فقه المصادرة تم وضعه للسيطرة وممارسة دور الوصاية على الناس الذين يعيشون على هامش الحياة، حيث يجب عليهم أن يطيعوا أولى الأمر منهم عنوان الكتاب: الإسلام وأصول الحكم المؤلف: على عبد الرازق الناشر: دار نون - سورية - 2010 صدر فى عام 1925 بعد إلغاء الخلافة العثمانية بعام واحد، وفى وقت كان يتنافس فيه بعض ملوك العرب ومنهم الملك فؤاد ملك مصر على لقب خليفة المسلمين، والمؤلف الشيخ على عبد الرازق من خريجى الأزهر ثم التحق بجامعة أوكسفورد البريطانية لدراسة الاقتصاد، وبعد عودته إلى مصر تم تعيينه قاضيا شرعيا فى محكمة المنصورة.
وعند صدور الكتاب ثارت ضجة بسبب آرائه الناقدة لفكرة الإسلام دين ودولة، وبيانه لموقف الإسلام من الخلافة، وإثباته من القرآن والسنة بأنه لا يوجد دليل على إقامة شكل معين للدولة فى الإسلام، أو أن النبى عليه الصلاة والسلام قد وضع لها تنظيما محددا، ومع ذلك تم اعتبار الخليفة وكأنه نائب للنبى ويستمد سلطانه من الله تعالى.
والكتاب يتكون من 3 كتب أو أقسام، الأول عن الخلافة والإسلام، والثانى عن الحكومة والإسلام، والثالث عن الخلافة فى التاريخ، ويؤكد الكتاب أنه لا توجد إشارة للخلافة فى القرآن أو فى السنة النبوية، كما أنه لم يتم الإجماع عليها، مما أدى إلى إدانة المؤلف، ومحاكمته أمام هيئة كبار العلماء فى الأزهر بتهم أهمها نفيه العلاقة بين الشريعة الإسلامية والحكم.
وحكمت الهيئة بإخراجه من مجموعة العلماء، وتجريده من شهادته الأزهرية، وفصله من وظيفته كقاضٍ شرعى، ومصادرة الكتاب.
تقوم فكرة كتاب الشيخ على عبد الرازق على أنه ليس فى القرآن الكريم أى دليل على فرض تنصيب الإمام أو الخليفة، فالقرآن لا يذكر الخلافة، أما الآية «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ»، فلا تعنى فرض أولى الأمر تحت مسمى الخلفاء
ويقول إن للمسلمين الحق فى بناء: «قواعد ملكهم ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم»، أى أن الإسلام لم يفرض نظاماً سياسياً محدداً، بل جعل للمسلمين الحق فى اختيار نظامهم السياسى، وأن هذا هو المعنى الصحيح لقوله عليه الصلاة والسلام: «أنتم أعلم بشئون دنياكم».
كما يوضح المؤلف أن: «الإسلام برىء من الخلافة لأنها سياسية، والخليفة ليس نائباً عن الرسول ولا يقوم مقامه»، مما ينفى ضرورة الحكم القائم على فكرة الخلافة.
ويؤكد على أن: «الإسلام دين فقط لا علاقة له بالدولة ولا علاقة له فى جوهره وموروثه العقائدى والفكرى بالدولة والسياسة، وأن النبى كان رسولاً لدعوة دينية خالصة للدين لا تشوبها سلطة أو رغبة فى تأسيس حكومة، كما وأنه لم يؤسس مملكة وكل ما شرعه الإسلام غير كاف لما يلزم الدولة المدنية من أصول سياسية وقوانين، وكل ما شرعه دينى خالص لمصلحة البشر الدينية لا غير».
وقال: «إن الخلافة صارت ملكا وراثيا تم سفك الدماء فى سبيل استمرارها، والنبى يقول: لست بملك ولا جبار، وأن الدعوة تترك الدنيا لأهلها يقومون بها ولا تقحم الدين فيها، والنبى يقول: أنتم أعلم بشئون دنياكم».
وينتهى إلى أن الإقرار بالخلافة لم يكن من شروط الإسلام، فهناك من لم يبايع أبا بكر كخليفة مثل سعد بن عبادة ولم يعترض عليه أحد، فالخلافة ليست من الدين، والإسلام عقيدة ودعوة دينية، ولم يكن النبى ملكاً بل رسول دعا إلى الله، ولم يؤسس الإسلام دولة إنما تمسك بذلك من بنوا ملكاً عضوضاً ودافعوا عن ملكهم بكل الوسائل ومنها الدين.
