◄ د . على عوف: «النواقص» ظاهرة عالمية لكننا الأشد معاناة ◄ د .عبد المعطى: التسعير ليس السبب الوحيد فى الخسائر يعانى قطاع الدواء أحيانا أزمات منها حدوث نقص فى بعض الأصناف وارتفاع الأسعار، وأزمة خسائر شركات قطاع الأعمال مؤخرا والتى نتج عنها ردود فعل كثيرة وقوية داخل قطاع صناعة الدواء العام، انعكست بدورها على المجتمع، فرغم أن القطاع الخاص هو الأكبر حجما وتأثيرا فى سوق الدواء، فإن قطاع الأعمال العام، سيظل صمام الأمان للأمن الدوائى الذى يعد بمنزلة الأمن القومى لمصر، ورغم كثرة الأسباب وتعددها وتشابك العوامل المؤثرة على هذه الصناعة، سيظل استقرار سوق الدواء مرهونا بقدرة الدولة على توفيره للمريض فى الوقت والمكان المناسبين . وفي اجتماع مجلس الوزراء منذ أيام وافق على تخصيص 30 مليون جنيه، للتعاقد بالأمر المباشر مع الشركة المصرية لتجارة الأدوية لتوفير الأدوية الناقصة وطرحها في السوق المحلي، كبداية لتفعيل دور «صندوق دعم الدواء» الذي أُنشأته وزارة الصحة في مارس الماضي، وهو قائم على تبرعات الشركات ورجال الأعمال للتدخل في أوقات الأزمات لتوفير نواقص الأدوية دون الاعتماد على ميزانية الدولة، وهي خطوة وصفها «خبراء» بأنها ضرورية في إطار المساهمة المجتمعية لأصحاب رءوس المال إلا أنها ليست حلا جذريا، مؤكدين أن دور الصندوق «مؤقت» لحين تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل. من ملامح الأزمة خسائر شركات الأدوية التابعة للشركة القابضة للأدوية التى كانت تسيطر على 70% من سوق الدواء فى سنة 1980، تراجعت الآن الى 2.9%، ومع أنها كانت أكبر شركة توزيع أدوية فى إفريقيا، فقد تكبدت خسائر 601 مليون جنيه فى السنة المالية 2016/2017، رغم زيادة أسعار الدواء مرتين خلال الأشهر الماضية، وهي الخسارة التي فسرها الدكتور أشرف الشرقاوي وزير قطاع الأعمال العام بأنها نتيجة لبيع الأدوية بأسعار ما قبل تحرير أسعار الصرف، وتبع ذلك قرار الوزير بالتغييرات التى شهدتها شركات الأدوية خلال جمعياتها العامة لعدد 22 رئيسا وعضو مجلس إدارة، لضخ دماء جديدة في قيادات الشركات ومجالس إدارتها. ما حدود هذه الأزمة وأسبابها والحلول المطروحة لمواجهتها؟ وكيف يمكن إنقاذ شركات الأدوية بقطاع الاعمال من الانهيار وحماية المريض من أي ابتزاز من مافيا صناعة الدواء؟ محمود فؤاد رئيس المركز المصري للحق في الدواء يشير الى أن شركات الشركة القابضة للدواء تنتج 1650 صنف دواء 86% منها تحت بند 30 جنيها، ورغم زيادة الأسعار فى مايو 2016 ثم يناير 2017 مازلنا نتحدث عن خسائر شركات الدواء، وكشفت إحصائية للمركز عن وجود 458 صنفا دوائيا تنتجه شركات «القابضة»بسعر يتراوح بين 65 قرشا و80 قرشا، بينما ينتج القطاع الخاص نفس الأصناف وبنفس المادة الفعالة والاسم العلمي، ولكن المفارقة أنه يبيعها بسعر من 11 جنيها إلى 265 جنيها، وهذه الإحصائية تكشف غياب عدالة التسعير فى الدواء، وهي أحد أسباب خسائر الشركة القابضة للعام 2017 / 2016 . فهناك مثلا شركة ممفيس للأدوية تكبدت خسائر فى ميزانيتها الأخيرة 34 مليون جنيه، ولديها أدوية فى الأسواق تباع ب 225 قرشا، ومثيلها فى القطاع الخاص يباع ب 33 جنيها، كما اضطرت الشركة إلى صرف 7 أشهر مكافآت للعمال رغم الخسائر التى لحقت بها ولا دخل للعمال بها لأنهم يؤدون دورهم. ويصف رئيس المركز المصري للحق في الدواء خسائر شركات الدواء فى مصر بأنها «غير منطقية»، فلا توجد شركات دواء فى العالم تحقق خسائر، ولابد من البحث عن الأسباب الحقيقية وراءها لأن هذه الشركات حارس البوابة للأمن القومي المصري فى صناعة الدواء وهى التى تحقق التوازن فى السوق وتحمى المواطن البسيط من مافيا صناعة الدواء، فالأدوية سلعة حيوية مسعرة