ترجل الفارس النبيل بعد رحلة طويلة طويلة طويلة فى بلاط صاحبة الجلالة والفخامة والشقاوة التى اسمها الصحافة. فيها من الجهد الكثير.. ومن الهم أكثر.. ومن النجاح والفلاح والنصر.. «ما تعدش» وهى كلمة عامية لم أجد أبلغ منها ولا أشد تأثيرا من كلمات بالعربية الفصحى أبلغ تعبيرا.. انها تعنى النجاح والفلاح الكثير.. ترجل الفارس الذى اسمه إبراهيم نافع وهو اسم يساوى وزنه ذهبا وفكرا ونجاحا.. لما يحمله فى صدره من أرق الأحاسيس وخالص الحب ورائع الوفاء وجميل الخلق والخلق بفتح وضم الخاء وسكون اللام وعظيم الأدب وبديع الإحساس وكريم الخصال.. مع الشغل اللذيذ والدأب والمثابرة والإصرار والإخلاص فى العمل وفى الابداع.. والجلد الذى لا يعرف الكلل أو الراحة فى كل ما يعمله أو يتولاه برعايته دون انتظار من أى أحد ولو حتى كلمة شكر.. لم أسمعه مرة يغتاب إنسانا أو يجيب سيرة أحد بالبلدى كده إلا بالخير والثناء والشكر.. حتى اننى تجرأت مرة وهو رئيسى فى الهرم الصحفي.. هو كرئيس تحرير وأنا مجرد بيدق أو عسكرى فى رقعة الشطرنج.. وقلت له يومها وأنا أشغل منصب رئيس قسم التحقيقات: يا أستاذ إبراهيم هذا الخلق الكريم والخصال الطيبة التى تملكها لم تعد تنفع فى عصر الفهلوة والفتاكة واللعب على الحبال التى تعشش فى صدور الناس هذه الأيام.. أنت ياعزيزى تلبس مسوح القديسين يعنى ملابس الملائكة وأخلاقهم داخل مجتمع الشياطين والأبالسة ولعب الثلاث ورقات! ابتسم كعادته وقال لي: لايصح إلا الصحيح ياعم عزت.. الكلم الطيب والخلق القويم سوف يكسب فى النهاية.. مهما طال الزمن.. أما سياسة «اللعب بالثلاث ورقات».. و«الضحك على الدقون». و«شيلنى وأشيلك» و«اللى تكسب به العب به».. و«الرزق يحب الخفية واللعب على الحبال».. كلها لن تفيد حتى لو نجحت مرة.. سوف تسقط حتما فى كل المرات التى تليها.. وقال لى مرة ونحن فى رحاب مسجد السيدة نفيسة بعد صلاة الظهر: عندما تعمل عملا تذكر أن عين الله ترقبك.. فإن عملت خيرا.. فإن عين الله سوف تحرسك وتسدد خطاك،، وإذا كان شرا.. فالعاقبة فى النهاية ليست فى صالحك.. وقال مرة أخرى: تذكر دائما إذا نسيت يا عم عزت قدرة الله عليك!
إبراهيم نافع الذى صعد للقاء ربه أيها السادة اسم لامع ساطع فى عالم الصحافة والنقابة والصحبة والاخلاص والتفانى فى العمل.. مع الأدب الجم والذوق الرفيع.. وكان نقابيا من طراز فريد حتى إننى لا أعرف كم عدد المرات التى حصل فيها على منصب نقيب الصحفيين؟ كان يعرف من أين يحصل على الخبر، وكيف؟ .. والخبر هنا هو ما يصلح مانشيتا للأهرام باللون الأحمر.. وهو مانشيت عادة يهم كل الناس.. قراء الأهرام.. وحتى ستات البيوت اللاتى ينتظرن خفض الأسعار.. وتذاكر القطارات وكيلو الطماطم وكيلو الباذنجان وقزازة الزيت عشان طبق الباذنجان المقلى بتاع الناس الغلابة. وكيلو اللحمة الذى تقسمه الأم المصرية على ثمانى قطع.. أقاطعه أنا بقولى: والله أمى كانت زمان تقسمه على عشرة! كأنه لم يسمعنى وتابع كلامه: وفرخة الجمعية اللى تعتبر سفرة طعام الطبقة الوسطى كلها.. اللى احنا كلنا تقريبا منها! خد بالك فى كتاباتك ياعم عزت من الناس وهموم الناس وسيبك من الكبار وفيهم الهليبة اللى ياكلوها والعة.. أظنك فاهمنى! لم ينتظر منى ردا.. بل تابع كلامه: الصحفى هو من يعرف كيف يحصل على مانشيت الأهرام.؟ انتم عارفين يعنى إيه مانشيت الأهرام.. يعنى زى مانشيت النيويورك تايمز الأمريكية واللا التنبو الإيطالية واللا البرافدا الروسية والجارديان البريطانية. يسكت لحظة ثم يضيف: إن أجمل يوم فى حياتى.. يوم كنت فى نيويورك ولقيت بائع الصحف هناك بيلف على الكافيهات وهو يحمل رزمة من الأهرام باللغة العربية طبعة نيويورك وينادي: أهرام.. أهرام زى ما نكون فى قهوة الفيشاوى فى الحسين سهرانين للصبح ويلف علينا بائع الجرايد وهو يصيح: اقرأ الأهرام.. آخر خبر! قلت له: أنت ناسى حاجة واحدة بس .. إننى كنت معك فى هذه الليلة. ولعل سر نجاح إبراهيم نافع انه كان يعرف كيف يختار مساعديه فى الأهرام.. تعالوا نشوف كده اختيارات إبراهيم نافع.. من رجاله الذين كانوا حوله فى الأهرام: 1 سامى متولى مدير تحرير الأهرام لشئون الأخبار وكان شعلة نشاط من السابعة صباحا وحتى طلوع الأهرام. 2 سلامة أحمد سلامة مدير تحرير الدسك المركزى + عمود سياسى يومى، كان إبراهيم نافع حريصا على أن يقرؤه أول ما يقرأ فى أعمدة الأهرام فى الصباح، كما قال لى.. 3 - عبدالوهاب مطاوع صاحب بريد الجمعة الذى لم يتكرر! 4 صلاح الدين حافظ مديرا للدسك المركزى، وكلنا يعرف من هو صلاح الدين حافظ؟ 5 محمد باشا رئيسا لقسم الأخبار.. وكان يعرف التايهة فى الأهرام وفى كل وزارات مصر.. 6 حسنى جندى الذى يعرف كل لغات الأرض رئيسا للقسم الخارجى. 7 صلاح جاهين رسام كاريكاتير يومى للأهرام.. وشاعرها للعامية! 8 نجيب المستكاوى رئيسا لقسم الرياضة.. وكلنا يعرف من هو نجيب المستكاوي؟ 9 الجراند بربميير كمال الملاخ نجم النجوم ومكتشف مراكب الشمس.. وصاحب الصفحة الأخيرة وباب أخبار من غير عنوان.. 10 فريد مجدى رئيسا لقسم السكرتارية الفنية وكلنا نعرف من هو فريد مجدى فى زمانه. وأذكر انه كان لا يغير من كلمة الغيرة ولا يخشى أحدا من الزملاء الصحفيين.. حتى انه كان يقول فى مجالسه وعلى شاشة التليفزيون: أنا أكتب مقالتى بهدوء يوم الجمعة.. وعزت يقصدنى أنا يكتب تحقيق السبت يوم السبت! ومازلت أذكر له أمرين لا يمكن نسيانهما: 1 انه كان يثق ثقة تكاد تكون مطلقة فى اختياراتى للزملاء الصحفيين الجدد فى قسم التحقيقات الذى كنت أرأسه كما أراد هو، ولذلك وافق فورا على طلب تعيين الزميل العزيز عبدالمحسن سلامة محررا فى قسم التحقيقات الذى قدمته له .. والذى أصبح الآن وهو يستحق عن جدارة واستحقاق رئيسا لمجلس ادارة الأهرام.. أعانه الله ووفقه. 