◄ أرون ديفيد ميلر: المنطقة أكبر وأكثر تعقيدا من قدرة دولة واحدة على حل مشكلاتها بما فى ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية ◄ سيمون هندرسون:سوريا ستبقى مفككة ولست متفائلا بمسار جنيف ◄ جوشوا لانديز:فقدان الأمل فى حل الدولتين يعنى مستقبلا مظلما للفلسطينيين ◄ 3 سياسات سار فيها ترامب على خطى أوباما...وقرار القدس وورقة تقسيم سوريا يلقيان بظلالهما
ينهى دونالد ترامب اليوم العام الأول له فى السلطة،و هو لم يكن عاماً سهلاً دوليا أو أوروبيا أو إقليمياً. فالعلاقات الأمريكية-الروسية فى منعطف جديد على خلفية أزمات عديدة على رأسها سوريا. كما أن العلاقات الأمريكية-البريطانية لم تكن يوماً أكثر برودة وزيارة الرئيس الأمريكى إلى لندن فى فبراير المقبل، والتى كان من المفترض أن تعيد لها بعض الزخم، أعلن ترامب إلغاءها من طرف واحد, وليست العلاقات الأمريكية بالصين أو اليابان أو جوارها الإقليمى فى أمريكا اللاتينية بأحسن حالاً. لحظات تأمل كثيراً ما أسفرت عن قرارات عاصفة متسرعة وعام 2018 قد لا يجر معه تحولات إيجابية فى العلاقات الأمريكية مع الكثير من هذه الدول, فأمريكا على أبواب الانتخابات النصفية للكونجرس، ما يعنى أن السياسة الخارجية الأمريكية ستظل أسيرة توازنات الداخل وتلبية شعارات القواعد الشعبية التى انتخبت ترامب فى نوفمبر 2016، حتى لو لم تكن تلك السياسات تخدم المصالح الخارجية الأمريكية. والشرق الأوسط، قبل أى منطقة أخرى فى العالم معرض فى عام 2018 لمخاطر تلك السياسات الخارجية التى تحركها الأجندة والتوازنات الداخلية. وإذا كنت تلاحظ تخبطا وغيابا للرؤية الإستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، فهذا لأن هناك تخبطاً وغياباً للرؤية الإستراتيجية الأمريكية فى المنطقة كما يقول مسئولون أمريكيون سابقون وخبراء فى شئون الشرق الأوسط ل»الأهرام». التنبؤ بمسار الشرق الأوسط فى عام 2018 ليس سهلا وذلك لأن إدارة ترامب انتهجت مسارين متناقضين سارا جنبا إلى جنب حتى الآن، وهما «الحذر الشديد» فى قضايا و«التهور الشديد» فى قضايا أخرى.
ويقول آرون ديفيد ميلر مستشار الشرق الأوسط فى إدارتى الرئيسين السابقين باراك أوباما وبيل كلينتون ل«الأهرام» إن السياسة الخارجية لترامب «لم تقطع كل الخطوط مع إدارة اوباما»، فقد واصل ترامب سياسات انتهجها أوباما، يلخصها ميلر فى ثلاث. أولاً: مواصلة الاستراتيجية الأمريكية ضد «داعش» فى سورياوالعراق. ويوضح ميلر:«قرر ترامب مواصلة الحملة التى قامت على استراتيجية أوباما لمنع داعش من الاحتفاظ بالأراضى التى استولت عليها وأعلنت عليها الخلافة الاسلامية. وعززت إدارة ترامب الحملة وزادت من الإنخراط فيها وظهرت نتائج هذا فى طرد داعش من معقله فى الموصل بالعراق وعاصمته المفترضة فى الرقة فى سوريا بنهاية عام 2017, لكن محاصرة داعش على الأرض لا يعنى انتهاء خطر التنظيم إيديولوجيا أو قدرته على التجنيد, كما أن تنظيم القاعدة والتنظيمات المنضوية تحته تسيطر على مناطق واسعة فى شمال سوريا وتتحكم فى نحو 2 مليون سوري, وهى تنشط عالميا عبر خلاياها, وهذا يعد خطرا أمنيا عالميا وتحديا أمام إدارة ترامب 2018». ثانيا: الملف الثانى الذى سار فيه