جبريا، والدولة مطالبة بوضع حل جذرى للأزمة وحماية هذه الصناعة، محذرا من إغلاق شركات الدواء التى توفر الدواء لملايين المرضى، ونبه إلى أننا نستورد 95% من الخامات الدوائية بمبلغ 2.6 مليار جنيه سنويا، حتى الأحبار التى تكتب على الأشرطة والعبوات يتم استيراد معظمها. ويرى أن الحل لمواجهة الخسائر التى لحقت بشركات القطاع العام للدواء يتمثل فى قرارين، الأول وجود نظام تسعير عادل للأدوية التي تنتجها شركات قطاع الأعمال العام، ومساواتها بالقطاع الخاص، لتحقق التوازن وتراعى البعد الاجتماعي للمريض، ووضع هامش ربح مناسب للشركات حتى تتمكن من الاستمرار فى أداء دورها، اضافة إلى تزويد الشركات بتكنولوجيا حديثة للارتقاء بصناعة الدواء، مثمنا التغيير الذى حدث فى مجالس ادارات شركات الأدوية واعضائها ..فهو خطوة على الطريق الصحيح ولكن يجب أن ترتبط بخطط مستهدفة يتم الحساب على أساسها فى نهاية المدة، وتعيين كوادر ادارية ذات كفاءة، ووضع حوافز مالية للعاملين، وحصول هذه الشركات على مديونياتها لأنها فى أمسّ الحاجة إليها للخروج من الأزمة.والقرار الثانى وضع آلية لمواجهة نواقص السوق الدوائى حيث إن المشكلة ليست فى الأسعار، بقدر ما تكمن فى الفوضى والممارسات الاحتكارية لشركات الأدوية الأجنبية، التي تمارس ضغوطا على الحكومة للاستجابة لرفع الأسعار بتعطيش الأسواق من الأدوية المطلوبة، كما يجب إصدار بيانات رسمية من وزارة الصحة بالأدوية غير المتوافرة أولا بأول، وتحديد بدائلها. ويرى الدكتور عبد المعطى حسين، الأستاذ بكلية طب قصر العينى بجامعة القاهرة، وعضو لجنة تسعير الدواء بوزارة الصحة أن التسعير ليس السبب الوحيد فى خسائر شركات الدواء فى قطاع الأعمال العام، فمن الأسباب ارتفاع تكلفة المواد الخام والتصنيع بعد قرار التعويم، والتزام هذه الشركات باتفاقيات مع شركات أجنبية، وزيادة العمالة والمصروفات،وعدم وجود دعاية ترويجية كافية لمنتجاتهم، وعدم الأخذ بالتطور التكنولوجي فى هذا المجال، والمديونية التى يجب بحثها وجدولتها، وأيضا تطوير وانتاج مستحضرات يحتاجها السوق. وأوضح أنه يتم تسعير الدواء بناءً على قرار وزير الصحة رقم 449 لسنة 2012، وينص علي أن تقوم الشركة التي تريد تسجيل مستحضرها بوزارة الصحة بتقديم قائمة أسعار المستحضر بالدول المتداول بها، مع بيان سعر البيع للجمهور في كل دولة شاملاً كل أنواع الخصومات، علي أن تخاطب الإدارة المركزية للشئون الصيدلية الجهات الحكومية المختصة في 36 دولة منها النمسا وقبرص والدنمارك وفنلندا وفرنسا وألمانيا وتركيا والسعودية والإمارات والكويت وعمان والأرجنتين والجزائر وكندا واليابان، لمقارنة سعر الدواء المقترح في مصر بتلك الدول، وفي حال تداول المستحضر في أقل من 5 دول، بسعر الدواء في مصر طبقاً لأقل سعر، فالدواء المحلى سعره يمثل 65% من سعر الدواء الأصلى مع الأخذ فى الاعتبار اعادة النظر في تسعير المستحضرات في حال تغير متوسط سعر العملة بواقع 15% بالزيادة والنقصان خلال عام. ويرى الدكتور علي عوف رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية أن أزمة منظومة الدواء ترجع لأن المنافسة فى السوق الدوائى المصرى غير عادلة، ويوجد للشركات الخاصة الأجنبية مكاتب علمية تسوق منتجاتها بشكل علمى ومدروس، بينما هناك شركات أدوية فى قطاع الأعمال تعتمد على صنف أو اثنين فقط فى إنتاجها ولا يتم التسويق الجيد لباقي المنتجات، وللأسف فى شركة القاهرة للأدوية مثلا يتم انتاج دواء ايزوفلورين وهو الاسم العلمى يباع ب60 جنيها وتكلفته 100 جنيه، والبديل الأجنبي سعره 1400 جنيه، ومن الغريب أنه منذ فترة قريبة جدا كان يتم تصنيع «سيفا تريكسون» وهو الاسم العلمى للدواء لحساب شركة خاصة، يباع فى