2 انه وقف إلى جانبى عندما سافرت مع زوجتى إلى واشنطن وقال الأطباء فى مستشفى واشنطن فى حضور عبدالرؤوف الريدى أحسن سفير لمصر فى الولاياتالمتحدةالأمريكية: لابد من إجراء جراحة قلب مفتوح فورا لها.. واكتشفنا أن العملية سوف تتكلف مبلغا هائلا من الدولارات، وتكفل هو مع السفير عبدالرءوف الريدى ووزير الصحة أيامها بتدبير أمر العملية.. ضمن مشروع كان زمان اسمه: العلاج فى الخارج. واذكر هنا هذه الحكاية للأمانة وللتاريخ وليس أكثر! .......... .......... ولقد حمى إبراهيم نافع الصحفيين من غدر الزمان ولعب اللئام عندما كان نقيبا للصحفيين .. كما يفعل الآن تلميذه النجيب عبدالمحسن سلامة نقيب الصحفيين والذى يحمل فوق ظهره مع الزميل علاء ثابت أحمالا فى الأهرام تفوق الجبال فى حجمها ويقود مركب الصحافة المصرية مع كبير العائلة الصحفية العزيز مكرم محمد أحمد المسئول الأول عن كل صحف وتلفزيونات مصر وأعلامها كله .. وفقهم الله جميعا وسدد خطاهم .. فقد كنا ومازلنا رفاق عمل فى الأهرام قبل الزمان بزمان. .......... .......... ولا ننسى هنا أن نقدم جائزة سنوية باسم إبراهيم نافع فى نقابة الصحفيين أو فى الأهرام فالاثنان تحت إمرة العزيز عبدالمحسن سلامة لأحسن صحفى فى بر مصر كله.. وأن نطلق على المبنى رقم 2 بالأهرام اسم إبراهيم نافع كما فعلنا مع المبنى الرئيسى الذى اسميناه باسم الهرم الرابع محمد حسنين هيكل. وحسنا فعل الزميل عبدالمحسن سلامة والعزيز علاء ثابت أن خرجت جنازة ابراهيم نافع من الأهرام.. كما فعلت أخبار اليوم مع مصطفى أمين.. ولا نملك إلا أن نرفع أيدينا: تعظيم سلام! ياعم إبراهيم كما كنت أناديه دائما لن أنسى أبدا أنك رشحتنى لكى أصدر مجلة «علاء الدين» للأطفال التى كانت فى هذا الوقت توزع 75 ألف نسخة أسبوعيا.. حسب آخر احصاء أيامها واسألوا عمنا إبراهيم نصر مدير التوزيع أيامها! وقد حققت نجاحا غير مسبوق حتى إنها فازت بالجائزة الأولى لصحافة الأطفال التى قدمتها مجلة «بوى» الأمريكية فى ولاية فرجينيا أيامها. ياعمنا وتاج راسنا.. أى دمعة حزن لا.. بل نهر من الدموع.. ولا نملك ياسيدنا وتاج راسنا.. إلا نقول هنا: وداعا ياعم إبراهيم يا أصيل.. يا أعظم الرجال العظام فى تاريخ الأهرام.. ولن تكون آخرهم.. فالأهرام طول تاريخها ودود ولود.. ودعواتنا لك وأنت الآن بين يدى بديع السماوات والأرض فى مقعد صدق عند مليك مقتدر..{ اسمحوا لى أن أختار نفس كلمات الرسول الكريم فى وداع ابنه ابراهيم عنوانا لهذا المقال.. وأرجو ألا أكون قد جاوزت قدري!! لمزيد من مقالات عزت السعدني