“التحريض” و”التشكيك” و”التشويه”، أهداف رئيسية لمعظم وسائل الإعلام الأجنبية فى تغطيتها للشأن المصري، ولا تكمن المشكلة هنا فى الإصرار على هذه الأهداف، فمن الواضح أنها أهداف مصيرية، ومرتبطة بمصالح وخطط أخرى، ولكن المشكلة أن السعى وراء تحقيق هذه الأهداف، سواء عبر اتخاذ “الكذب” وترويج المعلومات المغلوطة أو أحادية المصدر، جعل هذه الوسائل الإعلامية تنسى وتتجاهل أبسط قواعد العمل الإعلامي، مما جعلها تقلل من مصداقيتها، ونزاهتها، وبالتالى تسحب من رصيدها، الذى كان يوما ما كبيرا جدا. خلال الأسابيع الماضية، أصرت وكالتا “رويترز” و”أسوشييتدبرس” للأنباء على استخدام لغة “التحريض” و”التهديد” ضد مصر، بسبب موقفها من قضية القدس فى الأممالمتحدة، فقد أعربت الوكالتان عن دهشتهما واستغرابهما من استهانة مصر بالتهديدات التى صدرت عن واشنطن بحجب معونتها عن الدول التى ساندت قرارى مجلس الأمن الدولى والجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن قرار واشنطن بنقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة. فقد بثت “رويترز” تقريرا بهذا المعنى، وهذه اللهجة، بتاريخ 22 ديسمبر 2017 بعنوان “الدول العربية تعتقد بأنها ستحصل على المعونة الأمريكية على الرغم من تحديها لقرار ترامب بشأن القدس”. كما بثت “أسوشييتدبرس” تقريرا فى الاتجاه نفسه بتاريخ 21 ديسمبر 2017 بعنوان “تهديد ترامب بقطع المعونة على المحك بعد التصويت فى الأممالمتحدة”، كما بثت تقريرا مشابها بالتاريخ نفسه بعنوان “كبار المتلقين للمعونة الأمريكية يتجاهلون تهديد البيت الأبيض بشأن التصويت فى الأممالمتحدة”، وتقريرا ثالثا فى اليوم ذاته بعنوان “فى تحد لترامب .. أكثر من 120 دولة فى الأممالمتحدة تدين قرار القدس”. وكان واضحا أن رويترز وأسوشييتدبرس تتعاملان مع قرار قطع المعونة الأمريكية عن دول مثل مصر على أنه “كارثة”، وأنه من المفترض أنه يضر مصر وحدها، ولكن لم تفكر أى من الوكالتين ولو للحظة فى ذكر رقم المعونة الأمريكية، مقارنة بحجم ميزانية مصر، وأين تذهب أموال هذه المعونة، وما هى أهميتها أو جدواها، وهل هى مفيدة لمصر وحدها، أم للولايات المتحدة أيضا؟ فى الوقت نفسه، شككت “أسوشييتدبرس” فى جدوى الإنجازات التى تحققها مصر على صعيد برنامجها للإصلاح الاقتصادي، على الرغم من تعارض ذلك مع شهادات صندوق النقد والبنك الدوليين، حيث أشارت الوكالة إلى تزامن تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى فى مصر مع تواصل الهجمات الإرهابية على الأراضى المصرية، وكذلك تراجع حركة السياحة الأجنبية الوافدة إليها، مع إصرار الوكالة على وصف مصر بالدولة “القمعية”، علما بأن الوكالة تعرف جيدا أن ما حققته مصر من إنجازات اقتصادية تم فى ظل هذه الظروف السيئة، وأنه لو كانت السنوات الماضية “طبيعية” فى مصر، بلا إرهاب، وبلا تدخلات، وبلا قيود أجنبية، لكان وضع الاقتصاد المصرى الآن فوق التصورات! فقد بثت الوكالة تقريرا بعنوان “المراجعة الإيجابية” يوم 21 ديسمبر 2017 حول المراجعة التى أجراها صندوق النقد للاقتصاد المصرى قبل الحصول على دفعة جديدة من القرض، ولكن الوكالة تبرعت بالقول فى سياق تقريرها إن “الإصلاحات الطموحة التى تطبقها مصر تتزامن مع تمرد آخذ فى التوسع وجريء يقوم به المتشددون الإسلاميون ويتمركز فى الجزء الشمالى من سيناء، مما يضع عبئا ثقيلا على الموارد ويضر بصورة مصر كمقصد سياحي”، وكان ينقص الوكالة أن تشيد بجماعات الإرهاب فى شمال سيناء على دورها فى عرقلة الاقتصاد المصري، الذى لم يتعرقل أصلا! وتأكيدا، لصحة ما نقوله بشأن الإصرار على “التشويه” حتى وإن كان ذلك على حساب المهنية، فقد فوجئ متابعو قناة هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” بأن الشبكة المرموقة، فى ظل متابعتها لمختلف القضايا الدولية الساخنة، وفى خضم وجود أحداث كثيرة متنوعة على الساحة المصرية تحديدا، تركز على تدهور أوضاع أهالى قرى محافظة الإسماعيلية وتراجع مستوى الخدمات العامة والأمن بها، رغم أن هذا التقرير مكانه قنوات التليفزيون المحلية المصرية.