وزير الخارجية السعودي: لا وجود لإسرائيل بدون الاعتراف بدولة فلسطين    انخفض 200 جنيه.. أسعار الذهب اليوم الإثنين 27 مايو 2024 في الصاغة (آخر تحديث)    تجربة زراعية رائدة.. تفاصيل نجاح تجربة زراعة الذرة الرفيعة بأسيوط    هل سيتم زيادة ساعات تخفيف أحمال الكهرباء    البيت الأبيض: نحن على علم باستهداف رفح الفلسطينية ونجمع المزيد من المعلومات    مصرع 5 أشخاص جراء عواصف شديدة في ولايتي تكساس وأوكلاهوما    كولر: رحيل سيد عبد الحفيظ جاء من الإدارة.. ولجنة التخطيط قدمت لي لاعبين مختلفين عن ما طلبت    كولر: الشناوي حزين.. قمصان سبب مشاركة كريم فؤاد في النهائي.. وأتابع شوبير منذ فترة    ملف يلا كورة.. قائمة المنتخب.. إيقاف رمضان صبحي.. وغيابات الزمالك    كولر: الجماهير لا تعرف الكواليس.. وهذا موقفي من رغبة حسام حسن في ضم اللاعبين مبكرا    إنتر ينهي الدوري بتعادل مع فيرونا.. ونابولي يحقق رقما سلبيا    كولر يكشف حقيقة الأزمة الناشبة بين الشناوي ومصطفى شوبير    إحباط مخطط تاجر أسلحة لغسل 31 مليون جنيه بأسيوط    أهمية ممارسة الرياضة اليومية.. لجسم وعقل أقوى وصحة أفضل    نجم الزمالك السابق بعد إعلان قائمة منتخب مصر: حسام حسن «ظالم»    تعرف على سعر الفراخ البيضاء وكارتونة البيض في الأسواق اليوم الإثنين 27 مايو 2024    ظهرت رسمي.. رابط سريع لمعرفة نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة الإسكندرية    «زي النهارده».. وفاة رفاعة رافع الطهطاوى 27 مايو 1873    موعد وقفة عرفات 2024.. متى يحل عيد الأضحى في مصر؟    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء استهداف الاحتلال منزل لعائلة "البطران" شمال غزة    شعبة الصيدليات: «زيادة أسعار الأدوية هتحصل هتحصل» (فيديو)    متى عيد الأضحى 2024 العد التنازلي| أفضل الأعمال    كان في حالة تعفن.. دفن جثة شخص عثر عليه ميتا داخل شقته في أبو النمرس    جهاز دمياط الجديدة يشن حملات لضبط وصلات مياه الشرب المخالفة    خبير اقتصادي ل قصواء الخلالي: الوافدون سبب رئيسي في زيادة التضخم    فنانة تحتفل مع طليقها بعيد ميلاد ابنتهما وياسمين صبري جريئة.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    فلسطين حاضرة.. انطلاق مهرجان الطبول بمشاركة 30 فرقة عالمية - (صور)    بعد الهجوم على رفح الفلسطينية.. إسرائيل تعلن اغتيال قياديين بحركة حماس    علي جمعة يوضح معنى العمرة وحكمها وشروط وجوبها: آثارها عظيمة    أمين الفتوى: يجوز التيمم للغسل والوضوء رغم وجود الماء في هذه الحالة    اللجنة الوزارية العربية على رأسها مصر تنجح في تغيير دفة أوروبا تجاه فلسطين.. المجموعة تفرض حصارًا دبلوماسيًا ضد تل أبيب يتكلل باعتراف 3 بلدان أوروبية بدولة فلسطين.. والقاهرة تحول إسرائيل لدولة منبوذة عالميًا    مصطفى عمار: الرئيس السيسي أمين وصادق ولا يفعل شيئا إلا من أجل بناء دولته    إيطاليا ترفض استخدام أوكرانيا لأسلحتها ضد أهداف في الأراضي الروسية    «القاهرة