«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطيئة لن يغفرها لنا التاريخ
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 01 - 2018

فى الاسبوع الماضى قررت إيران وقف تدريس اللغات الأجنبية فى المرحلة الابتدائية فى جميع مدارسها لإعطاء الفرصة كاملة لتدريس اللغة الفارسية للتلاميذ الصغار..والقرار لاشك يحمل أكثر من دلالة لأن الشعوب الحية تخاف على ثوابتها وليس هناك أهم ولا أخطر من اللغة لأنها روح الشعوب وكيانها..على الجانب الآخر فإن إسرائيل قررت منذ فترة بعيدة تدريس اللغة العربية فى كل مراحل التعليم بل إنها شهدت أزمة كبيرة حين قررت تدريس قصائد محمود درويش شاعر المقاومة فى مدارسها..
أقول هذا وقد وصلتنى ردود أفعال واسعة حول ما كتبت فى الأسبوع الماضى عن محنة اللغة العربية فى عالمنا العربي وكيف أنها تراجعت بصورة مخيفة فى البيت والمدرسة والمصالح الحكومية والمحلات واللافتات بل فى خطب الجمعة وأحاديث المسئولين..
إن إهمال اللغة العربية من الجرائم الكبرى فى تاريخ هذه الأمة وهو عار سوف تحمله الشعوب وسوف تدفع ثمنه أجيال قادمة حين نراها ونسمعها وهى عاجزة عن أن تتكلم لغتها أو تحفظ قرآنها أو تكتشف أسرارها .
هناك أسباب كثيرة وراء هذه المحنة بعضها فى البيت والأسرة وبعضها فى مناهج التعليم والإهمال المتعمد لهذه اللغة..إن المدارس الدولية فى مصر لا تهتم إطلاقا باللغة العربية بل إن التعليم الخاص كله يضع أولوية للغات الأجنبية، هذا تعليم إنجليزى وهذا فرنسى وهذا ألمانى وهذا يابانى.. كل هذه المدارس تهتم بلغاتها ولا تعنيها اللغة العربية.
فى أحيان كثيرة أشاهد أسماء المحلات وجميعها باللغات الأجنبية ثم تأتى الإعلانات وهى أيضا باللغات الأجنبية ولم يبق غير أن يستبدل المواطنون أسماءهم من العربية الى اسماء أجنبية..من يتابع المناهج الدراسية التى تستخدم فيها اللغة العربية يكتشف أنها تختار أسوأ الأساليب والكلمات فى صياغة الموضوعات، إن القضية الأكبر الآن أن المراسلات بين الحكومات العربية تكتب باللغات الأجنبية ومنها المؤتمرات والدعوات وهذا يعنى أن الدول لا تهتم بلغتها بل إن الأجيال الجديدة لن تستطيع الكتابة باللغة العربية..
وقبل أن نجد أنفسنا أمام كارثة ثقافية وحضارية ودينية ممثلة فى أجيال لا تعرف لغتها فإن الأمر يحتاج إلى مواجهة سريعة وحاسمة..كثيرا ما تشاهد الأب يقف منتشيا وهو يقول لك إن ابنه لا يتكلم العربية ويطلب من الابن المسكين أن ينطق بإحدى اللغات الأجنبية حتى إن بعضهم كان يرسل لى قصائد شعر بالفرنسية أو الإنجليزية.
إن القضية تجاوزت حدود الشعوب وأصبحت كارثة قومية لأن آخر ما بقى لنا أعداد قليلة من المواطنين فى العالم العربى يجيدون الحديث باللغة العربية حتى إن هناك من يشجع اللهجات العامية فى كل شىء بل إن هناك مسابقات على مستوى العالم العربى جميعها تشجع اللغة العامية..ولن يكون غريبا أن نشاهد قريبا مسابقات بين أبنائنا فى كتابة الشعر الإنجليزى أو الفرنسى أو الإيطالى .
إن التعليم الأجنبى يجتاح الآن كل العواصم العربية وهو مصدر ثراء كبير لأصحابه ولكن لماذا لا تطلب الحكومات بحكم سلطتها من المؤسسات التعليمية الأجنبية أن تضع اللغة العربية فى قائمة اهتماماتها ومناهجها وتشجع الطلاب فى المدارس على حب لغتهم..لماذا لا تقوم هوجة بين سلطات القرار العربية لمنع المسميات الأجنبية للمحلات والشركات والمؤسسات والأندية والمطاعم وإذا كان ذلك أمرا مستحيلا فلنكتب الأسماء بالعربية أولا وتحتها الأسماء الأجنبية..
