ينهال الشيخ على عبد الرازق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم» بكل معاول الهدم التى تهدم فكرة «الخلافة الإسلامية» من جذورها، مسترجعا التاريخ الإسلامى كله الذى يرى فيه تاريخًا متصلا من سفك الدماء والحروب وقمع الأبرياء وتكرار قتل الخلفاء أنفسهم، فبعد وفاة أبى بكر الصديق لم يمت خليفة من الخلفاء الراشدين ميتة طبيعية، وتحولت الخلافة على يدى «معاوية بن أبى سفيان» إلى ملك عضوض. ........................... وظلت كذلك إلى أن ازدهرت الدعوة العباسية فى «خراسان»، وانطلق دعاة الدولة العباسية لتأسيس ملك عضوض آخر استهله أبو العباس «السفاح». (ولاحظ ما فى الاسم من دموية دالة على ما ارتكب من سفك دماء لتأكيد ملكه الذى امتد فى سلالته إلى أن ضعفت هذه السلالة) وجاء العصر العباسى الثانى بالمزيد من الضعف، وأصبحنا إزاء نموذج «الخليفة» الذى يسخر منه الشاعر قائلا: خليفة فى قفص بين وصيف وبُغا يقول ما قالا له كما تقول الببغا وانقسمت الخلافة الإسلامية إلى خلافات متصارعة؛ فهناك الخليفة العباسى فى بغداد مقابل الخليفة الفاطمى فى المغرب ومصر وما بينهما من معارك طاحنة، تذهب فيها هباء دماء المسلمين الفقراء، وتزدهر بلاغة المقموعين فلا يبقى سوى تاريخ من الدم الذى لا يمكن لأحد أن ينكره إلى أن تسقط الخلافة فى بغداد، تحت أقدام التتار والمغول سنة 1258م. وما تلبث أن تبقى قليلا فى مصر حتى يخطفها العثمانيون فينسبونها إلى أنفسهم، ويجدون من بين فقهاء السلطان ومنافقى الملوك من يبررون لهم لقب «الخلافة». وهذا كله ما كان يعيه على عبد الرازق، وما كان يعرفه جيدًا من دراسته التاريخية والدينية المستنيرة من أن تاريخ الخلافة هو تاريخ من القمع والدم والاستبداد. وهى الأفكار التى تجمع بينه وبين أقرانه فى جريدة «السفور» أولا، ثم فى جريدة «السياسة» التى صدرت عن حزب الأحرار الدستوريين سنة 1922م. وهو الحزب الذى كان يضم أثرياء البلاد وأعيانها الذين كانوا يرسلون أولادهم للتعلم فى أوربا، فيعودون منها محملين بالأفكار الليبرالية ومدافعين عن الحرية والعقلانية والكرامة الإنسانية، والدولة التى تنبنى على المواطنة، والتى تقوم على العقد الاجتماعى والفصل بين السلطات، فلا تعرف الحكم المطلق ولا الاستبداد. ومع ذلك، فقد تخلت قيادات حزب «الأحرار الدستوريين» عن مبادئه وتحالفت– فى سبيل الحكم- مع نقيضهم من أعضاء حزب «الاتحاد»، وهو الحزب الذى أنشأه الملك فؤاد؛ لكى يكون أداة سياسية له فى الاستبداد برئاسة زيور باشا الذى كان رئيس ديوانه. وكان الحزب مكونا من أثرياء مصر وأعيانها الموالين للملك فى سبيل مصالحهم. وكانوا كارهين للتعليم الحديث فلم يرسلوا أبناءهم إلى أوروبا للتعلم. ولذلك كان الفارق الثقافى كبيرا بين دعاة هذا الحزب الذى سرعان ما تبخر فى الهواء بعد سقوط وزارة زيور، ولم يبق سوى مثقفى الأحرار الدستوريين فى مواجهة الوفد الذين اضطروا للتحالف معه؛ خصوصا بعد الدرس القاسى الذى تعلموه من أزمة كتاب الشيخ على عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم»، فقد كان صدور هذا الكتاب فرصة لانطلاق كل القوى الرجعية والمؤيدة للاستبداد من مكامنها. وكان على رأس هؤلاء الشيخ محمد رشيد رضا صاحب «المنار»، والذى كان للأسف تلميذ الإمام المجدد الثورى «محمد عبده»، ولكنه حاد عن طريق أستاذه، بعد أن تحالف مع «عبد العزيز بن سعود»، وأيَّد ملكه الصاعد بعد هيمنته على الحجاز ونجد، ولم يكن ضد توليه الخلافة، وبالقدر نفسه لم يكن معاديًا لأن يكون الملك فؤاد خليفة للمسلمين. وكان هذا التحالف هو الحائط الصلد الذى اصطدم به كتاب على عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم» الذى