ذوي الهمم| بطاقة الخدمات المتكاملة.. خدماتها «مش كاملة»!    اعرف تحديثات أسعار الذهب اليوم السبت.. وهذه نصائح ضرورية عند التعامل    موعد مباراة الأهلي والترجي التونسي في ذهاب نهائي إفريقيا والقنوات الناقلة    الأهلي والترجي| المارد الأحمر يسعى لتقديم مهر الأميرة السمراء في رداس    27 ألفا و120 طالبا وطالبة يؤدون امتحانات الشهادة الإعدادية أمام 302 لجنة بأسوان.. اليوم    زيلينسكي: أوكرانيا ليس لديها سوى ربع الوسائل الدفاعية الجوية التي تحتاجها    نوح ومحمد أكثر أسماء المواليد شيوعا في إنجلترا وويلز    زعيم كوريا الشمالية يشرف على اختبار صاروخ جديد: تعزيز الحرب النووية    ارتفاع سعر الفراخ.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية السبت 18 مايو 2024    جسم مجهول يصيب سفينة في البحر الأحمر    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    ذروة الموجة الحارة ورياح شديدة، الأرصاد تحذر من طقس اليوم وتقدم 3 نصائح عاجلة    الأرصاد توجه رسالة عاجلة للمواطنين: احذروا التعرض للشمس    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    عاجل - "تعالى شوف وصل كام".. مفاجأة بشأن سعر الريال السعودي أمام الجنيه اليوم في البنوك    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    حكايات| «نعمت علوي».. مصرية أحبها «ريلكه» ورسمها «بيكمان»    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    رقص ماجد المصري وتامر حسني في زفاف ريم سامي | فيديو    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    حماية المستهلك يشن حملات مكبرة على الأسواق والمحال التجارية والمخابز السياحية    تفاصيل قصف إسرائيلي غير عادي على مخيم جنين: شهيد و8 مصابين    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    إصابة 3 أشخاص في تصادم دراجة بخارية وعربة كارو بقنا    نصائح طارق يحيى للاعبي الزمالك وجوميز قبل مواجهة نهضة بركان    الأول منذ 8 أعوام.. نهائي مصري في بطولة العالم للإسكواش لمنافسات السيدات    فانتازي يلا كورة.. هل تستمر هدايا ديكلان رايس في الجولة الأخيرة؟    أحمد السقا يرقص مع ريم سامي في حفل زفافها (فيديو)    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    ننشر التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    لبنان: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الخيام جنوبي البلاد    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    عمرو أديب عن الزعيم: «مجاش ولا هيجي زي عادل إمام»    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في محافظة البحيرة.. بدء التصحيح    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    مؤسس طب الحالات الحرجة: هجرة الأطباء للخارج أمر مقلق (فيديو)    تعرف على موعد اجازة عيد الاضحى المبارك 2024 وكم باقى على اول ايام العيد    نحو دوري أبطال أوروبا؟ فوت ميركاتو: موناكو وجالاتا سراي يستهدفان محمد عبد المنعم    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    حظك اليوم برج العقرب السبت 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    سعر اليورو اليوم مقابل الجنيه المصري في مختلف البنوك    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    خبير اقتصادي: إعادة هيكلة الاقتصاد في 2016 لضمان وصول الدعم لمستحقيه    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى
حبيبى إلى الأبد!