ترامب على نهج أوباما، حتى الآن، كان الحفاظ على الاتفاق النووى الإيراني, ويقول ميلر إن ترامب الذى هدد بتمزيق الاتفاق مرات عديدة خلال الحملة الانتخابية وفى العام الأول له فى البيت الأبيض، تم محاصرته من قبل مستشاريه وأعضاء حكومته وعلى رأسهم وزير الدفاع جيم ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون, فكلاهما يرى مخاطر انسحاب واشنطن من الاتفاق, فالخروج من الاتفاق النووى الإيرانى يعطى لطهران العذر للمضى قدما وبسرعة كبيرة فى تجسيد طموحاتها النووية، كما أنه يعزل أمريكا دوليا فى هذا الملف المهم. ثالثاً:على غرار أوباما، أظهر ترامب عدم رغبته فى استثمار موارد أو قوات أو أموال فى أى مغامرات خارجية، خاصة فى الشرق الأوسط, ويقول ميلر:«لم تظهر إدارة ترامب النية فى تغيير ذلك النهج أو الرغبة فى لعب دور فعال فى إعادة تأهيل أو بناء النظام السياسى العربي, فترامب يرفض مبدأ إعادة بناء الأمم». ففى الملف السورى مثلا، سار ترامب 2017 على خطى أوباما, فبعد الهجوم بالكيماوى على مدينة خان شيخون شمال سوريا فى أبريل الماضي، شن ترامب هجمات محدودة على موقع عسكرى سوري, وهو نفس رد الفعل الذى كان أوباما سيتخذه دون تصعيد أو تورط أكبر فى الساحة السورية. لكن مقابل مواصلة السير على خطى أوباما فى هذه الملفات، هناك انقطاع أساسى ومكلف وخطير عن سياسات أوباما فى ملفات أخرى، على رأسها الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ واتفاقية الشراكة عبر الباسفيك. لكن ما من قرار كان أخطر وأكثر كلفة سياسية من قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس, وهو قرار أوسع وأخطر من تحديد وضعية القدس قبل المفاوضات لأنه مرتبط أيضا بقضايا أخرى حساسة على رأسها الحدود وحق العودة واللاجئون الفلسطينيون. هذا القرار وصفه رئيس مركز الشرق الأوسط فى جامعة أوكلاهوما الأمريكية جوشوا لانديز ل«الأهرام» ب «القرار الذى أدى إلى فقدان أى أمل فى حل الدولتين, فإسرائيل ستواصل بناء المستوطنات فى الضفة الغربيةوالقدسالشرقية ما يفتح الباب أمام مستقبل مظلم للفلسطينيين, حيث سيجعلهم تحت حكم عسكرى اسرائيلى مباشر فى المستقبل القريب, وهذه مقامرات يمكن أن تؤدى إلى تحولات فى بنية الشرق الأوسط كله». قرار نقل السفارة الذى اتخذه ترامب بدوافع سياسية داخلية فى أمريكا لا علاقة له بالسياسة الخارجية, حيث يوضح ميلر أن ترامب بهذا القرار كان يحاول إرضاء القواعد الشعبية التى انتخبته وليس خدمة المصالح الإستراتيجية الأمريكية طويلة الأجل. ويتابع ميلر:«من غير المحتمل أن يتم تنفيذه قبل 3 أو 4 أعوام, فلن تكون هناك سفارة فى القدس إلا قبل وقت قليل من انتهاء الولاية الأولى لترامب فى عام 2020, لكن كيف سيؤثر هذا القرار على الشرق الأوسط فى 2018؟ هذا ليس واضحا بعد, لكن دون تغيير لقرار ترامب حول القدس, من الصعب جدا رؤية أى تحرك جدى فى عملية سلام حقيقة». رؤية ضبابية أم لعب بورقة التقسيم؟ التناقض الحاد بين ما يقوله ترامب حول مساعى إدارته لإحياء عملية السلام والتوصل لصفقة كبرى تنهى الصراع العربي-الإسرائيلى من جهة، وما يفعله عمليا على الأرض من جهة أخرى، لا يقتصر على ملف عملية السلام, ففى الساحة السورية تتحرك واشنطن بطريقة من شأنها إشعال الصراع أكبر فى سوريا 2018. فقد انتهى عام 2017 بهزيمة «داعش» فى سورياوالعراق وطرد أغلب عناصر التنظيم من دير الزور والرقة والموصل, لكن أمريكا ليس لديها استراتيجية فى سوريا بخلاف هزيمة «داعش», وهى بدأت عام 2018 بتحرك سياسي- عسكرى أثار انتقادات لاذعة دوليا وإقليميا, وألقى بالمزيد من الشكوك على هدف أمريكا الإستراتيجى فى سوريا, فقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية خطة لتأسيس ما أطلقت عليه «جيش حدودي» فى شمال شرق سوريا من نحو 30 ألف عنصر غالبيتهم من أكراد سوريا, وهى الخطوة التى عارضتها روسياوسورياوإيرانوتركيا وحتى فصائل المعارضة السورية المشاركة فى جنيف، فسرت كمحاولة أمريكية لتعزيز سيطرة الأكراد على المناطق التى يريدون أن تكون جزءا من منطقة حكم ذاتى يأملون فيها بعد انتهاء الحرب فى سوريا. فأكراد سوريا يقولون إن القوة الجديدة ستحمى الخط الفاصل بين الأراضى الواقعة تحت سيطرتهم، وتلك الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية على طول نهر الفرات، ويعزز المخاطر أن الأكراد لطالما قالوا إنهم يريدون الاحتفاظ بالأراضى التى يسيطرون عليها كجزء من مناطق حكمهم الذاتى فى اطار «فيدرالية سورية», ومع أن أمريكا تقول علانية إنها تعارض تقسيم سوريا، إلا أن سياساتها على الأرض تناقض ما تقوله علانية, فالخطوة الأمريكية تنذر أولاً بتحرك تركى عسكرى أحادى الجانب ضد مناطق الأكراد شمال سوريا, وبالنسبة لتركيا فإن خطر قيام منطقة حكم ذاتى لأكراد سوريا على حدودها أفدح من بقاء الحكومة السورية, وهذا التحرك العسكرى التركى ينذر فى هذه الحالة بمواجهة مع واشنطن، وكلاهما عضو فى حلف شمال الأطلسى (الناتو). كما أن الخطوة الأمريكية لها تأثير سلبى على أى تسوية سياسية محتملة للأزمة السورية وتفتح الباب لمواجهة عسكرية محتملة بين الأكراد والجيش السوري. ويقول لانديز ل«الأهرام»: «هناك تحولات فى موازين القوى فى سوريا, فمع وقوف أمريكا مع الأكراد، وضعت تركيا كل ثقلها فى المحور الروسي- الإيرانى وهذا سيكون له تداعيات فى عام 2018, ولكن ليس من الواضح تماما ما الذى ستفعله واشنطن فيما يتعلق بالأكراد فى سوريا, فأمريكا تقول إنها لن تغادر سوريا فوراً وستساعد الأكراد فى تجربة إدارة ذاتية, وهذه أنباء جيدة للأكراد، لكنها سيئة لسوريا, وباعتقادى أن العلاقات بين واشنطن وأنقرة ستتحول من السيئ للأسوأ فى 2018». ويحذر لانديز من أن خطوة دعم قوات كردية يعنى أن أمريكا «تدعم عمليا دولة كردية مستقلة» شمال نهر الفرات، حيث يسيطر الأكراد على جزء كبير من احتياطات النفط والغاز فى سوريا, ومع عقد جولة جديدة من محادثات جنيف للتسوية فى سوريا الأسبوع المقبل، وعقد الجولة الأولى من مسار سوتشي، تحت رعاية روسية، فى فبراير المقبل، يمكن تصور الصعوبات التى تضعها واشنطن أمام أى تقدم فى المحادثات. فاستخدام ورقة التقسيم للضغط على روسيا والحكومة السورية لتقديم تنازلات قد يؤدى إلى زيادة التصميم السورى على استعادة كامل الأراضى السورية، وهذا يفتح الباب أمام استمرار الحرب لا إنهائها. ويقول سيمون هندرسون الباحث البارز فى «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني» ل«الأهرام»: من الصعب تصور اختراقات فى الملف السورى 2018. ويتابع: «لست متفائلا حيال نتائج مسار جنيف, فمع أن هناك انخفاضا من مستوى العنف، لكن التسوية تبدو أمرا صعبا. وبالتالى سوريا ستبقى مفككة». بنس (الجالس أمام ترامب) الصامد من أعوانه فى حين أزيح الأربعة الآخرون بالإقالة أو الإستقاله أمريكا ليست أولا ولكن آخر: رغم أن العمود الفقرى لبرنامج ترامب الانتخابى الذى ادخله البيت الأبيض كان «أمريكا أولا»، إلا أن سياساته خلال العام الأول له فى السلطة وضعت أمريكا فى المقام الأخير. فمن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتمويل وتسليح قوات كردية فى سوريا، والوعد ببناء جدار حدودى مع المكسيك، والخروج من اتفاقية التجارة الحرة عبر الباسفيك، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وضعت المصالح القومية الأمريكية «فى أخر الصف» كما يقول آرون ديفيد ميلر. ويتابع:«ليس لدى ترامب سياسة خارجية واضحة المعالم. بل حالة ذهنية للرئيس»، يرى فيها ترامب أمريكا ضحية سنوات من النهب والعلاقات الاستغلالية والصفقات التجارية الكارثية وحلفاء يركنون على أمريكا لحمايتهم دون دفع ثمن تلك الحماية، ما جر أمريكا لحروب دائمة ومكلفة استنزفتها. وإذا تواصلت تلك «الحالة الذهنية للرئيس»، وفشلت الإدارة فى عامها الثانى فى وضع سياسة خارجية لها ملامح محددة وأهداف واضحة، فإن العالم كله سيدفع ثمن ذلك، خاصة الشرق الأوسط. فالقرارات التى أنهى بها ترامب عام 2017 وعلى رأسها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والتى بدأ بها عام 2018 وعلى رأسها تمويل وتسليح قوة كردية من 30 ألف شخص، تلقى بظلال كثيفة على تطورات 2018. ويقول ميلر: «الشرق الأوسط فى حالة اختلال لم اشهدها من قبل...لكن لا أحد يستطيع حل مشكلات الشرق الاوسط بما فى ذلك أمريكا. المنطقة أكبر وأكثر تعقيدا وفوضى من قدرة دولة واحدة على استيعابها. نحن (أمريكا) ما زلنا منخرطين فى أطول حربين فى تاريخ أمريكا، وهما العراق وافغانستان دون أن ننجح فى حل مشكلات هذين البلدين. أمريكا منخرطة فى جهود سلام الشرق الاوسط منذ نحو 50 عاما. فهل عالجنا الأزمة؟ لا. هل أمريكا تستطيع حل كل هذه المعضلات؟ لا». وإذا كان العجز الأمريكى ماثلا خلال العقود الماضية، فإنه أكثر وضوحاً الأن لان حلفاء أمريكا التقليديين يمرون بمرحلة ضعف بسبب التحديات التى تواجههم، ما يترك فراغا كبيرا، يقول ميلر إن إيرانوتركياوروسيا وإسرائيل تملأه. ويتابع:«أمريكا لم تعد اللاعب الوحيد فى الشرق الأوسط. وقدرتها على التأثير وتوجيه الأحداث باتت محدودة». اليوم يمر عام على تنصيب دونالد ترامب الرئيس ال 45 للولايات المتحدة وقد نجح خلال الأشهر ال 12 الماضية فى تصدر الأخبار بسلوكه «غير المعتاد» و«غير الرئاسى» فى بعض الأحيان، فضلا عن قراراته الصادمة وتغريداته وتعليقاته المثيرة للجدل . وقع ترامب سلسلة من القرارات التى أغضبت العالم الإسلامى والحلفاء الأوربيين والجيران فى أمريكا اللاتينية.كما انتهج سياسة متخبطة تجاه سوريا وتذبذبت علاقته بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين.وفى الداخل تخلص من الكثير من المستشارين والأعوان.