أكدت دراسة للباحث محمد شريف بعنوان "المخربشات المصرية القديمة" أن مصر هي "البلد الكلاسيكى لفن الجرافيتي". والجرافيتي هو فن الرسم على الجدران, بطريقة فنية لكلمات مقصودة أو مسميات أو عبارات مستهدفة وبتعبير حر. وأورد الباحث عدة أمثلة تؤكد شيوع هذا العنصر الفني الهام في أرض مصر حيث إنه منذ عصر ما قبل التاريخ تنتشر ظاهرة وجود المخربشات في مناطق مختلفة على امتداد أرض مصر شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً، وكانت تحتوى في هذه الفترة المبكرة على تصوير أشكال فقط، ثم بدأت علامات الكتابة في الظهور. ونشرت الدراسة في كتاب صدر عن مركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية بعنوان "رحلة الكتابة في مصر"، قام بتحريره الدكتور خالد عزب؛ مدير مركز الخطوط بالإنابة، وأحمد منصور؛ رئيس وحدة اللغة المصرية القديمة بالمركز، وقدمه الدكتور اسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية. ويضم الكتاب الذي يقع في 195 صفحة أكثر من 18 دراسة لباحثين مصريين وأجانب، في محاولة للكشف عن الكتابات المختلفة التي ظهرت على أرض مصر، ودراسة ظروف ظهورها واختفائها، وتقييم تأثيرها وتفاعلها مع المجتمع المحلي. وقال محمد شريف في دراسته إن مجموعة النقوش والكتابات التي عثر عليها بشكل رئيسي في شبه جزيرة سيناء وعُرفت بالتالي باسم الكتابات السينائية لها أهميةً كبرى نظراً للدور الذي رأى الباحثون أنها يمكن أن تلعبه في رسم العلاقة بين الأبجديات القديمة ومحاولة تحديد أصل الأبجديات الأحدث، بل وبالأحرى أصل أبجديات العالم أجمع قديمها وحديثها، وذلك باعتبارها واحدةً من أقدم أبجديات العالم إن لم تكن بالفعل أقدمها على الإطلاق. ويبين الكتاب أن الكتابة على أرض مصر انقسمت إما إلى كتابة رئيسية وهي الكتابات المصرية، القديمة (الهيروغليفية، والهيراطيقية، والديموطيقية، والقبطية)، والكتابة اليونانية، ثم الكتابة العربية، أو كتابات الجاليات الأجنبية التي عاشت لفترة ما على أرض الكنانة. وبين خالد داوود في دراسة تضمنها الكتاب أن الكتابة في المقابر استخدمت بغرض التسمية والتعريف، وبغرض تسجيل وتدوين الطقوس التعبدية الخاصة بالملك، ولقد تطور الاحتفال بذكرى هذه الطقوس إلى نوع من التعبد، وتعتبر آثار مقابر عصر الأسرات المبكر ومعابد عصر الأسرات هي الدليل الأثري الوحيد عليها، وتوحي بانطباع بأن الكتابة قد استخدمت في منشآت الوادي والدلتا بشكل أكثر ندرة في الاحتفالات الملكية. وتحت عنوان "المخطوطات والنقوش القبطية"، يؤكد الدكتور يوحنا نسيم يوسف أن اللغة القبطية هي اللغة المصرية القديمة في تطورها الأخير، حيث أن القبطية كُتبت باستخدام الأبجدية اليونانية مضافًا إليها علامات إضافية من الخط الديموطيقي، ويختلف عدد هذه العلامات من لهجة إلى أخرى. وتعتبر الغالبية العظمى من مضمون المخطوطات القبطية ذات محتوى ديني، حيث احتوت هذه المخطوطات على نصوص دينية من الكتاب المقدس، وتؤرخ النصوص المبكرة بالقرن الرابع والخامس الميلاديين، ولقد جاء السواد الأعظم من المخطوطات من مصر العليا نظراً لطبيعة التربة الجافة التي استطاعت حفظ المخطوطات لفترة طويلة. وتطرق الدكتور خالد عزب في الكتاب لتطور الكتابات العربية في مصر، مشيرا الى أن المسلمون استخدموا منذ مطلع التاريخ الإسلامي نوعين من الخط يمثلان الأسلوبين الرئيسيين للخط العربي، هما الخط الجاف الذي عرف بالكوفي ذا الحروف المستقيمة والزوايا القائمة والحادة، والخط اللين ومنه النسخ المرن ذي الحروف المقوسة والمستديرة، وشهد كل منهما مراحل عديدة من التطور والابتكار. ويعتبر خط الثلث من أهم الخطوط التي تميزت بها مصر وعُرف خطاطوها بإتقانه، وهو ذو مدات أو سيقان طويلة مستقيمة، وهكذا تميز في العصر المملوكي، بينما حمل العصر العثماني معه إلى مصر، بوادر مزاحمة اللغة التركية للعربية سواءً في المكاتبات الرسمية، أو في النصوص المسجلة على العمائر أو التحف التطبيقية. ويضم "رحلة الكتابة في مصر" مجموعة أخرى متنوعة من الدراسات حول رحلة الكتابة في مصر، ومنها "محاولات العرب لفك رموز الخط المصري القديم في القرون الوسطى"، لعكاشة الدالي، و"اكتشاف ونشر حجر رشيد" لشيرين رمضان، و"الكتابات والنقوش المسمارية" لناصر مكاوي، و"النقوش اليونانية في مصر" لمحمود إبراهيم السعدني، و"النقوش والكتابات العبرية في مصر" لماثيو مارتن، و"النقوش المروية في مصر، لأحمد منصور، و"الكتابات السريانية والكتابات ذات الصلة في مصر"، للوكاس رومباي.