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 01 - 2018

أكتب إليك رسالتى بدموع الفرح والرجاء .. الفرح بعطاء المولى سبحانه وتعالى لى، وبزوجى الذى مهما فعلت فلن أوفيه حقه، والرجاء فى أن تكتمل سعادتى، ويتحقق حلمى الذى طالما حلمت به، فأنا سيدة تعديت سن الأربعين، وقد نشأت فى أسرة بسيطة من الأرياف، وتعلمنا منذ صغرنا الحب والاحترام، وجمعتنا الألفة والمودة والترابط، فلم يمر أحدنا بأزمة أو تعترضه عقبات، إلا ووجد الجميع حوله، فأمرنا شورى بيننا، ولذلك وجدنا دائما حلولا لمشكلاتنا، ومرت الأيام وتخرجنا فى كليات نظرية وعملية، وكان يوم حصولى على شهادتى من أروع أيامى، ولكن فرحتى لم تدم سوى أيام معدودة، إذ رحلت أمى فجأة عن الحياة، فدخلت فى دوامة من الحزن، لم أفق منها بسهولة، وبذل والدى قصارى جهده للتخفيف عنى، وتتبعنى فى كل الأوقات، ولم يغمض له جفن شهورا عديدة، خشية أن يحدث لى مكروه، وردّد على مسامعى آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية لكى يطمئن قلبى، واستطاع بهدوئه وصبره المعهود أن يعيدنى إلى الاندماج فى الحياة، وتزوج إخوتى وصار لكل منهم بيت وأسرة، وبقيت وحدى مع أبى، وفجأة ظهرت بقع فى جسمى، ثم انتشرت فى الظهر والكتفين والصدر، فأسرعت إلى أبى واستجمعت قواى، وأبلغته بما أعانيه، فأخذنى إلى أكثر من طبيب، فأكدوا جميعا أننى أعانى مرضا اسمه «النشوانى البقعى» وهو مرض نادر لا علاج له، واكتفوا بوصف بعض الدهانات التى قد تحول دون تمدده أكثر من ذلك، ولاحظت الدموع تترقرق فى عينى أبى، فربت على كتفه، وقلت له: «يا ابى إذا كان هذا قدر الله، فلماذا الحزن؟ .. الم تقل لى ذلك كلما وجدتنى حزينة وشاردة»، فجفف دموعه مؤكدا أنه يحسن الظن بالله، وأنه سبحانه وتعالى لن يضرنا أبداً»، وظلت هذه العبارة ترن فى أذنىّ، كلما اشتد بى الضيق والألم، لكنى اتخذت قرارا برفض أى شاب يتقدم للارتباط بى دون إبداء الأسباب، ليس اعتراضا على مشيئة الله، وإنما لكى أواجه الأمر الواقع، إذ من الذى سيقبل الزواج بفتاة مشوهة جسديا بهذا المرض؟.. صحيح أننى لا حيلة لى فيما أعانيه، لكن ما استقر فى عقلى هو أن الشباب يسعون إلى الزواج من الفتاة الجميلة، فإذا فوجئوا بأن من جذبهم شكلها مصابة بمرض جلدى من هذا النوع فإنهم بالتأكيد سوف ينصرفون عنها واحدا بعد الآخر، ولذلك قررت أن أغلق قلبى بالضبة والمفتاح، وأن أنسى حلم أن أكون عروسا ذات يوم مثل كل البنات، وظن من تقدموا لى أننى متكبرة، ولذلك تحاشى غيرهم التفكير فى التقدم لطلب يدى دون أن يعلم أحد «الحقيقة المرة» التى أحياها.
وبلغت سن الثلاثين، ولم يدر بخلدى أن القدر يخبئ لى ما لم يخطر ببالى، فذات يوم حدثتنى زميلة لى عن عريس يسأل عنى، ويريد الارتباط بى، فأحسست بحرج شديد فى إبلاغها بالرد المعتاد، وقررت هذه المرة أن أقابل هذا الشاب، وفى يقينى أننى سأرفضه كسابقيه بأى حجة حتى لا أكشف مرضى لأحد، وحددت له موعدا لزيارتنا، وجاءنا بمفرده، وجلست معه، وتركت له الفرصة لكى يبوح بما فى نفسه، فأبدى إعجابه بى، وقال إنه سمع كلاما طيبا عن حسن أخلاقى، فأحسست لأول مرة بشعاع الحب يتسلل إلى قلبى، فقررت أن أفضى له بالسر الذى أكتمه ولم أكن أريد أن يطلع عليه أحد، وأبلغته بمرضى، وأن جسدى مشوه به، ولم أدع له فرصة للرد وهممت بالوقوف والاستئذان، فألقى علىّ السلام وانصرف عائدا إلى بيته، وتصورت أن الأمر انتهى عند هذا الحد، فإذا به يتصل بأبى فى اليوم التالى، ويبلغه بأنه لن يتزوج غيرى، وأن إفضائى إليه بأمر بسيط يقصد مرضى الجلدى زاده تمسكا بى، وكم كنت سعيدة به، وتزوجته، ولم أر منه إلا كل الحب، فهو شخص متدين إلى أقصى درجة.
