطابق للواقعة مع اجلاء الحقائق. وبيّن لى الأستاذ الصغير أيضا أن المحاماة تتمتع بالديمقراطية التى تقوم على الرأى والرأى الآخر لأن القاضى يسمع من الخصوم جميعا علاوة على أن الله سبحانه وتعالى وفر للإنسان فكرة الدفاع عن النفس لتأصيل فكرة العقاب حيث أنّ المولى عز وجل أعلم بأعمال كل بنى ادم من البشر ومع ذلك يسأله عن افعاله هل عملت كذا رغم انه يعلم كل شىء وانتقل لى مفهوم المحامى النابغة عن المحاماة بأن الله سبحانه وتعالى عندما انزل القضاء انزله بخلافة منه على الارض فالقاض خليفة الله فى الارض للحكم بين الناس وكان لابد لكى يستقيم قضاء القاضى ان يكون لكل متهم حق الرد والدفاع عن نفسه فكانت مهنة المحاماة . ولما كان من المعلوم ان مهنة المحامى تنصب فى البحث والتنقيب فى القوانين لمحاولة الحصول على حق موكله فكان لزاما عليه ان يكون من المطلعين والمبدعين فى اجلاء الحقائق وان يتمتع بقدرة على أقناع القاضى من خلال أسلوب واضح وعبارات رصينة باللغة العربية الفصحى المطعمة بأمثلة من أيات القرأن الكريم . فكانت المرافعة وهى نور القاضى للحكم بضمير مستريح وعلى هذا كانت دائما سعى نقابة المحامين فى ضم صفوة المفكرين والمبدعين و الذين حملوا على عاتقهم رد الحقوق لأصحابها اى كان مغتصب الحق ولكن يا أسفاه –هكذا قالها المحامى الصغير تردى الحال فى مؤسسات الدولة أدى بالتبعية الى تردى حال النقابة ومحاميها وأصبح ما هو مكتوب فى نصوص الدستور حبرا على ورق لايؤدى مبتغاه المتمثل فى تردى أبنية المحاكم وعدم وجود أماكن للمتقاضيين والمحامين واقتصار اماكن الجلوس على القضاة فقط رغم تساوى القاضى والمحامى فى القيمة وتنازل بعض المحامين عن حقوقهم تدريجيا مثل عدم التزام المحامى بالزى الرسمى الذى يليق بعراقة مهنته ومحاولة المحامى التقرب من الموظف الادارى ومحاولة رشوته للحصول على بعض المستندات التى هى من حقه اصلا الحصول عليها قانونا مما يقلل من قيمته وقدره فى أعين الموظفين المتعامل معهم وموافقة المحامين على عدم التزام القضاة بمواعيد الجلسات والموافقة على الانتظار واقفين بطرقات المحكمة لحين الدخول للقاضى للترافع امامه كل ذلك واكثر هو ما جعل هيبة المحاماة تندثر مع الوقت فهل ياترى من الممكن ان يجبر الجناح المكسور للعدالة فى ظل محاولات جريئة من نقيبها سامح عاشور لاستعادة المهنة هيبتها مرة اخرى ؟ [email protected] لمزيد من مقالات سعاد طنطاوى;