سرعان ما جاء بعده كتاب طه حسين، ولكن صدمة على عبد الرازق كانت أكثر دويًّا وأبعد أثرًا، فهى متصلة اتصالا مباشرًا بالدِّين والسياسة معا؛ ولذلك جمعت الخصومة ضده بين مشايخ الأزهر وحلفاء الملك فؤاد على السواء، فضلا عن أنصار الخلافة بمعانيها السلفية على السواء. وكان الغضب عارمًا؛ لأن كتاب على عبد الرازق كان له دوى القنبلة التى أحبطت كل المشاريع المضمرة والظاهرة، ولذلك كان لابد من عقابه بما يتناسب وجُرمه. ومن هذا المنظور يجب أن نلاحظ مدى ما فى كتاب على عبد الرازق من شجاعة وجسارة، فهو كتاب تصدى للعماليق، ولم يخف من أن يكون محلا للعقاب الصارم والقاسى الذى كان لابد أن يقع على صاحبه. ولذلك يمضى الشيخ على عبد الرازق مجتهدًا؛ ليؤكد أن الواقع المحسوس الذى يؤيده العقل ويشهد به التاريخ الإسلامى، قديمًا وحديثًا، هو أن شعائر الله، سبحانه وتعالى، ومظاهر دينه لا تتوقف على ذلك النوع من الحكومة الذى يسميه الفقهاء «خلافة»، ولا على أولئك الذين يلقبهم الناس «خلفاء». ويضيف أن صلاح المسلمين فى دنياهم لا يتوقف على شيء من ذلك، فليس لهم من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا ولا لأمور دنيانا؛ فالخلافة كانت، ولا تزال، نكبة على الإسلام والمسلمين، وينبوع شر وفساد. لقد كانت ولاية الرسول- صلى الله عليه وسلم- على قومه ولاية روحية، منشؤها إيمان القلب وخضوعه خضوعًا صادقًا تامًّا يتبعه خضوع الجسم، وولاية الحاكم ولاية مادية، تقوم على إخضاع الجسم من غير أن يكون لها بالقلوب اتصال. تلك ولاية هداية إلى الله وإرشاد إليه، وهذه ولاية تدبير لمصالح الناس وإعمار الأرض. إن الإسلام دعوة دينية إلى الله، سبحانه وتعالى، ومذهب من مذاهب الإصلاح للنوع البشرى وهدايته إلى ما يدنيه من الله، جل شأنه، ويفتح له سبيل السعادة الأبدية التى أعدها الله لعباده الصالحين. وهو وحدة دينية أراد الله، جل شأنه، أن يربط بها البشر أجمعين. ولكن إذا كان من المعقول أن يأخذ العالم كله بدين واحد، وأن تنتظم البشرية كلها فى وحدة دينية، فمن غير المعقول أخذ العالم كله بحكومة واحدة، وجمعه تحت وحدة سياسية مشتركة، فذلك خروج على الطبيعة البشرية ولا تتعلق به إرادة الله. إن نظام الحكم هو غرض من الأغراض الدنيوية التى خلا الله، سبحانه وتعالى، بينها وبين عقولنا، وترك الناس أحرارا فى تدبيرها على ما تهديهم إليه عقولهم، وعلومهم، ومصالحهم ونزعاتهم. وحكمة الله فى ذلك بالغة ليبقى الناس مختلفين، «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ....» (الآية: 118، 119 سورة هود). ومعنى هذا الكلام أن الخلافة ليست مقامًا دينيًّا، ولا نيابة عن صاحب الشريعة، عليه أفضل الصلاة والسلام، وإنما كانت من مصلحة السلاطين الذين روَّجوا لذلك الخطأ بين الناس؛ ليتخذوا من الدين درعًا تحمى عروشهم وتذود عنهم الخارجين عليهم. وما زال الملوك يعملون على ذلك بطرق شتى، حتى أفهموا الناس أن طاعة الأئمة من طاعة الله، وعصيانهم من عصيان الله، بل جعلوا السلطان خليفة الله فى أرضه. ولذلك أصبحت الخلافة تلصق بالمباحث الدينية، وصارت جزءا من عقائد التوحيد. وهو أمر من صنع شيوخ السلاطين الذين أضلوا المسلمين عن الهدى، وحجبوا عنهم مسالك النور باسم الدِّين. وباسم الدِّين استبد السلاطين أيضا بالمسلمين، وأذلوهم وخدعوهم وضيَّقوا عليهم بواسطة مشايخهم. وكانت النتيجة أن الناس لم يعودوا يرون فى الخلافة إلا أن الخليفة ظل الله فى الأرض، فتهاوت قوى البحث عند المسلمين، وأصيبوا بشلل التفكير السياسى وعقم النظر فى كل ما يتصل بشأن الخلافة. والحق، فيما يرى الشيخ أخيرًا، أن الدين الإسلامى بريءٌ من تلك