القطاع العام ب 25 جنيها، وفى القطاع الخاص يباع ب 52 جنيها، رغم أنهما بنفس المادة الفعالة ونفس مكان الإنتاج، وحاليا تنتجه هذه الشركة الأجنبية فى مصانعها، ومشكلة تسعير الدواء تزداد تعقيدًا بسبب عدم وجود خطة واحدة تسير عليها، حيث لا توجد إستراتيجية توضح هدف الدولة من منظومة الدواء. ويرى أن نواقص الدواء ظاهرة عالمية، لكننا الأشد معاناة منها بسبب سوء إدارة ملف صناعة الدواء، وهذا يرجع لانصراف الشركات عن استيراد الأدوية غير المُجدية ربحياً أو اقتصادياً، بالإضافة إلى الإجراءات الروتينية المعقدة التي تعطل استيراد الأصناف الجديدة شهورا حتى يتم تسجيله في مصر.وطالب بفصل ملف الدواء عن وزارة الصحة، وتغيير إجراءات التسجيل الروتينية، خصوصاً أنها إجراءات تمس سلعة استراتيجية، وذلك لتيسير عملية استيراد الأدوية، لأن طرح الأصناف الجديدة من الدواء يحتاج الى سرعة لا تتناسب والروتين الحكومي، داعيا إلى سرعة إصدار قانون الهيئة العليا للدواء وأن تكون هيئة مستقلة . ويؤيده الدكتور مصطفى الوكيل، وكيل نقابة الصيادلة، في ضرورة إنشاء هيئة عليا للدواء تضع سياسات واضحة في ملف الصيدلة والأدوية ومواجهة الأزمات المحتملة، ويجب إنشاء مصانع للمواد الخام والاهتمام بالصناعة المحلية للدواء، وحتى يتم ذلك يجب أن تعود شركة الجمهورية لممارسة دورها السابق فى استيراد جميع الخامات الدوائية بمفردها، وإعادة توزيعها على القطاعين العام والخاص لضمان عدم نقص اى صنف دوائى أو التلاعب به .ولمواجهة أزمة نقص الأدوية يجب أن يدرك المواطن أن لكل صنف مثيلا بنفس التركيز والفعالية وبأسعار مختلفة، وهناك أصناف ليس لها بديل ونقصها يكون بسبب عدم توافر المواد الخام، وهي أدوية مستوردة ومواجهتها تحتاج إلى رصد مسبق والتدخل عند حدوث أي أزمة، وحل أزمة نواقص الأدوية المتكررة يكمن فى صدور قرار من وزارة الصحة يلزم الصيدلى البيع بالاسم العلمى للدواء وليس التجارى، والزام شركات الادوية ذلك، ويلتزم الصيدلى بعرض 3 بدائل للمريض بالاسم العلمى ليختار الأقل سعرا تحقيقا لمصلحة المريض المصري. ويقول كريم كرم مسئول قطاع الأعمال وملف الدواء بالمركز المصري للحق فى الدواء والمتحدث الرسمي السابق باسم الشركة المصرية لتجارة الأدوية ومدير أحد فروعها، إن الشركة المصرية للأدوية احدى أهم الشركات الإحدي عشرة للشركة القابضة للأدوية وتقوم بتوفير الدواء للمواطن البسيط ويوجد قانون منذ الرئيس جمال عبد الناصر صدر لدعم الدواء كان يلزم اى شركة مصرية او أجنبية بيع 30% من منتجاتها الدوائية بأسعار السوق للشركة المصرية للادوية، حتى لا تحدث نواقص فى اى صنف دوائى وللأسف القانون موجود ولكن غير مفعل، رغم أن أسطول الشركة يمتد إلى كل ربوع مصر، ولديها 54 منفذا فرعيا، وتستورد كل أدوية الأورام والأنسولين وألبان الأطفال والأمراض المزمنة وتنتج ( 1650) صنفا دوائيا ظلت دون تغيير على أسعارها 22 سنة . وأضاف كريم كرم أن إجمالي خسائر الشركة القابضة للأدوية البالغ عددها 11 شركة وصل لنحو 601 مليون جنيه فى 30 يونيو 2017، النصيب الأكبر منها للشركة المصرية للأدوية وحدها نحو 505.422 مليون جنيه. وطالب بتدخل الحكومة لإجبار المؤسسات العامة والوزارات والهيئات الحكومية مثل قطاعات البترول والكهرباء والصحة وغيرها، لتسديد مديونياتها حتى تستطيع شركات الأدوية الوفاء بالتزاماتها، ووضع تسعير عادل لمنتجاتها، والتدخل لدى البنوك لتقليل نسب الفائدة ومساواتها بفائدة ال5% فقط التى حصلت عليها النقابة العامة للصيادلة فى قرض المليار جنيه، وإجراء دراسة لتغطية احتياجات المواطنين من الأصناف الدوائية يوميا ويتم طلبها وسحبها من السوق الدوائى وتعويض الشركة المصرية عن الخسائر التى لحقت بها.