عاش القاضى الأمريكى فرانك كابريو جل سنوات صباه يغسل الصحون فى مطاعم ولاية رود إيلاند، حتى يتمكن من دراسة القانون، ليحصل على درجة الدكتوراه ويصبح فى غضون سنوات قليلة واحدًا من أشهر الذين اعتلوا منصة القضاء، ليس فى الولاياتالمتحدةالأمريكية فحسب، وإنما فى العالم أجمع، بعدما حققت فيديوهات جلسات المداولة التى يترأسها أرقامًا قياسية فى نسب المشاهدة على شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعى. ولد كابريو، الذى يبلغ من العمر حاليًا نحو ثمانين عامًا، لأسرة إيطالية هاجرت إلى الولاياتالمتحدة فى أربعينيات القرن الماضى، فعمل فى تجارة الحليب مع والده وهو لا يزال طفلًا صغيرًا، قبل أن ينهى دراسته الثانوية بشهادة فى العلوم السياسية، لكنه قرر أن يواصل طريقه بدراسة القانون، ليعين قاضيًا فى المحكمة البلدية منتصف الثمانينيات، ويشغل لفترة منصب رئيس مجلس المحافظين فى ولايته لشئون التعليم العالى، قبل أن يعود مرة أخرى إلى ساحة القضاء رئيسًا للمحكمة المختصة بنظر المخالفات داخل المدينة، التى تعد ثالث أكبر مدن الولاية من حيث عدد السكان بعد بوسطن وروشستر، ويستمر فى موقعه لأكثر من ست دورات متتالية. على مدى السنوات الثلاث الماضية، حققت مقاطع الفيديو التى يتم بثها عبر شبكة الإنترنت للقاضى كابريو نسبة مشاهدات مذهلة، بل إن بعض هذه المقاطع تجاوزت مشاركاتها مائتى مليون مرة، وترجمت لأكثر من تسع لغات حية، بعدما ظلت لسنوات مقصورة على العرض الحصرى داخل الولاية، عبر شبكة تليفزيون محلية كانت قد حصلت على إذن بتصوير مداولات الأحكام فى القضايا التى تنظرها المحكمة، والمتعلقة بمخالفات السير وغيرها من قضايا الغرامات البسيطة، لكن شهرة كابريو فاقت الآفاق، عندما نجحت إحدى الشركات العاملة فى مجال ال «سوشيال ميديا» فى انتقاء بعض المقاطع القصيرة للقاضى الأشهر فى تاريخ الولاية، وبثها عبر شبكة الإنترنت مترجمة إلى عدد من اللغات الحية ومن بينها العربية، لأنها اعتبرت أن القاضى الأمريكى «يملك رسالة جيدة يمكن أن تحسن صورة أمريكا فى عيون العالم». ربما وأنت تقرأ هذه السطور تكون قد تذكرت ذلك المقطع الشهير ل «كابريو»، وهو يعفى تلك المرأة التى فقدت ابنها غيلة من غرامة الانتظار فى المكان الخاطئ، لأن البنك حجز على كل مدخراتها وفاء لمديونيات الابن الميت، أو وهو يشترط على آخر أن يمنح ابنه وجبة إفطار ساخنة مقابل إلغاء الغرامة المقررة عليه، وجميعها أحكام لا تخالف روح القانون، لكنها فى الوقت نفسه لا تخلو من رحمة، لكنك ربما لا تعرف أنه إلى جانب ذلك يمتلك مكتبًا للمحاماة هو الأكبر فى «بروفيدنس»، ومطعمًا فخمًا يطل على ساحل الأطلسى، تقول الصحف الأمريكية إنه المكان المفضل ل «مارلا مابلز»، الزوجة السابقة للرئيس ترامب، وعدد غير قليل من أعضاء الكونجرس، هؤلاء الذين دعموا أحد أبناء «كابريو» عندما رشح عن الحزب الديمقراطى كحاكم لولاية رود آيلاند قبل نحو سبع سنوات!. لا شيء مجانى إذن فى هذا العالم، خصوصا فى بلاد العم سام.. حتى رسائل الرحمة، وانظر ثم اسأل نفسك: كيف نتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعى؟.