الخلافة التى يتعارفها المسلمون، وبريءٌ من كل من هيئوا حولها من رغبة ورهبة، فهى ليست فى شيء من الخطط الدينية، كلا ولا القضاء ولا غيرها من وظائف الحكم ومراكز الدولة، وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفة، لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا؛ لنرجع فيها إلى إحكام العقل، وتجارب الأمم وقواعد السياسة. وغاية الشيخ من ذلك كله تحرير العقول الإسلامية؛ لكى يتمكن المسلمون من أن يسابقوا الأمم الأخرى فى علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذى ذلوا له واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم. تلك هى أهم الأفكار التى يقوم عليها كتاب الشيخ الثائر على عبد الرازق الذى كان ثائرًا بحق على الأوتوقراطية والثيروقراطية معا، والذى التقط أسلحته من الإنجاز العقلانى التراثى الإسلامى، ومن الإنجاز الموازى لدعاة الدولة المدنية فى الغرب الأوروبى الذى كان يعرفه، ولا يتردد فى الإفادة منه عملا بقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «اطلبوا العلم ولو فى الصين»، وكان هدفه إعادة فتح أبواب الاجتهاد على مصاريعها، وهو أمر لا يقل عن إيمانه بالدولة المدنية ودفاعه عنها. هذه الأقوال والآراء إنما هى موقف ثورى من مواقف شيخ عظيم، آن الأوان أن نرد إليه اعتباره فى عصرنا هذا، وأن نعود إلى أفكاره؛ خصوصا ونحن ندافع عن ضرورة وجود الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة، فى وجه المتأسلمين الذين وصل التعصب بهم إلى أن يكونوا إرهابيين باسم دين هو بريء من الإرهاب، ولعل الضحايا الذين يتساقطون نتيجة الإرهاب الدينى فى كل مكان تدفعنا دماؤهم إلى أن نستعيد أقوال هذا الشيخ الثائر فى نفى هذا الارتباط الذى أراد به حسن البنا أو سيد قطب وأمثالهما أن يقنعونا به عن أستاذية العالم وضرورة الخلافة الإسلامية التى لا يمكن، بل يستحيل، قيامها فى هذا العصر الذى وصل فيه عدد المسلمين إلى مليارات، وتأسست البشرية على التنوع الثقافى الدينى الخلاق، فلا سبيل إلى توحيدهم قسرا أو فرض عليهم وصاية باسم دين هو بريء من القسر والظلم والفرض على أحد، أو باسم مؤسسات دينية تريد أن تكون سلطات جديدة تحل محل السلطات الثيوقراطية القديمة؛ فالإسلام دين الحرية، والتفكير فريضة إسلامية، كما قال العقاد، والإسلام يترك لنا شئون دنيانا؛ كى ننظمها حسب ما يحقق لنا السعادة فى دنيانا التى ينبغى أن نسعد بها، وأن نعمل فيها لكى تكون آخرتنا أجمل وأسعد. والحق أن كلام الشيخ على عبد الرازق لم يكن إلا مقدمة لكل التيارات الليبرالية التى تأثر بها، والتى تمسكت بمدنية الدولة، وقاومت على أساس ليبرالى مكين كل نزعات تديين الدولة، وكل محاولات بناء سلطات دينية تناطح السلطات المدنية أو تتقوى بها على المواطنين، محرمة على المواطن معنى الاجتهاد الحق وعلى الوطن أحلام التقدم والتطلع إلى المستقبل. ونحن عندما نسترجع ما فعله الشيخ على عبد الرازق إنما نسترجع صفحة مشرقة من تاريخ النضال من أجل الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة التى نكررها فى شعاراتنا، ونتمسح بها، دون أن يكون لها حضور فعلى فى حياتنا من حيث كل ما يلزم عنها أو يترتب عليها. ومن الضرورى أن نختم هذا الكلام بالإشارة إلى تأثر على عبد الرازق بأفكار أستاذه الإمام محمد عبده؛ خصوصا تلك المبادئ التى أكدها فيما كتبه عن الإسلام بوصفه دِينًا للعلم والمدنية. ولا بأس لو تذكرنا بعض هذه المبادئ التى تبدأ بأن أول مبدأ فى الإسلام هو الاحتكام إلى العقل، يليه المبدأ الثانى الذى ينص على أنه إذا تعارض العقل مع الشرع فيجب تقديم العقل على الشرع أو