اللغة تنشأ مع الإنسان وتتطور معه، حاملة كل هواجسه وفكره ومعاناته وإبداعاته، فهي وحدها التي تحمل ملامحه النفسية والثقافية والحضارية، وتحدد بالتالي هويته القومية، مع التمييز بين اللغة والكتابة، فاللغة تنشأ منذ بدء حياة الإنسان وتتطور معه, أما الكتابة فاختراع واعٍ أملته ضرورة التطور الاجتماعي في مرحلة لاحقة قد تكون بعد عشرات الآلاف من السنين من عمر تطور اللغة المحكية، بشكل علامات قد تتبدل و تتطور، وتبقى اللغة واحدة، وقد تبتكر عدة كتابات في آن واحد للغة الواحدة, لكن هذا لا يعني أنّ اللغة تغيرت بتغير الكتابة، فالسومريون وسكان بابل وآشور وعيلام وسوريا التاريخية كلها كانوا قبل فجر التاريخ وأثنائه وبعده يتكلمون لغة واحدة. تدل الهيروغليفية المصرية على نظام الكتابة الذي استعمل في مصر القديمة لتسجيل اللغة المصرية والقيام بعمليات الجمع والطرح والحساب، وأقدم ما وصلنا مكتوبًا بالهيروغليفية مخطوط رسمي ما بين عامي 3300 قبل الميلاد و3200 ق.م، في ذلك المخطوط استخدمت صور لترمز إلى أصوات أولية للكلمات، وقد استوحى المصري القديم تلك الصور من الموجودات الشائعة في البيئة المصرية في ذلك الوقت، من نبات وحيوان، ومن الإنسان وأعضائه ومن مصنوعاته وغيرها، مثل الفم وينطق (را)، والعين وتنطق (يرى) والعرش وينطق (ست) والبيت وينطق (بر) أو الثعبان (فاي) ويؤخذ منها الحرف الأول (ف)، والبومة (م) والحدأة (أ)، كما استعملوا رموزًا دخلت فيما بعد إلى الكتابة العربية مثل (ه) و(و) و(ش)، أخذوا أيضًا أسماءً ذات حرفين للتعبير عن حرفين متتاليين، مثل البيت (بر)، والعرش (ست)، والأرنب (ون)، كما استعملوا من بعض الكلمات ثلاثة حروف، مثل: عنخ (ومعناها حياة)، وحتب (ومعناها راضي أو قربان)، ونفر (ومعناها جميل). صدر حديثا عن دار أقلام عربية للنشر والتوزيع، كتاب بعنوان "الهيروغليفية والعربية لغة واحدة وأبجدية واحدة"، للكاتب عمرو السباعي، الكتاب يعرض قراءة جديدة للكتابة الهيروغليفية، من خلال دراسة اللهجة المصرية العامية، كما أنه يصحح العديد من المفاهيم المغلوطة والتي يتم التعامل معها على إنها حقائق علمية، ويجيب الكتاب على العديد من الأسئلة منها؛ هل هناك بالفعل لغة قبطية وأنها تمثل المرحلة الأخيرة من مراحل اللغة المصرية القديمة، وأن كلمة قبطي تعني مصري كما هو شائع أم أنها أكذوبة أخرى؟ هل كلمة "فرعون" اسم أم لقب كما هو شائع، وما هو الأساس اللغوى السليم لهذه الكلمة؟ كتبت اللغة المصرية القديمة بخطوط أربعة هي: الهيروغليفية، والهيراطيقية، والديموطيقية، والقبطية، وهي خطوط لم تظهر كلها في وقت واحد وإنما جاءت في إطار تتابع زمني يعبر عن الامتداد الزمني الطويل الذي عاشته اللغة المصرية القديمة، ويعبر في نفس الوقت عن النضج الفكري للإنسان المصري القديم، الذي أدرك أن متطلبات الحياة قد تتطلب بين الحين والآخر أن تكون بينها وبين الأداة المعبرة عن اللغة، وهي الكتابة، تناسق ولأن الخط الهيروغليفي خط العلامات الكاملة هو أقدم الخطوط المصرية وأطولها عمرًا وأكثرها وضوحًا وجمالًا، فقد لجأ المصري في بعض المراحل الزمنية إلى تبسيطه وتمثل ذلك في الخط الهيراطيقي، ثم لجأ إلى تبسيط آخر في مرحلة تالية، وتمثل ذلك في الخط الديموطيقي، الأمر الذي يعني أن هناك علاقة خطية واضحة بين الخطوط الثلاثة. أما الخط الرابع من خطوط اللغة المصرية القديمة وهو الخط القبطي، فقد كتب بالأبجدية اليونانية مضافًا إليها سبع علامات من الكتابة المصرية القديمة في شكلها الديموطيقيي لم يتوفر نطقها في العلامات اليونانية. تعود أقدم الأمثلة على الكتابة الهيرغليفية المايانية في أمريكا الوسطى، إلى نحو عام 300م. وكانت حروف هذه الكتابة تتألف من رموز تعتبر تمثيلًا حرفيًّا للأفكار، إلَّا أن بعض الباحثين يعتقدون أن عددًا من الإشارات تمثل أصواتًا، ولم يتم حتى الآن فك رموز معظم الحروف الهيرغليفية المايانية. وتتناول النصوص التي تمكن الباحثون من فك رموزها أمورًا، تتعلق بالدين والفلك وتسجيل الوقت. وكانت الحروف الهيرغليفية الأزتكية تتألف من صور تمثل أفكارًا، ولها أيضًا قيمة صوتية. لقد دمجت الأزتكية رموزًا لأشياء متعددة، لتكوين صوت أو اسم لشيء أو فكرة مجردة، لم يتم تمثيلها بصورة. وتشبه تلك الرموز الكتابة الحديثة التي تستخدم فيها (الكتابة عن كلمة أو عبارة برسم يذكر المرء بها أو بمقطع منها) واستحدث الحيثيون أيضًا، نظام كتابة هيرغليفيًّا نحو عام 1500 ق.م. وقد مثلت بعض الرموز الحيثية كلمات بينما مثل الرموز الأخرى مقاطع صوتية. يقولون إن العربية لغة الإنسان الأول، والهيروغليفية متفرعة من العربية، ويقولون إن اللغة المصرية القديمة المنطوقة والمكتوبة لم تكن تعتمد على الحروف الأبجدية وتكويناتها، كما هو الحال في اللغة العربية اليوم، بل كانت تعتمد أساسًا على المكونات الصوتية الثنائية النغمة (المثاني)، بالإضافة إلى الحروف الأبجدية، لذلك نجد أن هناك العديد من الكلمات المصرية تتكون من حرفين اثنين فقط ولها معاني محددة وقاطعة، والأمثلة بالمئات: "بص: بمعنى انظر/ نظر أو يرى أو شاهد، وأيضا كلمة (شوف/شاف)". معنى ذلك أن لدينا جدولًا أبجديًّا يستخدم لتحريك ما يقرب من 1000 ألف علامة مثاني مصرية بيانية، لتكوين عدد لا نهائي من الكلمات الثلاثية النغمية، فيما يعرف باسم اللغة العربية، ونأتي هنا إلى نقاش هذه النقطة المحددة، حيث إن الملم بعلم اللغة العربية يعرف تمامًا أن للعربية لهجات، وأن هذه اللهجات هي الطريقة والأسلوب الذي ينطق به جميع العرب لغتهم، ومن أشهر هذه اللهجات، لهجة القطع الذي ينطبق على بعض كلمات اللغة الهيروغليفية. والكتاب يجيب على كل ذلك.