كالعادة، وكما هو متوقع، تعاملت وسائل الإعلام الأجنبية بانتهازية مع أضخم حادث إرهابى تشهده مصر فى عصرها الحديث، وهو هجوم مسجد "الروضة" فى بئر العبد فى شمال سيناء. ظهرت هذه الانتهازية من خلال إفراط وكالة “رويترز” للأنباء فى استخدام وصف “المتمردين” أو “المتشددين” للعناصر الإرهابية التى نفذت الجريمة البشعة، وأيضا من خلال تركيز وكالة “أسوشييتدبرس” للأنباء وهيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” على المبالغة فى نشر المواد الصحفية السلبية حول الهجوم، فى محاولة للتشكيك فى جدوى جهود القيادة المصرية فى مكافحة ظاهرة الإرهاب والسيطرة على الوضع فى منطقة شمال سيناء. وانفردت وكالة “اسوشييتدبرس” تحديدا فى تغطيتها باستخدام تعبيرات مسيئة للشعب المصري، فى إطار تعليقها على الهجوم الإرهابى، بما يشير إلى “تشف” واضح من الوكالة فى مصر، قيادة وحكومة وشعبا! فقد كررت “رويترز” استخدام لفظ “المتمردين” و”المتشددين” لوصف مجرمى “الروضة”، وكأن “الستايل بوك” الذى تسير على نهجه الوكالة غير قادر بعد كل هذه السنوات على التفريق بين المتشدد، والمتمرد، والإرهابي! وظهر ذلك فى التقارير التى بثتها الوكالة عن الحادث وما بعده، وذلك فى أيام 25 و26 و28 و29 نوفمبر 2017، وأول ديسمبر 2017. وكانت المصيبة الكبرى فى التقرير الآخر الذى بثته الوكالة بتاريخ 25 نوفمبر والذى حمل عنوان “خيارات مصر تتضاءل فى قتالها مع المتشددين”، وتضمن الكثير من المعلومات والتصريحات المغلوطة التى وصلت إلى درجة التشفي، وتصوير شمال سيناء على أنه خاضع تماما لسيطرة الإرهابيين، وأن خطة الإعلام الرسمى فى الحرب ضد الإرهاب لا تتعدى الإشادة والثناء والهتاف للجيش والشرطة وحث العامة على الاحتشاد خلف الرئيس السيسى! ووصل الأمر إلى درجة إشادة الوكالة صراحة بقدرات الإرهابيين مقارنة بالقدرات المتواضعة للقوات الأمنية المصرية التى تثير غضب أبناء القبائل، وهى معلومات أقل ما يقال عنها إنها غير دقيقة. أما بى بى سي، فلعبت دورا أكثر سوءا فى تغطية ما بعد الحادث، ففى برنامج بثته يوم 30 نوفمبر 2017، بعنوان “بتوقيت مصر”، تمت استضافة شخص يدعى ناصر رضوان وصفته بأنه “شيعى مصرى”، نفى إمكانية وقوف إيران وراء هجوم الروضة، وشخص آخر يدعى صلاح البلك قدمته على أنه عضو فى مجلس إدارة جهاز تنمية سيناء، وزعم فى حديثه عدم وصول عملية التنمية للمواطنين السيناويين، كما أبرز موقع الشبكة البريطانية انتقادات شخص يدعى عبدالقادر مبارك، المتحدث الإعلامى باسم الطريقة الصوفية الجريرية فى مصر لما سماه بتجاهل المسئولين طلبه نقل مصابى مسجد الروضة من مستشفى الإسماعيلية إلى معهد ناصر. كما بثت الشبكة تقريرا يوم 28 نوفمبر يتحدث عن تصاعد المطالب الداخلية فى مصر بتغيير الإستراتيجية المتبعة لمواجهة الإرهاب، فى ظل فشل الإستراتيجية الحالية فى وقفه، دون الإشارة إلى هوية أو طبيعة أو مصدر هذه “المطالب الداخلية”! وكانت الشبكة نفسها قد بثت تقريرا يوم 27 نوفمبر ربطت فيه بشكل غريب بين مكافحة الإرهاب فى مصر بشكل أفضل وبين لجوء السلطات المصرية لقمع الحريات، وكأنها بذلك توجد مبررا للإرهاب! ومما زاد الطين بلة ما نشرته صحيفة “أوبزرفر” البريطانية يوم 26 نوفمبر من تشكيك صريح فى جدوى الأساليب التى تستخدمها القيادة المصرية فى ملاحقة الإرهابيين، بدعوى إسهامها فى إلحاق مزيد من الخسائر فى صفوف المدنيين، على الرغم من حقيقة واضحة وضوح الشمس تقول إن الحفاظ على المدنيين هو ما يعرقل جهود السلطات المصرية فى الحرب ضد الإرهاب بشمال سيناء. والغريب أن هذا التشكيك وهذا التشفى والإصرار على إظهار الجوانب السلبية المتعلقة بالحادث، وبكل ما يتعلق بمصر، تزامن كالعادة مع استمرار تراجع نسبة الأخبار والتقارير السلبية عن دولة قطر مثلا، وذلك عبر رويترز وأسوشييتدبرس وبي.بي.سي، فضلا عن شبكة “سي.إن.إن” الأمريكية، وهو ما يعكس نجاح نظام الدوحة فى تحييد تلك الوسائل الإعلامية لصالحه، على الرغم من تعدد التداعيات التى تشهدها سياسته، وتردى صورة قطر الخارجية، وأوضاعها الداخلية السلبية.