فى روضة سيناء الباكية يمكنك أن تسمع 2500 حكاية حزن أبطالها أطفال ورجال ونساء وعابرو سبيل , ويمكنك أن تتجاسر وتمد يدك لتمسح الدموع عن العيون الملتهبة , أما إذا وقفت بجوار مئذنة مسجدها ذات القمة الخضراء المميزة فسوف تتحسر وتترحم على أرواح منتسبين للإسلام قتلوا عندما لبوا نداء مؤذن قال لهم حى على الفلاح . وبنفس درجة الحسرة وربما أكثر تغلى الدماء فى عروقك مطالبا بالثأر للشهداء الساجدين . .................................. يقول دفتر أحوال القرية الحزينة البائسة أن عدد سكانها لم يتجاوز ال 2500 نسمة بينهم الكثيرون ممن نزحوا من العريش والشيخ زويد خلال سنوات المواجهة مع الإرهاب الأسود فى شرق سيناء منذ عام 2013 , وغالبيتهم من قبيلة واحدة هى السواركة الملقبين بين بدو سيناء ب (أهل الديار ) أما جد عشيرة الجريرات - رواد المسجد الحزين - الذى ينتسبون إليه ويفتخرون به بين القبائل العربية فهو ذاك الصحابى (عكاشة بن محصن الأسدى رضى الله عنه) المبشر بالجنة والذى قبل كتف النبى عليه الصلاة والسلام . تشتهرالجريرات بين عموم قبائل سيناء بالطيبة والحكمة, أما عن وطنيتهم فحدث ولا حرج فالشيخ عيد ابو جرير المولود عام 1910 هو بطل أبطال سيناء منذ عام 56 قبل ان ينتقل الى جزيرة سعود بالشرقية عام 67 . أما رجاله ومريدوه فهم الفدائيون خلال سنوات القتال فى حروب الاستنزاف حتى يوم العبور العظيم فى عام 73 وما بعدها. وللشيخ عيد أبو جريرمؤسس الطريقة الجريرية الأحمدية الصوفية لأبوين من عشيرة الجريرات مواقف وطنية فهو الرجل الذى أمر اتباعه بتغطية انسحاب القوات المسلحة إلى غرب سيناء فى عام 56 وتزويدهم بالمؤن اللازمة و بعد نكسة عام 1967 انتقل الشيخ عيد أبو جرير إلى قرية جزيرة سعود بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية، واستقر بها وبنى هناك مسجدا كبيرا إلى أن وافته المنية فى التاسع من سبتمبر عام 1971, بينما بقى رجاله ومريدوه من كافة القبائل فى سيناء. وواصل ابنه الشيخ منصور المسيرة شيخا للطريقة حتى ألقى القبض عليه فى اوائل عام 1974 بعد انكشاف دوره فى مقاومة العدو الصهيونى أثناء حرب أكتوبر، حيث ظل معتقلا لعامين حتى أفرج عنه. و مع ظهور الإرهاب فى سيناء، هاجم الإرهابيون أضرحة الطريقة الجريرية فى أغسطس عام 2013 حيث فجروا ضريح الشيخ سليم أبو جرير، كما شهدت الطريقة الجريرية حادثا مؤلما حين اختطف الإرهابيون الشيخ سليمان أبوحراز، والذى كان يبلغ من العمر 98 عاما، وكان فاقدا للسمع والبصر بسبب فتواه ضد الإرهابيين، وقامت بقتله ذبحا بالسيف ونشرت فيديو مؤلما لعملية قتله، كما أخفوا جثمانه كيلا يقيم له الأهالى ضريحا. ويشتهر مسجد الروضة الحزينة بمئذنته العالية التى تعبرعن مظهر للحياة فى بؤرة صحراوية تقع فى منتصف المسافة بين مدينتى العريش وبئر العبد اعتاد المارون على طريق العريش القنطرة الدولى على التوقف إلى جواره للتزود بالماء وأحيانا بالطعام خاصة فى شهر رمضان. ارتحلت إلى الروضة أعداد كبيرة من ( سواركة ) الشيخ زويد خلال السنوات الأخيرة هروبا من جحيم كلاب النار الارهابيين , ولكنهم تتبعوهم فى صلاة الجمعة يوم 24 نوفمبر 2017 داخل المسجد فحصدوا أرواح 235 شهيدا ساجدا وأصابوا المئات دون تمييز بين طفل جالس بجوار والده أو رجل خرج للقاء الله فى المسجد ولم يعرف أن الارهابيين قد حفروا قبره . الحادث الذى أبكى المصريين وقت صلاة الجمعة ارتكبته مجموعة مسلحة تضم 15 مسلحا كانوا يستقلون سيارتين، وصلوا إلى المسجد مترجلين بعد أن تركوا السيارات على بعد 150 مترا عن مكان الحادث الإرهابى , ومع بداية خطبة الجمعة الأولى اقتحموا المسجد وألقوا بالعبوات الناسفة بين المصلين، وأطلقوا رصاصات الغدر عليهم, ثم أشعلوا النار فى السيارات المتواجدة حول المسجد. فى الجمعة الحزينة تراصت الجثث داخل المسجد وتحولت أرضيته إلى نهر من الدم وعرفت القرية الحزينة المقابر الجماعية لأول مرة فى تاريخها , ولا يزال من تبقى من سكانها يكابدون الألم ويقضون لياليهم الحزينة على أمل أن تثأر مصر لهم وتعيد الأمن والأمان لمن كتب الله لهم النجاة .