«الإسلام وأصول الحكم»، كتاب للشيخ الأزهري علي عبد الرازق، صدر لأول مرة في 1925، وأحدث ضجة في مصر آنذاك، بسبب رفضه لفكرة الخلافة والدعوة إلى مدنية الدولة، وأدى هذا الكتاب إلى معارك سياسية ودينية كبيرة، وقامت هيئة كبار العلماء في الأزهر بمحاكمة علي عبد الرازق وأخرجته من زمرة العلماء، وفصلته من العمل كقاضي شرعي، وتلقى الكتاب الكثير من النقد ودافع عنه بعض المفكرين، ويقول البعض -استنادًا على شهادة أبنائه- إن المؤلف رجع عما جاء في كتابه في آخر أيام حياته. صدرت حديثًا طبعة جديدة من مكتبة الأسرة 2015 لكتاب "الإسلام وأصول الحكم: بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام"، تقديم السفير ممدوح عبد الرازق، ويتضمن بين طياته موضوعات تدور حول "الخلافة والإسلام". قامت هيئة كبار العلماء في الأزهر بمحاكمة الشيخ علي عبد الرازق، ويرى البعض أن الملك هو من طلب من الأزهر محاكمته ومصادرة الكتاب لكي يضمن استمرار خطته في عودة الخلافة بعد انتهائها في تركيا، ووجهت الهيئة سبع تهم تتهم الكتاب بالضلال، حيث قالت أن الكتاب تسبب في جعل الدين لا يمنع من أن جهاد النبي كان في سبيل الملك لا في سبيل الدين، ولا لإبلاغ الدعوة للعالمين، واعتبار نظام الحكم في عهد النبي موضوع غموض أو إبهام أو اضطراب أو نقص وموجبًا للحيرة، واعتبار مهمة النبي كانت بلاغًا للشريعة مجردة عن الحكم والتنفيذ، وإنكار إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام وأنه لابد للأمة ممن يقوم بأمورها في الدين والدنيا، وإنكار أن القضاء وظيفة شرعية، واعتبار حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين من بعده كانت لا دينية. تعرض الكتاب لنقد لاذع من عدد كبير من العلماء، أشهرهم الإمام الأكبر محمد الخضر حسين، في كتابه نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم، الذي صدر عام 1926، والذي قدم له الدكتور محمد عمارة عرضًا في كتاب منفصل في عام 1998، ومفتي الديار المصرية محمد بخيت المطيعي في كتابه حقيقة الإسلام وأصول الحكم الذي صدر في عام 1926 أيضًا، وعبد الرازق السنهوري في كتابه أصول الحكم في الإسلام، بالإضافة إلى كتاب نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم للشيخ محمد الطاهر بن عاشور. كما دافع عن الكتاب الكثير من المفكرين، منهم الدكتور محمد حسين هيكل حيث كتب مقالاً شديد السخرية في جريدة السياسة يسخر من القرار، واستقال عبد العزيز فهمي من وزارة الحقانية في وزارة زيور باشا في 13 مارس 1925، ووقف إلى جوار علي عبد الرازق حتى ترك الوزارة احتجاجًا على الظلم، وكذلك دافع عباس محمود العقاد عن عبد الرازق في مقال في صحيفة البلاغ، وكتب سلامة موسى مقالاً في جريدة المقتطف دافع فيه عن حرية الفكر والإبداع ورفض الرقابة الفكرية. صدر هذا الكتاب في فترة انهارت فيها الخلافة العثمانيّة، ووقعت خلالها الدول العربيّة والإسلاميّة تحت النفوذ الأوروبي، وكان يجري العمل على إعادة إحياء الخلافة الإسلاميّة، وكان من بين الدول المرشّحة لتولّي الخلافة مصر. كما أن عددًا من الزعامات العربية والإسلامية تطلعت متلهفة لهذا المنصب الشاغر. في تلك الفترة ساد شعور عميق بالفراغ في الدول الإسلامية، وضرورة ملحة لتدارك الأمر، ولذلك في عام 1925م، دعا الأزهر في مصر مجموعة من رجال الدين إلى عقد مؤتمر فى القاهرة لبحث موضوع الخلافة. انتهى هذا المؤتمر بقرارات تفيد أن منصب الخلافة ضروري للمسلمين كرمز لوحدتهم واجتماعهم. ولكن لكي يكون هذا المنصب فعالاً، لابد أن يجمع الخليفة بين السلطة الدينية والسلطة المدنية. في تلك الأثناء كان هناك اتجاه لتنصيب الملك فؤاد الأوّل (ملك مصر) خليفة للمسلمين. وسط هذه الأجواء أصدر علي عبد الرازق مصدراً كتابه، واختصر فيه المسألة بوضوح، فقال بأن الخلافة الإسلامية ليست أصلاً من أصول الإسلام، بل هي مسألة دنيوية وسياسية أكثر من كونها مسألة دينية، ولم يرد بيانٌ في القرآن، ولا في الأحاديث النبوية في التأكيد على وجوب تنصيب الخليفة أو اختياره. أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة في حينه، وتوالت عليه ردود علمية كثيرة، شعر الملك فؤاد أن عبد الرازق سيقطع عليه الطريق أمام تولي الخلافة، فصدرت في حقه أحكام قاسية بإجماع كبار المشايخ والعلماء في الجامع الأزهر قضت بطرده من زمرة العلماء، وفصله من وظيفته في القضاء، وسحب إجازته العلمية من الأزهر.