رحم الله الرئيس الشهيد أنور السادات بطل الحرب والسلام، فلقد اقترب مرور 99 عاما على مولده (25 ديسمبر 1918)، ومرت الذكرى الأربعون على زيارته التاريخية فى 19 نوفمبر 1977 إلى القدس، وخطابه المبهر المعبر بصراحة وقوة وشجاعة فى الكنيست الإسرائيلى عن المطالب العربية، أمام زعماء إسرائيل وقادتها.. ومع تردى الأحوال فى عالمنا العربي، وبصفة خاصة فى سوريا الشقيقة مع استمرار احتلال إسرائيل هضبة الجولان، وفى فلسطين الأبية مع اقتطاع إسرائيل المستمر للمزيد من أراضيها، لابد أن نتذكر دعوة الرئيس السادات إلى الرئيسين الراحلين حافظ الأسد وياسر عرفات لحضور المؤتمر التحضيرى لمفاوضات السلام يوم 14 ديسمبر 1977 فى فندق مينا هاوس، وذلك فى وجود الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر ورئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجين، وتم إعداد مراسم المؤتمر وتحديد أماكن جلوس الحاضرين على مائدة المفاوضات ووضع الأعلام الصغيرة للدول المشاركة عليها، وكان من بينها بطبيعة الحال علما سورياوفلسطين، ولكن للأسف لم يحضر الرئيسان السورى والفلسطيني، اعتراضاً ورفضاً واحتجاجاً على زيارة السادات إسرائيل (وليتهما حضرا!)، وكانت الزيارة قد قوبلت بقدر كبير من الجحود والنكران من جانب بعض الدول العربية وقطع علاقاتها مع مصر، ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس...الخ، بينما مضى الرئيس السادات لوطنيته وخبراته وحنكته ودهائه، بشجاعة وجسارة فى طريق السلام حتى حققه واستعاد كامل الأراضى المصرية التى احتلتها إسرائيل بعد هزيمة 1967، واكتسب بذلك إعجاب وتقدير واحترام جميع زعماء العالم المتحضر، وابتعدت عنا المقولة الجارحة إننا لسنا إلا «ظاهرة حنجورية» !، وبالعودة (افتراضاً) إلى أحداث الماضي، أقول ليت الرئيسين الأسد وعرفات لبيا دعوة الحضور إلى ميناهاوس، ولو فعلا لتغير وجه التاريخ قطعاً لمصلحة بلديهما، ولتجنبا قدراً كبيرا مما حل بهما منذ سنوات، فسوريا التى كانت فى الماضى قلب العروبة النابض، هى الآن فى أسوأ أحوالها، فمن دمار وخراب، ومستوطنات إسرائيلية فوق هضبة الجولان، إلى انتهاك صارخ لسيادتها من طائرات إسرائيلية وأمريكية وتركية تخترق حرمة أجوائها وتقصف أهدافا فوق أراضيها. أما فلسطين فالمحتل الإسرائيلى مازال فى غيه وبطشه يفعل ما يشاء، وقد ضاقت سجونه ومعتقلاته بآلاف الفلسطينيين، وانتشرت المستوطنات وتكاثرت فوق جميع الأراضى الفلسطينية بما فيها الضفة الغربية، وجاءت أخيرا الطامة الكبرى بقرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس كعاصمة لإسرائيل، جراء ذلك قامت المظاهرات العارمة فى فلسطين والعديد من دول العالم، وكان الإجماع الدولى برفض قرار «الترامبي»، (حتى من بريطانيا صاحبة وعد بلفور !) وكم يتمنى المرء أن تستغل الإدارة الفلسطينية هذا الإجماع الدولى وعواصم العالم تهتف «القدس عربية»، بالسعى الدؤوب فى المحافل الدولية السياسية والقانونية، مع استمرار المظاهرات والانتفاضات بصورة منظمة متحضرة دون صراخ وعويل حتى لا نوصم مرة أخرى بالمقولة الجارحة ! ، ومن وجهة النظر المتواضعة فقد يرى الوضع فى الاعتبار أن العلم الأمريكى فى نظر جميع الأمريكيين هو قدس من الأقداس، سواء كانوا سياسيين أو عسكريين أو مدنيين أو رياضيين، ولنسترجع على سبيل المثال، صورة أى رياضى أمريكى وهو فوق منصة الفوز ونتمعن فى ملامحه، بينما علم بلاده يرتفع فوق الصارى والموسيقى تصدح بنشيد بلاده، لنرى فى آن واحد مشاعر الفخر والخشوع والتأثر، وأن يوضع أيضا فى الاعتبار انه قد يكون من قدرنا أن تعود الولاياتالمتحدةالأمريكية مستقبلاً كوسيط للسلام، وأن يظل ترامب بأساليبه وطباعه وتصرفاته وانحيازه رئيساً، مع توقع أى ردود أفعال خاصة إزاء عدم استقبال نائبه، وبيده الفيتو الأمريكى الذى تستخدمه الولاياتالمتحدةالأمريكية عادة «عمال على بطال»، ومن الأهمية أيضا وضع الظروف الراهنة لعالمنا العربى وقدراته وإمكاناته - التى قد لا تتعدى المساعى والجهود الدبلوماسية والتأييد فى المحافل الدولية - فى الاعتبار!. جلال إبراهيم عبدالهادى مصر الجديدة