الإخبارية»: دخول 123 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة من معبر كرم أبو سالم    مذكرة شرح الكيمياء العضوية للصف الثالث الثانوي 2024 بمدارس اللغات    ليلة وداع تشافي.. برشلونة يختم «لا ليجا» بالفوز على إشبيلية    أوراق مزورة.. نقابة المحامين تكشف سر تأجيل القيد بالفترة الحالية    قطاع المتاحف: طريقة عرض الآثار بمعارض الخارج تتم من خلال لجان مشتركة    خبيرة: اللاجئون يكلفون الدولة اقتصاديا ونحتاج قواعد بيانات لهم دقيقة ومحدثة    رئيس جامعة المنصورة: أجرينا 1100 عملية بمركز زراعة الكبد ونسبة النجاح تصل ل98%    وزير الشباب يشهد حفل ختام النسخة ال 12 من مهرجان ابداع    منوم ومشنقة.. سفاح التجمع يدلي باعترافات تفصيلية عن طريقة التخلص من ضحاياه    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : «هتشوفوا فصول السنة الأربعة»    يونيو القادم.. "تعليم المنيا" تستعد لانطلاق ماراثون الثانوية العامة    بالتفاصيل.. تعرف على خطوات أداء مناسك الحج    من قرب عيد الأضحى.. "التموين" تزف بشرى سارة عن الأسعار    وزير الكهرباء: اعتذر للشعب المصري عن أي ضيق من انقطاع التيار ونعمل على تقديم الحلول    مفاجأة..أطعمة تغنيك عن تناول البيض واللحوم للحصول على البروتين    تعرف على أسباب الإصابة بنزلات البرد المتكررة حتى في فصل الصيف    وكيل صحة الإسماعيلية تحيل عددا من العاملين بوحدة أبو جريش الصحية للتحقيق    "تطوير مناهج التعليم": تدريس 4 لغات أجنبية جديدة في المرحلة الإعدادية    تعاون مشترك بين «قضايا الدولة» ومحافظة جنوب سيناء    «شاب المصريين»: الرئيس السيسي أعاد الأمل لملايين المواطنين بالخارج بعد سنوات من التهميش    وزير الأوقاف يلتقي بالأئمة والواعظات المرافقين لبعثة الحج    احصل عليها الآن.. رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2024 الترم الثاني في جميع المحافظات    عضو "مزاولة المهنة بالمهندسين": قانون 74 لا يتضمن لائحة    وزير الري: تحسين أداء منشآت الري في مصر من خلال تنفيذ برامج لتأهيلها    العمل: استمرار نشر ثقافة السلامة والصحة المهنية في المنشآت بالمنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحِصْنُ الأخير

الحِصنُ هو قلعةٌ ترتبط فى الأذهان بالدفاع عن الحدود فى مواجهة الغزاة والطامعين. وحين يسقط حصنٌ فإنه لا يعنى بالضرورة سقوط الأمة أو الشعب ، بل تبقى الأمم والشعوب قادرة على دحر الغزاة والمحتلين فى جولات أخرى للمقاومة. وحين يتأمل المرء أحوال العرب اليوم ، والمصريين فى القلب منهم ، يكتشف أن ثمة حصناً يتعرض منذ عقود لعوامل الضعف والتآكل والارتجاج. هذا الحصن ليس سوى لغتنا العربية التى تبدو آخر حصون المقاومة لدى هذه الأمة. وقد حفلت الصحف فى الأسابيع الأخيرة بمناسبة اليوم العالمى للغة العربية بكتابات شتى تدق ناقوس خطر طالما تلاشت أصداؤه وتبددت ربما لأن البعض يعتبر أن الانشغال بأمر اللغة يبدو ترفاً وسط ما يتعرض له العرب من مخاطر.