ومضت حياتنا هادئة بعد أن ارتاح بالى، ولم يعكر صفوها سوى عدم الإنجاب، وخضنا معا رحلة التحاليل والأشعات التى تقطعها كل من تأخرت فى الإنجاب، وبعد معاناة رزقنى الله بطفلة جميلة فرحنا بها فرحة عارمة وبعدها لم يكتمل لى حمل خمس مرات، إذ كان الجنين يموت فى الشهور الأولى، وبكيت كثيرا، وأنا خاضعة لعمليات تنظيف الرحم، وكنت أغيب عن الوعى كلما حقنونى ب «البنج»، وعندما أفيق منه، أجد زوجى إلى جوارى يطيّب خاطرى، ويجفف دموعى إلى أن أتخطى مرحلة التعب، وأتعافى من آلامى، وصرف زوجى كل ما ادخره من مال لعلاجى، حيث إنه يمتهن أعمالا حرة، وليست له وظيفة ثابتة، ولكى يوفر مصدرا للدخل افتتح محلا صغيرا ركز فيه كل جهده، وحملت من جديد، واكتمل الحمل هذه المرة، ووضعت بنتا أخرى، وصار لدينا بنتان، وبعد حوالى عام اختبرنى الله بمرض آخر أشد ضراوة، فلقد أصبت بورم فى الثدى، وأخذ الطبيب المعالج لى عينة منه وحللّها، ثم أخبرنى أنه ورم خبيث، فعدت إلى منزلى، وقد أسودت الدنيا فى عينىّ، ولم يرتح زوجى لحظة واحدة، إذ ظل الليل كله يبحث فى قائمة الأطباء عمن يمكن أن يعرضنى عليه، ويصل بى إلى أفضل نتيجة ممكنة، وحملنى إليهم واحدا بعد الآخر، فرأوا جميعا ضرورة استئصال الثدى كاملا، لكن زوجى مال إلى عرض الأمر على طبيب شهير فى الأورام لكى يستأصل الورم فقط، فطلب إجراء أشعات متخصصة، وعمل مسح ذرى للتأكد من أن المرض لم ينتقل إلى مكان آخر، وكانت الفاجعة الكبرى أن الورم انتشر فى أماكن متفرقة من جسدى، وتمكن منى تماماً بعد أن وصل إلى المرحلة الرابعة، فانهرت فى بكاء مرير، ليس من أجلى، ولكن لأننى سأرحل عن زوجى وابنتىّ، وقد أشفقت عليهم من هول الصدمة، فزوجى لم تتوقف دموعه لحظة واحدة منذ أن علم بحالتى المتدهورة، وابنتى الكبرى سألتنى «إنتى مالك ياماما»، ولم أجد ما أقوله لها، فاحتضنتها وحاولت أن أتماسك أمامها، وأنا أقول لها «أنا كويسة».
عندئذ عرفت أننى سأخضع للعلاج الكيماوى، وبالفعل استسلمت لجلساته، وترددّت على التأمين الصحى، ولكن ساءت حالتى، فقرر زوجى علاجى فى مستشفى خاص، وهناك وضعوا لى نظاما جديدا للعلاج، وأنا مستسلمة لأقدارى، وشيئا فشيئا ظهرت علىّ آثاره الجانبية من سقوط الشعر، واصفرار الأسنان، واسوداد الأظافر، وظهور سواد أسفل العينين، لدرجة أننى كرهت النظر فى المرآة، أما زوجى فقد ازداد قربا لى، وكلما جلس إلى جوارى يقبل رأسى «الصلعاء» ويقول لى «يكفينى أنك موجودة بيننا»، وينهض فيؤدى أعمال المنزل، ويسهر على خدمتى، ويوفر لنا كل متطلباتنا .. وكلما رأيته مهموما بى، أدعو الله أن يشفينى حتى لا تتشرد أسرتى.