لقد أصبحت أخشى على أسماء المدن فى العالم العربى أن تكتب بالإنجليزية أو أن تتحول أسماء الشوارع إلى مسميات أخرى أو أن نسمى أطفالنا بأسماء غربية، إن هذا ليس اعتراضا على كل ما هو اجنبى ولكن حين تخسر الأمة لغتها فهذا يعنى خسارة كل شىء لأن اللغة هى التاريخ والجغرافيا والأماكن والأشخاص والذكريات وقبل هذا كله فإن اللغة هى القرآن بكل ما له من القيمة عقيدة وإيمانا ولغة ودورا فى حياة الناس هنا ينبغى أن نطرح على أنفسنا عددا من التساؤلات :
إن قضية اللغة العربية لا تخص فقط المؤسسات التعليمية ولكنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالمؤسسات الدينية وفى مقدمتها الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية فى العالم العربى، أين المؤتمرات التى تعالج قضايا اللغة العربية وأين المجامع اللغوية وفى مقدمتها مجمع اللغة العربية فى مصر، إن المؤسسات الدينية هى الحصن الحقيقى للغة القرآن الكريم وحين تهتم هذه المؤسسات باللغة العربية فهذا جزء من مسئوليتها عن حماية العقيدة التى يدين بها الملايين..إن خطورة اللغة العربية ليست فقط فى انها لغة العرب ولكن لأنها لغة القرآن وأكثر من مليار ونصف يدينون بالإسلام..وحين تخبو اللغة العربية وتتراجع أمام شعوبها فهذا يعنى ان الإسلام يخسر أهم مقوماته وهى لغة القرآن .
لا أتصور أن نتحدث عن الخطاب الدينى ونتجاهل دور اللغة العربية فى هذا الخطاب، إن بعض الأئمة يخطئ فى نطق اللغة العربية وبعض المتطفلين على قضايا الدين يجتهدون دون علم أو دراسة ولا أتصور من يخطئ فى قواعد اللغة العربية أو نطق الآيات القرآنية أن يكون صاحب رأى أو اجتهاد .
إن اللغة العربية من أهم جوانب الخطاب الدينى الذى نسعى الى إصلاحه وحين تنهار هذه اللغة فلن يبقى شىء نجتهد حوله أو نختلف فيه..إن تراجع اللغة العربية يعنى تراجع العلاقة مع التراث وربما أدى ذلك إلى دمار كل الجسور بيننا وبين الثوابت الدينية واللغوية التى تربطنا بالخطاب الدينى..
من هنا فإن على جميع المؤسسات الدينية والثقافية والفكرية أن تكون محنة اللغة العربية واحدة من أهم الظواهر التى ينبغى أن يتوقف عندها الخطاب الدينى..هناك جدل كبير يثور حول قضايا كثيرة فى القرآن الكريم فكيف يكون ذلك دون صحوة حقيقية للغة القرآن فى كل جوانبها .
لا أدرى ماذا تفعل الآن جامعة الدول العربية فى دورها الفكرى والثقافى وأين منظمة الثقافة العربية، أعلم أن هموم السياسة لم تترك مساحة لأى قضايا أخرى ولكن دور الجامعة العربية مطلوب فى هذه الظروف الصعبة أمام أزمة حقيقية تعيشها اللغة العربية هناك ما يحدث فى المناهج والمؤتمرات والجامعات والمؤسسات الثقافية وجميعها تتطلب نوعا من التنسيق بين دول الجامعة بل إن العالم العربى كله لا يعرف شيئا عن الملايين من العرب المهجرين إلى دول العالم وماذا يجرى فى صفوفهم لغة وثقافة ودينا..إن بينهم ملايين الأطفال والشباب الذين خرجوا من أوطانهم وثقافتهم واحتوتهم أوطان وثقافات ولغات أخرى فماذا نعرف عن أحوالهم وماذا حدث لهم.
هل يمكن أن تكون محنة اللغة العربية فى يوم من الأيام قضية أمام قمة عربية قادمة من حيث الأهمية والضرورة والخطورة، إنها تستحق بجدارة أن تتصدر لقاء القمة أو على الأقل إحدى اللجان المسئولة..إن القضية تحتاج الى قرارات مسئولة تعيد للغة العربية مكانتها ونحن نعلم مدى أهميتها على كل المستويات السياسية والثقافية والدينية وأخشى أن نشهد يوما مؤتمرات باللغات الأجنبية وتكون فيه اللغة العربية شبحا منبوذا مرفوضا بين أبنائها.
