فى بيتنا صورة تذكارية لكبيرنا إبراهيم نافع مع ابنى أحمد عمرها عشرين سنة ، طالعت ابتسامة الرجل الحانية وهو يعطيه شهادة التفوق فغلبتنى دمعة لرحيله غريبا بعد ساعة واحدة من عام 2018 والذى تصادف أنه يوم سفر ابنى لبدء إجراءات مناقشة رسالة الدكتوراة من ألمانيا، ومثل هذه الصورة لإبراهيم نافع فى آلاف البيوت للعاملين من أسرة الأهرام، إما مع أحد أبنائه للتفوق الدراسى أو فى حفل ليلة القدر أو فى مناسبات ابتدعها إبراهيم نافع وتوارت بعد رحيله فتقطعت بعده أو كادت أواصر المودة والرحمة بين أبناء الأسرة الواحدة!، ففقيد الأهرام الكبير لم يكن شخصا عاديا فى حياة بنى الأهرام ولا فى مسيرة الصحافة المصرية والعمل النقابى ولا فى مسئولية رجل الدولة والكاتب الرصين الذى يؤمن بالحقيقة إلى جانب الحرية المسئولة عن قيم المجتمع وسلامة أراضيه! ومن أجل الحقيقة، بدأ كتابه «أنا وقاضى التحقيق» بالآية الكريمة (يأيها الذين آمنوا إن جاء كم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وأهدانى نسخة منه عند زيارته منذ سبع سنوات وأهديها إلى الجهات القضائية لعلها تجد فى الكتاب ما يبرئ ساحة الرجل الذى مات غريبا عن الوطن الذى خدم نظامه ودولته والحياة الصحفية فيه على مدى ستين سنة، وترك فى إهدائه لى ما يشبه القراءة فى المادة الأولى من دستور الأهرام (أنه يتعين علينا التثبت من كل نبأ وعدم الاستهانة بسمعة الناس واستباحة أعراضهم تحت زعم الدفاع عن الحق كما يرونه هم رغم قصر نظرهم وليس الحق كما ينبغى أن يكون). ولأن لكل شىء بداية ونهاية فقد أسدل الستار بقضاء إلهى بأن يموت إبراهيم نافع غريبا فى بلاد بعيدة لتتوزع الدروس والعبر ينهل منها كل مايريد، فمن أراد نهايته درسا بأن مصر الجديدة لا يوجد بها أحد فوق القانون فله ما يريد ومن أرادها فرصة للتشفى وإشاعة اليأس على طريقة المثل القائل بأن (آخر خدمة الغز علقة) والغز هنا رجل دولة من طراز رفيع وضع على قوائم الترقب ووضع أمام خيارين أحلاهما مر إما أن يعود إلى السجن فى قضية يتحمل مسئوليتها النظام وإما أن يبقى حرا أقرب إلى السجين، بينما الذين أصدروا الأوامر بحرق الجوامع والكنائس ومقاومة السلطات والاعتداء على رجال الأمن والجيش وتسببت مخططاتهم ولازالت فى سقوط آلاف الشهداء وترويع وطن بكامله لايزالون يحركون شبكاتهم من داخل السجون رغم أحكام الاعدام التى صدرت بحق بعضهم، ومن قصورهم التى صارت دوائر لصناعة القرارات وإدارة العمليات فى الروضة والبطرسية والواحات ومار مرقس والعريش والمنيا، وآخرهم كان يتحرك بالريموت كنترول يصطاد الضحايا كالعصافير أمام مارمينا،بحلوان الجمعة الماضية لدقائق وقام باصطياد الأبرياء وإشاعة الرعب، فهل فى حالة إبراهيم نافع لازالت توجد أسرار، عن البدايات والنهايات؟ فالبدايات أو «سنوات الشغل الكبير» كما سماها فى حديثه لي، بدأت بجمع شتات الأهرام واستجماع قواه الذى لم يشهد استقرارا منذ تركه الأستاذ هيكل فى مبنى وحيد بشارع الجلاء وأساسات مطابع فى قليوب وبعض المواقع المؤجرة فى المحافظات، وثلاثة إصدارات مع الأهرام اليومى ومجلة الأهرام الاقتصادى ومجلة الشباب وعلوم المستقبل ومجلة السياسة الدولية، لكنها تحولت تحت قيادة إبراهيم نافع إلى طبعة دولية وعربية بخلاف ملاحق الأهرام اليومى وستة عشر إصدارا تغطى جميع نواحى الحياة والمعرفة والثقافة فى الرياضة والمرأة والطفل والعالم العربى ومصر ومجلة للبيت والديكور ومجلة للغة العصر وعلوم الحاسبات، بخلاف إصدارات الأهرام باللغتين الإنجليزية الفرنسية (الأهرام ويكلى والأهرام ابدو).. أما بالنسبة لمبانى الأهرام فقد تسلمها إبراهيم نافع عام 1984 كرئيس لمجلس الادارة وهى مهددة بالعودة الى ورثة جبرائيل تقلا وقضى لصالحهم فى يناير 1992برد تلك العقارات اليهم وإقرار مبدأ التعويض فكان هدف إبراهيم نافع: تنفيذ استثمارات جديدة تستهدف تملك الأهرام لأصول جديدة حتى صارت امبراطورية صحفية لا تغيب عنها الشمس مركزها الأهرامات الثلاثة فى شارع الجلاء والمطابع فى قليوب وفى مدينة 6 أكتوبر، و76 مقرا فى جميع المحافظات وفروعها فى باريس ولندن وواشنطن وكندا إضافة إلى درة التوسعات والاستثمارات بإنشاء جامعة الأهرام الكندية غير أنه غادر منصبه فى يوليو 2005 قبل قبل شهور من بدء عامها الدراسى الأول. يبقى عزيزى القارئ، أنه من الأمانة أن أبوح لك بسر حين ذهبت الى إبراهيم نافع عام 2007كانت الحملة تنهال على سمعته والخناجر من كل ناحية ومانشيتات تتحدث عن أجولة الذهب والفضة وصناديق العملات والساعات الماسية التى تبحث عمن يأخذها والخزائن التى طفحت بأموال وأبواب من نحاس ومقابض من دهب وملاعق من فضة وعندما ذهبت مع زميلى عارف سعد الدين رئيس قسم التصوير، ضغطنا زر الجرس فتح لنا الباب بنفسه واصطحبنا الى غرفة المكتب المتواضعة وكل ما له علاقة بالذهب والفضة مجموعة من الدروع والكئوس والهدايا والشهادات التى حصل عليها فى مسيرته الصحفية وقد رصها فى فاترينة زجاجية يكتفى بالنظر إليها فى فخر، حين كان يجلس بهدوء ليكتب «حقائق»، قبل أن تحجب فى عصر تشابهت علينا فى الحقائق وبقيت الحقيقة الوحيدة أن أحد البنائين العظام قد مات، بعد عمر طويل فى الخدمة الصحفية ب (بهدوء) من ذلك الذى يسبق عاصفة من الألم! لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف