فرّق علماء اللغويات بين اللغة المنطوقة والمكتوبة، وقالوا إنّ الأولى تسبق الثانية، بدليل أنه إذا كان عمرالإنسان مليون سنة، فإنّ أقدم لغة مكتوبة عمرها ستة آلاف سنة، كما وجدها علماء الآثارعلى جدران المعابد والبرديات المصرية، المحفوظة فى معظم متاحف العالم. ولأنّ الباحث فى علم المصريات «سامى حرك» تعلّم وأجاد اللغة المصرية القديمة، بمراحلها (الهيروغليفية، الديموطيقية، القبطية) فقد اكتشف أنّ كلام شعبنا فى حياته اليومية (فى العصرالحديث) فيه كثير من اللغة المصرية القديمة، وهذا يؤكد أننا نمتلك لغة قومية خاصة بنا، أصولها مُستمدة من الجذورالمصرية القديمة. وبعد أنْ عكف عدة سنوات لدراسة الربط بين اللغة المصرية الحديثة وأصولها القديمة، أصدركتابه «بنتكلم مصرى» على نفقته الخاصة بمطبعة جامعة القاهرة عام2017. وذكر المؤلف المقابل لكل كلمة ينطقها شعبنا حاليًا، سواء الهيروغليفة أوالقبطية، وفيه كثير من المراجع وقواميس اللغة المصرية القديمة، خاصة التى كتبها علماء اللغويات أمثال جاردنر، ودى سوسير، وغيرهما، كما ذكرأنّه أول كتاب «قواعد مصرى» كامل مكتوب بالمصرى، واستفاد من جهود الباحثين المصريين السابقين أمثال بيومى قنديل، وعبد العزيز جمال الدين وعصام ستاتى، ويضم وثيقة صادرة عن منظمة اليونسكو، تؤكد على ضرورة الدفاع عن اللغات القومية المنطوقة لكل شعب. ومن مظاهر اللغة المصرية الحديثة المرتبطة بالجذورالقديمة إن اللغة المصرية القديمة لم تعرف الحروف «بين اللسانية» مثل ث، وذ، وظ، لذلك يقول شعبنا تعلب ولا يقول ثعلب. ويقول ديب ولايقول ذئب، مع ملاحظة التغيير فى ذئب العربية وديب المصرية، حيث لا تعرف لغتنا النبرة، فنقول بيت وليس بيْت، ونقول موز وليس موْز. والسؤال فى اللغة المصرية يكون فى آخرالسؤال «اسمك إيه؟»، والعكس فى العربى «ما اسمك؟»، و»رايح فين؟» مصرى، ومقابلها فى العربى إلى أين أنت ذاهب؟. وأدوات الوصل فى اللغة العربية (تسع) الذى،اللذان، اللذين..إلخ. لكن المصرية اختصرتهم فى أداة واحدة «اللى» فيقول شعبنا، الواد اللى، والبنت اللى، والناس اللى. أى أنّ «اللى» شملتْ المفرد المذكر والمؤنث، والجمع، مع ملاحظة أنّ الجمع يشمل إثنين وأكثر. وسبب هذا الاختصارالمذهل أنّ اللغة المصرية لا تعرف الإعراب، وهوما ميّزها بالسهولة، ولهذا السبب انتشرتْ اللغة المصرية على ألسنة العرب. وثبتت اللغة المصرية العدد مع المعدود عكس اللغة العربية فيقول شعبنا تلات ولاد، وتلات بنات مثل الإنجليزية. وشرح أهمية حرف الباء فى اللغة القبطية الذى انتقل إلى العربية، حيث يُستخدم فى المضارع المستمر البنت بتذاكر، الواد بيلعب، العمال بيشتغلوا..إلخ. وشرح أهمية حرف الحاء القبطى الذى انتقل إلى العربية فى زمن المستقبل الأب ح يسافر، البنت ح تتجوز..إلخ. وبمقارنته بين اللغتيْن المصرية والعربية، لاحظ أنّ الأخيرة فيها بعض الأسماء والألفاظ لها ظهورفى النطق فقط ولا تظهر فى المكتوب مثل موسى، وهدى، وندى، بينما فى المصرى يظهر المنطوق مع المكتوب، فنقول: موسا، وهدا، وندا. وعلل النُحاة العرب السبب بما أطلقوا عليه «التعذر» كذلك لفظ معنى (عربي) معنا (مصري) إلخ. وشرح اللبس الذى يحدث مع أسماء الأعلام مثل اسم (علي) وكتابته المُتطابقة مع حرف الجر (علي) مثل كتاب على على المكتب (عربي) بينما الكتابة المصرية، كتاب على علا المكتب..إلخ. وبينما سخركثيرون من تعبير «إشمعنا» المصرى، فإنّ الباحث شرح أنه تعبير للمقارنة فى الهيروغليفى والقبطى واستمر إلى الآن. ويستخدم فى التفضيل مثل «إشمعنا سمير خد أكتر مني؟» وهنا كانت صيغة التفضيل+ السؤال الاستنكارى. وشرح تعبير (عشان) ووظيفته (التسبيب) مثال: الواد موش عاوز ياكل عشان عيان..الواد موش عاوز يروح المدرسة عشان المدرس اللى بيضربه..إلخ. وشرح تفسير تعبير»شنّة ورنّة» لأنّ «رن» فى الهيروغليفى الاسم و»شن» الخرطوشة التى بداخلها اسم الملك.. ومن هنا جاء تعبير «له شنّة ورنّة». وهذا كله يثبت أنّ لغتنا المنطوقة فى حياتنا اليومية «لغتنا الأم» و «لغتنا القومية».