ولما نفدت مدخرات زوجى لم يجد بدا من بيع المحل، والعمل بالأجر اليومى فى محل آخر، ويا له من وضع صعب على أى انسان، لكن زوجى لم يبال بذلك، ولم يفارقه الأمل فى أن الله سوف يزيح عنى المرض فى الوقت الذى قال لنا الطبيب فيه إن الأمل فى شفائى ضعيف، فأوكلت أمرى الى خالقى، وكثيرا ما كان زوجى يساندنى ليلا لكى نصلى، ونتوجه إلى الله بالدعاء، وأصدقك القول أننى كلما سجدت بين يدى الله أشعر براحة عجيبة، وأدرك تماما أنه يختار للمرء ما فيه خير له، وظللت على هذه الحال عاما كاملا، ثم خضعت للمسح الذرى من جديد، فإذا بالمرض وقد اختفى من أماكن عديدة بجسمى، ولكنه مازال موجودا فى الثدى وفقرات الظهر، وعاودت الاتصال بالطبيب، فجدد الطبيب رفضه اللجوء إلى الجراحة لاستئصال الورم الأساسى من الثدى، إذ يرى أن ذلك لن يجدى شيئا، ومازال الأمل يحدونى فى الشفاء التام، ولم يتوقف زوجى عن مساعيه لعلاجى برغم المتاعب المالية التى يواجهها.. إنه نعم الزوج والأب والصديق، وسيظل حبيبى إلى الأبد، وكل حياتى وكيانى، وأرجوكم أن تدعوا لى بالشفاء، وشكرا لك يا سيدى على ما تقدمه للآخرين، وجزاك الله خيرا، وليت كل الناس يدركون أنه لا يأس مع الحياة كما تقول دائما فى ردودك وأن الأمل فى الله يفتح الأبواب، وييسر الأمور، ولا حول لا قوة إلا به سبحانه وتعالى.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لا شك أن العامل النفسى له دور مهم فى التغيرات الجسدية التى تطرأ على الإنسان، ومنها الأمراض بطبيعة الحال، فكلما قويت علاقته بالله، وازداد ارتباطا بمن حوله، واطمأن إلى أن كل شىء بإرادته سبحانه وتعالى، فإنه يكون قادرا على تجاوز محنته، والتعافى من آلامه، وما أكثر تجارب المرضى الذين زالت آلامهم، فى الوقت الذى أكدت فيه التقارير الطبية أن بقاءهم على قيد الحياة لن يزيد على أيام معدودة، وبعد أن قرأت رسالتك وجدتنى أتأمل آيات الشفاء التى ذكرها الله فى القرآن الكريم ومنها «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا» (الإسراء 82)، ويرتبط بذلك الإيمان بالقدر، وليس هذا معناه أن نترك الأخذ بالأسباب، إذ علينا الاجتهاد قدر استطاعتنا، وفى حالة المرض يجب أن نطرق أبواب الأطباء، ونمتثل لتعليماتهم وأن نرضى دائما بما يقدره الله لنا، وأتذكر البيت التالى لأمير الشعراء أحمد شوقى:
سلاما ملونا واحتفاظا وعصمة
لمن بات فى عالى الرضا يتقلب
فالرضا يجعل المرء دائما فى راحة تامة، وتصالح مع النفس، فيبتهج بالقليل الذى بين يديه، ويجعل منه مصدر سعادة، وكل ما هو مطلوب منه أن يحسن الصبر، وأنت صبرت ورضيت، فكان أمر الله بتخفيف المرض عنك، فى الوقت الذى اتجهت فيه حسابات الأطباء إلى أن حالتك ميئوس الشفاء منها .. نعم لقد راضيت نفسك على الواقع الذى تعيشينه، وألتمست أسباب القناعة، فتحقق لك جزءا كبيرا من مرادك، وإياك أن يتسلل الطمع إلى قلبك، أو أن تدعى نفسك للضيق والضجر، وعليك أن تستمرى على منهجك التلقائى الذى سرت عليه، وأوصلك إلى ما أنت فيه الآن.