يبقى بعد ذلك دور الجامعات العربية ومنها من بقى محافظا على دوره ورسالته فى خدمة اللغة العربية والحرص عليها ومنها من تنكر لها قولا وفعلا وكنا فى زمان مضى نشاهد المؤتمرات والندوات واللقاءات التى تهتم بها وتدور فى كل العواصم العربية ولكننا الأن نشهد حالة من الإهمال تحت دعاوى المعاصرة والحوار مع الآخر وفتح الأبواب ونجد من المثقفين والباحثين من يهرول إلى الخارج باحثا عن فرصة أو ساعيا إلى دور وتكون وسيلته الوحيدة أن يتنكر أولا لجذوره وثوابته ولغته حتى يجد أبوابا مفتوحة..لقد دخل فى ذلك أيضا كتابات تحمل اسم الإبداع الأدبى وللأسف الشديد أنها تحمل لغة ركيكة وألفاظا فجة ولم يعد ذلك قاصرا على رواية أو حكاية ولكنه انتقل كالوباء إلى الغناء الهابط بكل ما يحمله من سوقية الكلمة وإسفاف الألفاظ وهذه جميعها تحتاج إلى مواجهات حاسمة ليس بالحبس أو الإدانة ولكن على أجهزة الرقابة الفنية أن تمارس دورها فى حماية الذوق العام وهذه إحدى مسئوليات الدولة..
وقبل هذا كله فإن على الإعلام مسئولية ضخمة فى حماية اللغة العربية وتأصيلها ولا يمكن ان يتم ذلك إلا من خلال تدريب المواهب الإعلامية الواعدة على الاستخدام الصحيح للغة العربية الفصحى وان يحاسب الإعلاميون على مدى استيعابهم لثوابت هذه اللغة.
إن إهمال وتراجع اللغة العربية جريمة لن يغفرها التاريخ للأجيال الحالية وحين يجلس أبناؤنا فى البيوت لا يتحدثون لغتهم ولا يقرأون قرآنهم ولا يعرفون رموزهم سوف نجد فى الشوارع أجناسا متفرقة، كل واحد يتحدث لغة مختلفة وسوف نردد ما قاله الشاعر القديم أضاعونى وأى فتى أضاعوا..أرجو ألا نعيش يوما نجد فيه لغتنا العربية لغة القرآن الكريم فى متاحف التاريخ مع كل اللغات المنقرضة .

..ويبقى الشعر

سَيَأتى إليْكِ زَمَانٌ جَديدٌ
وفى مَوْكبِ الشَّوْقِ يَمْضِى زمَانِى
وقدْ يَحْمِلُ الرَّوْضُ زهْرًا نَدِيًا
وَيَرْجعُ للقَلْبِ عطْرُ الأمَانِى
وقدْ يَسْكُبُ اللَّيْلُ لحْنًا شَجيًا
فيَأتِيكِ صَوْتِى حَزينَ الأغَانِى
وَقدْ يَحْمِلُ الْعُمْرُ حُلْمًا وَليدًا
لِحُبٍّ جَدِيدٍ سَيَأتِى مَكَانِى
وَلَكِنَّ قَلْبَكِ مَهْمَا افْتَرَقْنَا
سَيَشْتَاقُ صَوْتِى وَذكْرَى حَنَانِى
***
سَيَأتِى إلَيْكِ زَمَانٌ جَديدٌ
وَيُصْبِحُ وجَهِى خَيَالا ًعَبَرْ
وَنَقْرأُ فِى الليل شِعْرًا جَمِيلا
يَذوبُ حَنِينًا كَضَوْءِ الْقَمَرْ
وَفِى لحْظَةٍ نَسْتَعِيدُ الزَّمَانَ
وَنذكُرُ عُمْرًا مَضَى وانْدَثَرْ
فيَرْجِعُ للقَلْبِ دفْءُ الْحَيَاةِ
وَيَنْسَابُ كالضَّوْءِ صَوْتُ المَطرْ
وَلَنْ نَسْتَعِيدَ حَكايَا الْعِتَابِ
وَلا مَنْ أحَبَّ..وَلا مَنْ غَدَرْ
إذا مَا أطلَّتْ عُيُونُ الْقَصِيدهْ
وَطَافَتْ مَعَ الشَّوْق ِحَيْرَى شَريدَةْ
سَيَأتِيكِ صْوتِى يَشُقُّ السُّكُونَ