والواقع أنه حين تسقط اللغة القومية تسقط معها بالضرورة الهوية التى تمنح شعباً من الشعوب صفته كأمة. وفى زمن تتعرض فيه الدول العربية بوصفها كيانات سياسية إلى التفتت أو الاحتلال أو التجزئة فإن اللغة القومية تصبح بمثابة الحصن الذى يُقوى المناعة الحضارية مهما كانت الهزائم العسكرية أو السياسية لكى تبقى الأمةُ أمةً واحدة فتستجمع فى لحظة لاحقة عناصر قوتها لتزيل آثار الهزيمة السياسية أو العسكرية. وهذا بالضبط ما حدث فى اليابان التى تجرّعت هزيمة مروّعة سياسية وعسكرية فى الحرب العالمية الثانية لكنها لم تُفرط فى لغتها القومية لتبقى كما كانت هى لغة التعليم والصناعة والتجارة والعمل والمجتمع. الأمر نفسه حدث فى كوريا التى ذاقت بدورها ويلات الخضوع العسكرى للصين واليابان لكنها قاومت محاولات فرض اللغة اليابانية عليها.
قد يسأل سائل وهو بلغت لغتنا العربية حد التراجع والضعف الذى يهدد بسقوطها كأحد الحصون الحضارية للدفاع عن الأمة ؟ بالطبع، نقولها بأسف وألم. حصننا الأخير فى خطر حين تزداد لغتنا العربية اغتراباً فى ديارها ونحن نكتب لغةً لا ننطقها ، وننطق لغةً لا نكتبها. حصننا الأخير فى خطر حين نعجز عن الحديث أو الكتابة باللغة العربية الفصيحة وليس الفصحى. حصننا الأخير فى خطر حين نتشكّك فى قدرة لغتنا القومية على مواكبة العصر متجاهلين ما أثبتته التجربة التاريخية أنه لم يحدث أبداً أن قامت نهضةٌ علمية فى بلدٍ بغير لغته القومية. حدث هذا فى نهضات اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا والصين. نعم حصننا الأخير فى خطر حين نكتشف أنه من بين أربعة آلاف فيلم سينمائى مصرى لا يزيد عدد الأفلام التى يدور فيها الحوار بالعربية الفصيحة على أصابع اليد الواحدة. حصننا الأخير فى خطرحين يشار إلى العربية فى أحد تقارير اليونسكو باعتبارها إحدى اللغات المهدّدة بالانقراض إذا استمرت الشقة بعيدة بين العاميات المحكيّة وبين العربية الفصيحة. حصننا الأخير فى خطر حين لا نتعظ مما آلت إليه اللغة اللاتينية التى وهنت بفعل الزمن وتآكلت حتى تشظت إلى عديد من اللغات الأوروبية المعاصرة.
ربما يرفض البعض ويستنكر أن تتعرض العربيةُ يوماً ما للمصير الذى عرفته اللاتينية بحكم كونها لغة القرآن الكريم. هذا صحيح ، لكننا لا نريد للعربية أن تصبح لغة للصلوات الدينية وتلاوة القرآن الكريم فقط.. نريد لها أن تصبح لغة حياةٍ وحوارٍ وعلمٍ وفكرٍ وفن، وأن تبقى على الدوام لغةً حيةً تواكب عصرها. يستشهد البعض دائماً فى معرض إنكار الخطر الذى يهدّد لغة الضاد بالآية القرآنية الكريمة «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون» سورة الحجر- آية 9 . وتفسير الآية القرآنية كما يقول الطبرى «إنّا للقرآن لحافظون من أن يُزاد فيه باطل أى ما ليس منه ، أو يُنقص منه ما هو من أحكامه وحدوده وفرائضه». وبرغم دقة التفسير وسهولة إدراكه فإنه لا يبرر للعرب اعتقادهم المطلق الكسول بأن اللغة العربية ستحافظ بذاتها على ذاتها بدون عمل وجهد أصحابها وغيرتهم عليها.