والحق أن زوجك أيقن منذ تقدمه لطلب يدك أن الله بيده مقاليد الأمور وإنه عز وجل يقدرها كما يشاء، ولذلك أصر على الارتباط بك برغم انك أفصحت له عن المرض الذى تعانينه، وكان لرضاه بما قسمه الله دور فعّال فى عبورك محنة المرض وإنجابك بنتين، والحياة المستقرة التى جمعتكما، فالإنسان الراضى بقدره لا يعرف الخراب أبدا، وليس معنى ذلك أن يعيش بلا أمل، فالقناعة والأمل متكاملان، وليسا متضادين، وفى ذلك يقول الشاعر:
يعيش بالأمل الإنسان فهو إذا
أضاعه زال عنه السعى والعمل
إن للآمال فى أنفسنا لذة تنعش منها ما ذبل، ويحلو بها الصبر على شظف العيش، والخطب الجلل، وما أكثر العبر والعظات فى رسالتك، فعند عزوفك عن الزواج فى بداية حياتك بسبب المرض الجلدى الذى تعانينه، وجدتنى أتساءل: هل الشكل الخارجى للإنسان هو مصدر سعادته؟.. ثم أجبت بأننا إذا قررنا أن الجمال وحده سر السعادة نكون مخطئين تماما.. صحيح أنه من الطبيعى أن يسعى الإنسان نحو الأفضل، لكن الكمال لله وحده، فمن منا ليس فيه بعض العيوب والنواقص، ثم أين نحن من جمال الأخلاق؟.. إنك لو سألت أى شاب عن مواصفات الزوجة التى سيرتبط بها لفضّل ذات الدين والأخلاق على ذات الجمال، وهو ما حثنا عليه رسول الله فى الحديث المعروف عنه «فاظفر بذات الدين»، .. إن الجمال والجسد لابد لهما من يوم يبليان فيه، ويبقى فى النهاية حسن الخلق، فكم من معافى فقد البصر، وكم من صحيح الجسم بات عليلا، فالحياة يوم لك، ويوم عليك كما يقول الشاعر:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هى الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
يا سيدتى: لا شىء يدوم إلا وجه الله، وكل من يدرك هذه الحقيقة تعتريه السكينة والطمأنينة.
لقد ضرب زوجك أروع الأمثلة للرجل الذى يتقى الله، ويدرك المعنى الحقيقى للحياة، وإننى أحييه على موقفه، وأثق فى أن الله لن يخذله، وسوف يرزقه من حيث لا يحتسب، وستعود أموره المادية إلى أحسن مما كانت عليه، ولاشك أنه مكسب كبير لرجال الأعمال الذى يسعون إلى من يستعينون بهم من الأكفاء والمخلصين.. إن السعادة ليست لغزا يحتاج إلى إعمال الفكر والخيال، ولكنها بذل الجهد فى سبيل تحصيل ما نحب، ولا تتخيلى أن أهل الكسل والخمول والفراغ سعداء لأنهم لا يبذلون أى مجهود، فإنى أراهم أشقى الناس برغم راحتهم البدنية، فالسعادة مقترنة بالعمل والفعل وليس الخيال والأمل، فلتضعا معا ما تحبان موضع الفعل، واستعينا بالله واقتربا مما يؤنسكما تجدان السعادة، وتأكدى أن الله سبحانه وتعالى، كما خفف عنك المرض، قادر على أن يزيحه عنك تماما، فكونى معه، وانبذى أى أفكار خاطئة قد تعلق بذهنك، واستفيدى من تجربتك العامرة بالدروس، ولا تنسى قول أحد العارفين: «نحن فى سعادة لو عرفها الملوك لقاتلونا بالسيوف»، وليتعلم الجميع الدرس بأن السعادة الحقيقية رؤية داخلية مبهجة، وإحساس بالصلح مع النفس والدنيا والله، واقتناع عميق بالعدالة الكامنة فى الوجود كله، وقبول جميع الآلام فى رضا وابتسام».. أسأل الله لك الشفاء التام، ولزوجك التوفيق والسداد، ولكما منى التحية والسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.