النص،... وآخر هذه المبادئ وأهمها أن الإسلام هدم السلطة الدينية من أساسها. ولا يعنى هذا سوى أنه لا خلافة فى الإسلام، وأن الله قد ترك للمسلمين أمر تدبير حياتهم الدنيا، وذلك بابتداع النظم التى تتقدم بها الأمم وتطور إنجازاتها فى التاريخ. وربما كان من أهم النتائج التى ترتبت على المبادئ التى حددها الإمام محمد عبده، أن جوهر التدين أو الدِّين بوجه عام إنما هو علاقة خاصة بين العبد وربه، وأن أساس التكليف الدينى يبدأ من الفرد وحده، ولولا ذلك ما قرأنا فى القرآن الكريم «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ...».(الآية 13/ سورة الإسراء). وهو الأمر الذى يعنى أنه لا وسيط بين المسلم وربه، وأنه لا مجال لوساطة بين البشر وخالقهم بعد الأنبياء، ومن ثَمَّ لا وساطة ولا كهنوت ولا سلطة دينية فى الإسلام، وأن كل من يتحدث عن هذه السلطة إنما هو بعيد عن مبادئ الإسلام التى تلقاها على عبد الرازق وأخوه مصطفى عبد الرازق– ومعهما طه حسين- عن الإمام فى الأزهر، حين كان الأزهر ينحو منحى اعتزاليَّا، بفضل دروس الإمام ومجالسه مع الطلاب الذين كانوا يتحلقون حوله؛ حبًّا فيه واقتنًاعا بمنهجه العقلانى فى فهم مبادئ الإسلام وأصوله الأساسية، وهى المبادئ والأصول التى تَشرَّبها تلاميذه البارزون الذين نقلوها عنه وأذاعوها فى كتبهم التى كانت تهدف إلى الإصلاح الدينى من ناحية، والثورة على التقليد الجامد والاتباع الأعمى لكل ما قاله القدماء. ومن ثَمَّ إعاد فتح أبواب الاجتهاد الدينى على أوسع مدى، بما يحقق معنى الحديث: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا». ولا شك أن تلاميذ الإمام محمد عبده– إلى جانب الإمام نفسه- هم الذين علمونا أن الإسلام لا يتناقض والعقل والعقلانية، وأن تجديد فهم الدين ونصوصه لازمة حتمية من لوازم تغير الأحوال عبر الأزمنة. ولذلك فإن أهم ما ميَّز الله به البشر من خلقه عن الحيوان، هو العقل الذى جعله الله، سبحانه وتعالى، حجة علينا جميعا. ومن المؤكد أن الشيخ على عبد الرازق استخدم المعقول والمنقول فى معارفه، فضلا عن أن ما تعلمه فى جامعات أوروبا من أفكار حديثة متأثرة بالثورة الفرنسية، قد جعله يعيد النظر فى القضايا الأساسية التى ظلت مهيمنة– ولا تزال- على العقل الأزهرى التقليدى، ومنها الأفكار الخاصة بالخلافة؛ ولذلك قام بوضع هذه الأفكار موضع المساءلة العقلانية المعتمدة على صحيح المنقول، فانتهى إلى أن الخلافة مجرد غطاء دينى للتعمية على مصالح سياسية دنيوية لا علاقة لها بالدِّين الحق ولا بأصوله، وذلك منذ عصر عثمان بن عفان الذى انحاز إلى آل أبى معيط، فتسبب دون أن يدرى فى الفتنة الكبرى التى أودت بحياته وحياة على بن أبى طالب من بعده، وكانت النهاية تأسيس الملك العضوض لبنى أمية الذين توارثوا الخلافة عن طريق القوة والبطش، وذلك دون أن يأبهوا بالشورى أو بإجماع أهل الحل والعقد، فانتهت الخلافة إلى ما انتهت إليه من كوارث وتاريخ من الدم. ولذلك فأحرى بنا– ونحن نعانى من بطش الإرهاب الدينى وإفساده للإسلام والمسلمين- أن نعود إلى مبادئ الإمام محمد عبده الأزهرى الجليل، وإلى مبادئ تلاميذه الذين كان منهم على عبد الرازق الذى علمنا أنه لا خلافة فى الإسلام، وأن الدين الإسلامى فى نصوصه الثابتة لم يأمرنا بهذه الخلافة المزعومة أو ينهانا عنها، فقد ترك لنا تدبير أمر دنيانا بما يصلح لنا، وبما تصل إليه عقول عصرنا وتجارب الأمم المتقدمة حولنا. ولذلك، فمن حق على عبد الرازق علينا، ومن حق كتابه أن نصفهما بالعصرية، وأن نرى فيهما ما يرتبط بعصرنا نحن أكثر من ارتباطه بعصر الملك فؤاد؛ فنعيد الاعتبار إلى أفكاره فى زماننا الذى هو فى أمس الحاجة إليها.