ترى ما هى الصورة التى يصح أن توصف بأنها صورة عام 2017؟ كتبت فى الأسبوع الماضى عن الطفلة عهد الفلسطينية وصورتها وهى تصفع الجندى الإسرائيلى باعتبارها صورة عام 2017 بامتياز على المستوى الإقليمي. واليوم لدينا صورة مصرية أكثر تميزا. صورة تختصر شجاعة الشعب المصرى فى مواجهة الإرهاب. إنها صورة المصريين بحلوان وهم يتداعون للقبض على الإرهابى الذى استهدف كنيسة مارمينا. إنها باختصار صورة مصر لعام 2017. فهى تلخص كل المعانى التى حرص المصريون على التمسك بها والإعلان عنها. صورة تعبر عن السلاح الأقوى للمصريين فى مواجهة الإرهاب. فرغم تكرار حالات الاعتداءات الإرهابية على الكنائس والجوامع وأفراد الأمن والمواطنين، فإن المصريين لم يسلموا الراية ولم يحنوا الرأس أمام ذلك الإرهاب. احتار الكثيرون فى فهم سلوك المصريين. كيف لهم ألا يلزموا بيوتهم مع وبعد كل عملية إرهابية. كيف لهم يتحلقون حول رجل الأمن وهو يفكك عبوة ناسفة فى مشهد لم تألفه دولة أخري. كيف لهم يخرجون من كل عملية إرهابية أقوى مما كانوا عليه قبلها. واليوم سيحتار الإرهابيون ومن يدعمهم أكثر وهم يحاولون قراءة أو تفسير صورة المصريين أمام كنيسة مارمينا. لقد بدت الصورة وكأن المصريين يهتفون بأعلى صوتهم بكلمات أغنية صورة التى كتبها صلاح جاهين وغناها عبد الحليم حافظ؛ «صورة صورة صورة كلنا كدا عايزين صورة... صورة صورة صورة تحت الراية المنصورة... صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة..يا زمان صورنا صورنا يا زمان..هنقرب من بعض كمان هنقرب من بعض كمان واللى هيبعد من الميدان عمره ما هيبان فى الصورة». الصورة تعبير بليغ عن تشوق المصريين للمشاركة الفعلية فى مواجهة الإرهاب. الصورة تعبير عن أن المصريين لم يعد بمقدورهم الاكتفاء بدور الصبر وتحمل آلام الإرهاب وترك المهمة للأجهزة الأمنية فقط. الصورة تعبير عن انفجار الغضب الكامن فى الصدور مما يقوم به الإرهاب. ما حدث فى ذلك المشهد تأكيد على حاجة المصريين للتعامل بأقصى درجات العنف مع الإرهابيين. أحد من شاركوا فى القبض على الإرهابى قال لوسائل الإعلام «كنا عازمين على قتل الإرهابى لولا تدخل قوات الأمن لحاجتهم له حيا». رغبة المصريين فى القضاء على الإرهابى فورا فى الميدان تعنى أنهم غاضبون من طول محاكمة هؤلاء. تعنى أنهم غير مستعدين لمشاهدة سنوات من المحاكمة على نحو ما حدث مع عادل حبارة بينما الجريمة ثابتة كما شاهدوها بأعينهم. رغبة المصريين فى القضاء على الإرهابى تعنى أنهم لا يرون سبيلا للتعامل مع هؤلاء سوى بالإعدام الفورى . ومع أن الصورة تعبر عن نفسها فإنه لو طلب كتابة تعليق عليها لكان التعليق الوحيد «يانموت زيهم ياينجيب حقهم». فالحاج صلاح الموجى مفجر التحرك الشعبى ضد الإرهابى عندما سئل عما دار فى خاطره قبل اتخاذه قرار مهاجمة الإرهابى المسلح قال انه لم يفكر فى شئ سوى فى كيفية إنقاذ المارة مسيحيين ومسلمين من ذلك الإرهابي، ومن ثم فإن اول ما فعله فور انقضاضه على الارهابى هو تعطيل سلاحه من خلال نزع خزينة الرصاص، وهو ما ساعد فى القبض على الإرهابى حيا. لم يفكر الحاج صلاح وكل من تبعه من المواطنين فيما ينتظرهم جراء مهاجمة الإرهابي، فقد يكون معه قنابل او حزام ناسف يفجرها كعادة الإرهابيين عندما ينال منهم قوات الأمن او يفشلون فى إتمام مهمتهم كما خططوا لها. انها الشجاعة المتولدة عن الرغبة فى الانتقام من الإرهابيين ومعاقبتهم على الدماء التى أسالوها فى المسجد والكنيسة والكمين. تلك هى الصورة العامة، أما التفاصيل ففيها الكثير، لعل اهمها اولا كيف تعامل مواطنو حلوان مع إنقاذ المصابين وإخلاء الشهداء. لم يهرب مواطن واحد من الميدان مع ان أيا منهم لم يكن مدربا على استخدام السلاح. وثانيا ان المواطنين الذين كانوا خارج مسرح العملية قد تدافعوا إلى المسرح استجابة لدعوة أطلقها مسجد فى محيط مسرح العملية. الدعوة كانت للمواطنين للتداعى من أجل إنقاذ الكنيسة انطلاقا من إيمان عميق بأن أحدا لن يتقاعس عن مساعدة الكنيسة وحماية الأخوة المسيحيين. الدعوة خرجت انطلاقا من إيمان بأن حماية الأخوة المسيحيين وكنائسهم هى مهمة مصرية خاصة من المسلمين قبل المسيحيين. وثالثا حرفية ومهنية قوات الأمن فى التعامل مع الإرهابى دون إصابة المواطنين الابرياء، والاستعداد وسرعة الوجود فى مسرح الحدث، الامر الذى يؤكد المستوى الاحترافى الذى وصلت اليه الشرطة فى مواجهة الإرهابيين. ورابعا التعاون أو التلاحم بين الشرطة والمواطنين لحظة الأزمة، فلولا جرأة الحاج صلاح لكان الإرهابى قد استمر فى تبادل اطلاق النار مع الشرطة حتى يلقى حتفه ونفقد كنزا معلوماتيا نحن فى أشد الحاجة اليه. بتعبير آخر، فإن المشهد إعلان واضح لكل ذى عينين عن قوة التلاحم بين المسلمين والمسيحيين، بين المواطنين والشرطة مادام الهدف واحدا وهو مواجهة الإرهاب الذى يستهدف مصر الوطن أولا. وأخيرا يبقي الوجه الآخر للصورة وهو أن المصريين باتوا يعرفون جيدا معنى وقيمة تسجيل تلك الأحداث. فالصور والفيديوهات المنتشرة للعملية الإرهابية قام بتصويرها مواطنون تابعوا الحدث من شرفات منازلهم غير عابئين أيضاً بما قد يحدث لهم من طلقات إرهابية طائشة، سبق لها أن أصابت وقتلت مواطنين فى شرفات منازلهم. باختصار أنه الشعب المصرى الذى حير المحللين فى تصديه للارهاب فأطلقوا عليه «شعب مالوش كتالوج»، وأجبرت صورته بحلوان أمام كنيسة مارمينا الجميع على التوقف أمامه احتراما وتقديرا. لمزيد من مقالات د. صبحى عسيلة