ومن قراءة الكتاب يتضح أن الشيخ على عبد الرازق أراد أن ينكر فكرة الخلافة فأنكر معها قيام النبى عليه الصلاة والسلام برئاسة المدينة كحاكم لأول دولة فى الإسلام، وهنا كان خطأه لأن الخلافة بدأت بعد النبى عليه الصلاة والسلام، وكل من حكم بعده كان خلفاً له وليس خليفته لخصوصية اجتماع الرسالة والقيادة لديه عليه الصلاة والسلام، وبعد الخلفاء الراشدين بدأت الخلافة تتغير إلى أن أصبحت نظاما مستبدا وراثيا مستترا بالدين.
كما أن النبى عليه الصلاة والسلام كانت له تجربته فى الحكم والتى بدأت بفكرة الدولة الدستورية القائمة على وثيقة المدينة، والتى ناسبت الواقع بما يحمل من مشاكل سياسية واجتماعية من أجل إيجاد الحلول وفق مفاهيم القرآن الكريم ومقاصده، وقد جمعت الوثيقة للنبى عليه الصلاة والسلام السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فعلينا فهم التجربة النبوية والاقتداء بها وليس تكرارها مع واقع مخالف لما كان عليه عهد النبوة أو عهد الخلفاء الراشدين.
ومن خلال التجربة النبوية تحول المجتمع البدوى من التشتت والتخلف إلى الاجتماع والمدنية، ومن ذلك قيامه عليه الصلاة والسلام بتسمية يثرب بالمدينة دليلاً على قيام الحكم المدنى والمجتمع الإنسانى بدلاً من حكم البداوة القائم على القبلية والعصبية.
ومع اتساع دولة الإسلام رأى عليه الصلاة والسلام أن يختار من الرجال الأمناء الأكفاء لتغطية هذا الاتساع الدينى والسياسى فى المنطقة، وقد كان اختياره لهؤلاء يقوم على مبدأ الشخص المناسب فى المكان المناسب، حيث كان عليه الصلاة والسلام يدرك مزايا وقدرات من حوله، فكان يختار من يمثله فى بعض السلطات بأن يعين من يقوم بشئون الحكم فى منطقة معينة، ويرسل معه من يقوم بشئون القضاء، مثلما أرسل أبا موسى الأشعرى حاكماً ومعه معاذ بن جبل قاضياً إلى اليمن.
ويعتقد البعض أن طاعة ولى الأمر واجبة وان كان مستبدا، مع أن الله تعالى لا يأمر بطاعة الظالمين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ..) النساء 59 فطاعة أولى الأمر من أصحاب القرار تكون فيما لا يتعارض مع أوامره تعالى ونواهيه، ولم تأت العبارة بصيغة «وأطيعوا الله والرسول» بل تكررت كلمة (أَطِيعُوا) مع الرسول، مما يعنى أنه اذا حدث تنازع بين المؤمنين وبين أولى الأمر فى حياة الرسول عليه الصلاة والسلام فهو الحاكم بكتاب الله، ومن بعده يكون لله تعالى الحكم باتباع القرآن الكريم، ونجد أن أولى الأمر ليسوا ضمن مرجعية الحكم.
كما أن عبارة (وَأُولِى الأمرِ مِنْكُمْ) يمكن فهمها على أنهم كذلك مثلكم فى طاعة الله ورسوله، ولم يقل تعالى «وأولى الأمر عليكم» ولكنه تعالى قال (مِنْكُمْ) أى من تختارونهم لتولى أمور الحياة من حكم وقضاء ومعاملات.
ولم يذكر تعالى مصطلح ولى الأمر بصيغة المفرد حتى لا يعنى الحاكم فقط، وبالتالى فإن أولى الأمر هم أصحاب التخصص فى شئون الحياة المختلفة ومنهم من سيقومون بإدارة حكم البلاد، ولأن الله تعالى لم يأمر بطاعة أولى الأمر طاعة مطلقة فقد أمر بالشورى: (..وَشَاوِرْهُمْ فِى الأمْر..) آل عمران 159مما يتطلب التشاور وإظهار الأراء المختلفة والأخذ برأى الأغلبية.
وفى قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ..) النساء 83وقد تكررت كلمة (مِنْهُمْ) للتأكيد على أن أولى الأمر مثلهم مثل الناس وأن منهم أصحاب العلم الذين يبحثون ويدرسون فى أمور الحياة لصالح الناس.
ويبقى أن كتاب الإسلام وأصول الحكم على ما فيه من سلبيات فيه إيجابيات، وأنه مازال مناسباً للقراءة لتوضيح مفهوم الحكم فى الإسلام فى فترة وصول التيارات الإسلامية إلى السلطة، وأن الحاكم ليس ظل الله على الأرض، وأن المسلمين أدرى بشئون دنياهم ولذلك يجب عليهم الاقتداء بالنبى عليه الصلاة والسلام فى إقامة الدولة المدنية التى تحقق العدل والحرية والمساواة دون أى تمييز بين كل الناس.