وَفِى كُلِّ ذِكرَى جِرَاحٌ جَديدَةْ
وَفِى كُلِّ لَحْن ٍ سَتَجْرى دُمُوعٌ
وَتَعْصِفُ بِى كبْريَاءٌ عَنِيدَةْ
وَتَعْبُرُ فى الأفْق ِ أسْرَابُ عُمْرى
طُيُورًا مِنَ الْحُلْم ِصَارَتْ بَعيدَهْ
وإنْ فَرَّقَتْنَا دُرُوبُ الأمَانِى
فقدْ نَلْتَقِى صُدْفَة ً فِى قَصِيدَةْ
***
سَتَعْبُرُ يَوْمًا عَلَى وَجْنَتَيْكِ
نَسَائِمُ كَالْفَجْر سَكْرَى بَريئةْ
فَتبْدُو لِعَينيْكِ ذِكْرَى هَوَانَا
شُمُوعًا عَلَى الدَّرْبِ كَانَتْ مُضِيئَةْ
وَيَبْقىَ عَلَى البُعْدِ طَيْفٌ جَمِيلٌ
تَوَدَّينَ فِى كلَّ يَوْمٍ مَجِيئَةْ
إِذَا كَانَ بُعْدُكِ عَنَّى اخْتِيَارًا
فَإِنَّ لِقَانَا وَرَبَّى مَشِيئَةْ
لَقَدْ كُنتِ فِى القُرْبِ أغْلَى ذُنُوبِى
وَكُنتِ عَلَى البُعْدِ أحْلَى خَطِيئَةْ
وَإنَ لاحَ فِى الأفْق ِ طَيْفُ الْخَريفِ
وَحَامَتْ عَليْنَا هُمُوم ُ الصَّقِيعْ
وَلاحَتْ أمَامَكِ أيَّامُ عُمْرى
وَحَلَّقَ كَالْغَيْم وَجْهُ الرَّبيعْ
وَفِى لَيْلةٍ مِنْ ليَالى الشّتَاءِ
سَيَغْفُو بصَدْركِ حُلْم وَدِيعْ
تَعُودُ مَعَ الدِّفْءِ ِذكْرَى اللَّيَالِى
وَتَنْسَابُ فينَا بحَارُ الدُّمُوعْ
وَيَصْرُخُ فِى الَقَلْبِ شَىْءٌ يُنَادِى
أمَا مِنْ طريق ٍ لَنَا.. للرُّجُوعْ ؟
وَإن لاحَ وَجْهُكِ فَوْقَ الْمَرَايَا
وَعَادَ لنَا الأمْسُ يَرْوى الْحَكَايَا
وَأصْبَحَ عِطْرُكِ قيْدًا ثقِيلا ً
يُمَزِّق قَلْبِى..وَيُدْمِى خُطايَا
وُجُوهٌ مِنَ النَّاس ِ مَرَّتْ عَلَيْنَا
وَفِى آخِر الدَّرْبِ صَارُوا بَقَايَا
وَلكنَّ وَجْهَكِ رَغْمَ الرَّحِيل
إِذَا غَابَ طيْفًا..بَدَا فِى دِمَايَا
فَإنْ صَارَ عُمْرُك بَعْدِى مَرايَا
فلنْ تَلْمَحِى فِيهِ شَيْئًا سوَايَا
وَإنْ زَارَنَا الشَّوْقُ يَوْمًا وَنادَى
وَغَنَّى لَنَا مَا مَضَى وَاسْتعَادَا
وَعَادَ إلى الْقَلْبِ عَهْدُ الْجُنُون ِ
فَزَادَ احْتِراقًا وَزدْنَا بِعَادَا
لَقَدْ عَاشَ قلبِىَ مِثْلَ النَّسِيم ِ
إذا ذاقَ عِطْرًا جَمِيلا ً تَهَادَى
وكَمْ كَانَ يَصْرُخُ مِثْلَ الْحَريق ِ
إذا مَا رَأى النَّارَ سَكْرَى تَمَادَى
فهَلْ أخْطَأ الْقَلْبُ حينَ الْتَقَيْنَا
وَفِى نَشْوَةِ الْعِشْق ِ صِرْنَا رَمَادَا
كُئوسٌ تَوَالَتْ عَلَينَا فَذقْنَا
بِهَا الْحُزْنَ حِينًا..وَحِينًا سُهادَا
طُيورٌ تُحَلِّقُ فِى كُلِّ أرْض ٍ
وَتَخْتَارُ فِى كُلِّ يَوْم.. بِلادَا
تَوَالتْ عَلى الرَّوْضِ أسْرَابُ طَيْر ٍ
وَكَمْ طارَ قلبِى إليْهَا وَعَادَا
فرَغْمَ اتِّسَاع الْفَضَاءِ الْبَعِيدِ
فَكَمْ حَنَّ قَلْبِى..وَغَنَّى..وَنَادَىَ
وكَمْ لُمتُهُ حِينَ ذابَ اشْتِيَاقًا
ومَا زَادَهُ اللَّوْمُ إلا َّعِنَادَا

قصيدة كبرياء سنة 2003
[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.