الإسلام ليس دينًا خالصاً للعرب،فهو دعوة سامية ارسلها الله لخير هذا العالم كله شرقه، غربه، رجاله ونساءه، أغنياءه وفقراءه.. فهو وحدة دينية أراد الله بها أن يربط البشر وأن تشمل أقطار هذه الأرض كلها وما كان الإسلام ليعرف فضلاً لأمة علي أمة ولا للغة على لغة، ولا لزمن على زمن إلا بالتقوى ولذلك كان لابد لدعوة الإسلام أن تخرج إلى هذا الوجود وأن يحملها رسول يختاره الله تعالى ليبلغها للناس ولقد رضي الله جل شأنه أن يختار رسولا لتلك الدعوة من بين القبائل العربية دون غيرها وبذلك فلامناص أن يكون العرب أول من تشق آذانهم دعوة ذلك البشير النذير وأول من يحاول أن يجمعهم على الهدى. يؤكد الشيخ عبد الرازق على أن الإسلام دين روحى لا دخل له بالسياسة فالسياسة أمر دنيوى وهو يرى أن نظام الخلافة الذى نسب للإسلام ليس من الإسلام فى شيء إنما هو من صنع المسلمين فبعد انهيار الخلافة العثمانية ووقوع معظم الدول العربية تحت النفوذ الأوروبية كان يجرى العمل على قدم وساق لإعادة إحياء مشروع الخلافة الإسلامية عام 1925 ودعا إلى ذلك الأزهر ومجموعة من رجال الدين إلى عقد مؤتمر لمناقشة وبحث موضوع الخلافة وانتهوا إلى أن منصب الخلافة ضرورى للمسلمين كرمز لوحدتهم واجتماعهم ولكن كان لابد أن يجمع الخليفة بين السلطة الدينية والسلطة المدنية وفى تلك الأثناء كانت مصر هى الدولة العربية المرشحة لتولى الخلافة وفى هذه الفترة كان هناك اتجاه لتنصيب الملك فؤاد الأول خليفة للمسلمين. وسط هذه الأجواء أدلى الشيخ على عبد الرازق برأيه من خلال كتابه الإسلام وأصول الحكم وقال فيه إن الخلافة الإسلامية ليست من أصول الإسلام بل هى مسألة دنيوية وسياسية ولم يرد بيان فى القرآن ولا فى الأحاديث النبوية فى التأكيد على وجوب تنصيب الخليفة أو أختياره، وأشار الشيخ عبدالرازق على أن التاريخي بين أن الخلافة كانت نكبة على الإسلام وعلى المسلمين وكانت ينبوع شر وفساد. وقد أثار هذه الكتب ضجة وردود فعل كثيرة، وشعر الملك فؤاد أن الشيخ عبد الرازق سيقطع عليه الطريق أمام تولى منصب الخليفة فأصدر فى حقه أحكاماً قاسية بإجماع كبار المشايخ والعلماء فى الأزهر وانتهت بفصله وطرده من الأزهر ومن وظيفته فى القضاء وسحب إجازته من الأزهر. كما يرى الشيخ عبد الرازق أن القرآن والسيرة النبوية ليسا فيهما ما يثبت الخلافة ويعلل ذلك بقوله وكل ما جرى من أحاديث النبى عليه الصلاة والسلام من ذكر الامامة والخلافة والبيعة.. لا يدل على شيء أكثر مما دل عليه المسيح حينما ذكر بعض الأحكام الشرعية عن حكومة قيصر. وهو يفسر الأحاديث التى تدعو إلى طاعة الإمام بالآتى: وإذ كان صحيحاً أن النبى عليه الصلاة والسلام قد أمرنا أن نطيع إماما بايعناه فقد أمرنا الله تعالى كذلك أن نفى بعهدنا لمشرك عاهدناه وأن نستقيم له ما استقام لنا مما كان ذلك دليلاً على أن الله تعالى رضى الشرك ولا كان أمره تعالى بالوفاء للمشركين ملزماً لإقرارهم على شركهم. ويشدد المؤلف على أن فكرة الخلافة كانت دائماً تؤخد بالقوة والغلبة ويستشهد على ذلك بالكثير من أحداث التاريخ الإسلامى فى هذا المجال فيقول: لا نشك فى أن الغلبة دائما كانت عماد الخلافة ولا يذكر التاريخ لنا خليفة إلا اقترن فى أذهاننا بالقوة المسلحة التى تحوطه والسيوف المسلطة التى تذود عنه. ويرى الشيخ عبد الرازق أن الحجة القائلة بضرورة الخلافة لحفظ الدين هى حجة غير صحيحة وهو يعبر عن هذه الفكرة بقولة: علمت مما نقلنا لك عن ابن خلدون أنه قد ذهب رسم الخلافة وأثرها بذهاب عصبية العرب وفناء جيلهم وبقى الأمر ملكاً بحتاً فهل ذلك أثر فى أركان الدين وأضاع مصلحة المسلمين؟!