كثيرون من اسف يتصورون الحديث عن النهوض باللغة العربية وكأنه دعوة للاغتراب عن العالم والتقوقع والتخلف عن مسايرة لغات العصرالأكثر انتشاراً مثل الانجليزية أو الفرنسية باعتبارهما لغتى العلم والفكر والفنون. وهذا اعتقاد خاطئ لأن التجربة أثبتت أن إجادة اللغة العربية لا تحول دون الانفتاح على لغات أخرى وإجادتها فى ظل نظم تعليمية بل ومجتمعات بأكملها تأخذ بثنائية اللغة. ولماذا نذهب بعيداً وأمامنا تجربة المجتمع اللبنانى الناجح بل المدهش فى الأخذ بثنائية اللغة وربما ثلاثيتها. ففى لبنان تجد طلاباً وإعلاميين ومهنيين وسياسيين يبهرونك بلغتهم العربية فى الوقت الذى يجيدون فيه لغة أجنبية أو لغتين. أما لدينا فى مصر فقد شهدنا اللغة العربية تُهان على الألسنة فى قاعات المحاكم وأمام «كاميرات» التلفاز وفى أهم المنتديات والمناسبات العلمية والفكرية والسياسية.
إن الصين التى لا تكف عن إدهاشنا فى شتى المجالات قد نجحت فى خوض غمار تحديات التقدم التقنى وأصبحت اليوم من القوى الاقتصادية والصناعية و«التكنولوجية» العظمى بدون أن تتراجع لغتها الأم كلغة للحياة والعلم والتعليم والآداب والفنون. لم تتعرض الصينية للامتهان كما تتعرض العربية، ولم يخلق الصينيون هذا التناقض المصطنع الذى خلقناه هنا بأن التقدم العلمى مشروط بتجاهل اللغة القومية واستخدام لغة أجنبية. بل إن الصين قد حققت المعجزة فأصبح الأوروبيون اليوم وغيرهم يتهافتون على تعلم اللغة الصينية!! لم يصل الصينيون إلى هذا النجاح المدهش إلا بفضل العمل الجاد وإرادة الكبرياء الوطني. ويا لهما من صفتين تتغير بهما أحوال الشعوب والأمم.
يبقى كالعادة سؤال وما العمل؟ هنا أطرح للنقاش مسارين للدفاع عن آخر حصون المقاومة الحضارية فى بلادنا أولهمايتعلق بإصدار قانون لحماية اللغة العربية، والمسار الثانى هو إحداث ثورة شاملة فى طرق ووسائل تدريس اللغة العربية.
ما نريده من قأنون حماية اللغة العربية أن يكون قانوناً فاعلاً وملزماً وذكياً. من المفيد هنا الاطلاع على القوانين الشبيهة فى الدول الأجنبية ومنها فرنسا لنعرف كيف يفرض القانون الفرنسى حماية اللغة الفرنسية من خلال تفصيلات تصل إلى حد إلزام المحال بكتابة أسمائها بالفرنسية وفى حال كتابتها بالانجليزية فيتم تحديد «مقاس أو حجم» الحروف المستخدمة. يسرى هذا على ملصقات الإعلانات فى الشوارع ومن بينها إعلانات الأفلام الأمريكية التى لا يجوز أن تكتب بالانجليزية فقط بل يجب أن يكون عنوان الفيلم مترجماً أيضاً إلى الفرنسية. بالطبع لن تتشكّل ألسنة الناس بقانون، ولكن القانون يمكنه أن يفرض احترام لغتنا القومية على واجهات المحال وفى ملصقات وإعلانات الشوارع والتلفاز، وفى مؤسسات التعليم التى تهدّد وحدة نسيج الأمة.
أما الثورة التعليمية على فلسفة ومناهج ووسائل تعليم اللغة العربية فهى تبدأ من مواجهة فرضين: إما أن اللغة العربية أصبحت لا تُسعف أبناءنا فى التعبير عن أفكارهم، وفى هذه الحالة فإن علماء اللغة مطالبون بمواجهة السؤال الدقيق (والخطير) بشأن تطوير اللغة العربية ككائن حى لا يستعصى على التطوير. وإما أن أبناءنا أنفسهم عاجزون عن استخدام لغتهم الأم وهنا يصبح التقصير منسوباً إلى نظام تعليمى مترهل يجب الثورة عليه فوراً. آن الأوان أن يواجه نظامنا التعليمى أسباب فشله الذريع والمتواصل الذى انحط به وبنا إلى هذا الدرك من الاغتراب اللغوى.
لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.