تحولت مدينة الإسكندرية الساحرة إلى ما يشبه «غابات خرسانية» وكتل أسمنتية تحجب «النور والهواء» عن قاطنى المدينة.ولم تعد مدينة الثغر مقصدا للوافدين إليها من المحافظات للاستمتاع بالبحر واستنشاق هواء نقى من خلال رؤية البحر الذى حجبته «قسرا» بنايات عالية تضاهى السحاب، بحثا عن الثراء السريع لأصحابها من مقاولى البناء المخالفين، فضلا على هدم الفيلات التى أصبحت اللغة السائدة وسط الأحياء، وبالتالى حولت المدينة من مسارها المعمارى الى التشويه البصرى وطمس هويتها التاريخية بفعل فاعل. لا صوت يعلو فوق صوت اللوادر والجرافات التى تتحرك ليل نهار لهدم التاريخ والجمال ليحل محلها القبح والتشويه وضياع رونق المحافظة الحضاري، ونسقها الذى نقشه وأرسى جوانبه فنانون معماريون يونانيون وفرنسيون وإيطاليون من كل البلدان لتجسيد حقب تاريخية مهمة. «الأهرام» حاول لمس أوجاع السكندريين لرصد غضبهم على حال مدينتهم، فقال الدكتور هشام سعودي، عميد كلية الفنون الجميلة السابق فى جامعة الاسكندرية أستاذ التخطيط والعمارة، إنه للاسف الإسكندرية سقطت من الخريطة التراثية وطمست فيها الهوية المصرية والحقب التاريخية المهمة فى مصر، بسبب ما أسماهم مقاولى الهدم وأعداء الجمال والتاريخ، مشيرا الى أن الإسكندرية تتفرد بحجم كبير من البناء المخالف، بامتلاكها نصيب الأسد من مخالفات البناء دون ترخيص، مما أهلها لوقوع نكبات العقارات المخالفة على مدى السنوات الأخيرة، ومازالت مشكلة البناء المخالف هى المعضلة الأساسية التى تؤرق المواطن السكندري، وأصبح انتشار المبانى المخالفة سمة تميز الأحياء، وعلى رأسها حى العجمى الأكثر شهرة بين عاشقى الإسكندرية، تليه أحياء المنتزه أول وثان وشرق. ويأتى حى العجمى الواقع غرب الإسكندرية فى المرتبة الأولى من حيث صدور أكبر عدد من قرارات الإزالة لحجم البناء المخالف به، نظرا لأنه حى يحتوى على عدد كبير من الشواطئ، و له شهرة واسعة فى قضاء إجازة المصيف بالإسكندرية، كما يعد مقصدا مهما للعديد من محبى وعاشقى عروس البحر الأبيض المتوسط. وأضاف سعودى - فى تصريحات ل«الأهرام» أن حجم التلوث البصرى اصبح صعب السيطرة عليه فى الإسكندرية، والوضع أصبح غير مرض على الإطلاق بسبب ما تعانيه المدينة، وأشار الى أنه لو استعرضنا التراث العمرانى للإسكندرية، نجد أنه منذ عصور الدول القديمة الى اليوم، لم يتبق منه سوى التراث العمرانى فقط من عصورنا الفرعونية، مرورا بالعصور الرومانية والقبطية انتهاء بالمسيحية والإسلامية، وهو الرصيد الذى دائما ما نفخر به أمام الأمم وما لدينا من الرصيد الحضارى والبصرى الذى يظهر فى العمران الذى يؤكد الهوية المصرية، إلا أنه يتعرض إلى محاولات تعد على هذة القيم التراثية والعمرانية ومحو وطمس الهوية المصرية، وهو أمر بالغ الخطورة. وقال الدكتور محمد عوض، أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة الإسكندرية ورئيس لجنة الحفاظ على التراث بالإسكندرية، إن المبانى التى تهدم تم إخراجها من مجلد التراث بشكل أو بأخر، مشيرا إلى أن هناك تعارضا بين قانون حماية التراث واللائحة التنفيذية التى يستند إليها، وموضحا أن الإسكندرية كانت تضم نحو 1350 مبنى تراثيا ما بين فيلات وقصور ومنشآت تاريخية، الا أن معاول الهدم أسهم فى اغتيال أكثر من 200 مبنى خلال السنوات الأخيرة.