تجيء ذكري ثورة23 يوليو هذا العام تحمل الرقم60 وسط ظروف وأوضاع درامية تكاد تعصف بالعالمين العربي والإسلامي ومصر في موقع القلب لكل منهما الأمر الذي يعيد مبادئ يوليو إلي مكانها البارز في منطقة التفكير بالعقل العربي. ويفرض علينا تفعيل هذه المبادئ بدءا من داخل مصر ومنها إلي الأمتين اللتين ننتمي إليهما.. وهذا فرض عين بكامل الوطنية.. وبغير حساسية! واذا ما إنتقلنا من التنظير إلي التطبيق حتي يكون المعني محسوسا.. فان نظرة عين الطائر التي نحن في حاجة إليها لتبدو البانوراما واضحة نكشف الواقع المصري منكفئا علي ذاته, غارقا في همومه, تتصارع القوي فيه علي المناصب والمغانم, وتنهك فكرها وأعصابها في مشروعية ما ملكت أيمانهم!!.. وفي مطاردة الباعة الجائلين في الشوارع.. التي صارت قضية ووطنية قومية! وفي خضم المشاكل المجتمعية ولاننكر أهميتها إستمر تراجع الدور المصري الذي كنا نشكو منه خلال السنوات السابقة, وضاع مبدأ يوليو الذي يري ان الداخل والخارج يؤثران في بعضهما إيجابا.. وان التحرك المصري الخارجي الواعي والمحسوب ينعكس نفعا وبكل المعاني علي المجتمع المصري من أطرافه إلي أطرافه.. ولكي يحدث ذلك فانه لابد ان يشكل المصريون كتلة واحدة قوية صلبة, منتجة مؤثرة, حتي وان كان مضمونها يتشكل من عدة تبارات فكرية وسياسية, فهذه هي التعددية التي ينبغي ان تكون في بدايتها وعلي مدي مسارها.. متكاملة تحقق وحدة الهدف وهو هنا: الدور المصري في المنطقة والي أبعد نقطة يقتضيها الأمن القومي المصري بمفهومه الشامل والذي يستلزم حشد كل الإمكانيات في إتجاهه وأولها القوة الناعمة المعتمدة اساسا علي العقل والابداع. لكن يستلفت النظر انه وسط نداءات المخلصين بضرورة المصالحة الوطنية ان نجد صيحات تنادي بالإنخراط فيما يسمي التيار الثالث والقصد منه حسب علمي انه التيار الذي يتوسط ويقف بين التيارين: الديني والعسكري. والمعني انه ضد الدولة الدينية.. وضد الدولة العسكرية. وهذا هدف جيد بلاشك ويتفق عليه الكثيرون.. لكني لا أعتقد أننا مهددون بدولة دينية منغلقة فهذا ليست له سابقة ناصعة في التاريخ.. كما انه ضد الطبيعة المصرية.. وبإختصار فان معظم الأحزاب والتنظيمات ضده, ولايحتاج لتنظيم خاص يفتت أكثر مما يوحد.. أما.. عن الدولة العسكرية فهذا افتراض غير مطروح وافتعال لأزمة غير محتملة.. فان المؤسسة العسكرية المصرية قد تحملت مسئولياتها في شفافية ونقطع باليقين انها مخلصة تحمي شرف الوطن وشرعيته بغير أطماع.. واذن فما السبب في شعار التيار الثالث؟ أم.. انه قد استعار والفارق كبير واحدا من مباديء يوليو ومع الطريق الثالث؟ لقد كان الطريق الثالث يقصد رفض الرأسمالية التي يتحول بها الشعب إلي أسياد وعبيد.. أو.. إلي ملاك وأجراء.. كما يرفض الشيوعية التي تلغي شخصية الفرد.. وتستبعد الدين.. وأعتقد اننا الآن في حاجة إلي هذا الطريق الثالث بتحديث المعني والمفهوم وتحديد الاستراتيجية علي ان نمارس فعل التنفيذ من الآن وحتي من قبل الانتهاء من صياغته لأن الأحداث المحيطة تكاد كما أسلفنا تعصف بنا.. والمثال واضح في سوريا! وهنا وقبل الاستطراد لابد من تحية المبادرة السعودية بعقد القمة الاسلامية في مكةالمكرمة يومي26 و27 من شهر رمضان المبارك الكريم لبحث أحوال العالم الاسلامي.. وفي المقدمة: الموقف في سوريا! وحسب معلومات دقيقة فان الموقف في سوريا اكثر خطورة مما يبدو رغم ان هذا الذي يبدو مأساة ملطخة بالدماء واذا درسنا حادثة الهجوم علي أحد المقار المهمة للأمن في نهاية الأسبوع الماضي والذي راح فيه عشرات الضحايا بينهم خمسة من كبار المسئولين من مساعدي بشار الأسد.. فاننا نجد انه حادث بالغ الخطورة يكشف عن امكانيات هائلة للمهاجمين بدءا من المهارة الاستخبارية التي رصدت وعرفت مكان وموعد وأشخاص الاجتماع إلي القوة الهجومية وضمت كوماندوز مدربين إلي نوعية الأسلحة.. الي وهذا مهم ضرورة ان يكون هناك إختراق للأمن السوري والمحيطين بالرئاسة.. فكيف يمكن دخول هذا المقر الذي من المستحيل ان يدخل أحد إلا بعد فحص دقيق وتفتيش أدق! وعلي أي حال, وهذه نقطة مهمة بل بالغة الأهمية فإن ماجري ويجري في سوريا لايحدث أرجو الانتباه في سياق الربيع العربي.. بمعني إندلاع ثورة وتغيير النظام.. فهذا أمر تقع مسئوليته علي بشار الأسد المغرم جدا بالتعامل مع التقنيات الحديثة وشبكات المعلومات.. لكنه للأسف لم يقرأ التاريخ جيدا.. ولم يستوعب الدرس! ومن ثم فان مايجري في سوريا ليس كما حدث في تونس ومصر واليمن.. لكنه أقرب الي ماجري في العراق وان إختلفت الظروف والأدوات.. لكن التشابه كبير بين بغداد ودمشق سواء من حيث الرئيس الديكتاتور الفرد الدموي العنيف.. أو من حيث الطوائف شبه المنقسمة علي بعضها, وفي قلب كل منها ثار وبغضاء, ومنها طائفة: العلويين السنة العشائر الأشوريين فضلا عن طبيعة التداخل والتدخلات مع دول الجوار! وهذا كله, وغيره, يندرج في مخطط تقسيم سوريا إلي دوبلات.. أو.. الي أقاليم بحكم ذاتي لكل هويته في إطار دولة هشة.. تفقد روح العروبة وان كانت تحمل إسمها.. وتنضم إلي العالم الاسلامي ومنظمته وان كانت ستمثل شوكة في جنبه وليس نبضا في قلبه! وفيما نعتقد.. وفيما يعتقد العقل العربي والاسلامي.. فان تراجع دور مصر هو الذي أدي إلي التدهور الرهيب في سوريا وفي أحوال شعبها الحبيب. من هنا.. نؤكد ضرورة وأهمية الاحتشاد المصري في الداخل من خلال مصالحة وطنية سليمة وصحية وعدم الغرق في المشاكل المصرية لكن دون إهمالها والاتفاق علي, وتنفيذ الاستراتيجية المصرية لممارسة الدور المصري.. وتفعيل مباديء يوليو التي هي ملك لمصر وشعبها والأفتخار بالثورة التي إهتم ولايزال يهتم بها العالم.. وهي رصيد وطني قومي لاينبغي وطنيا وأخلاقيا ان نبدده.. ولندرك جميعا ولنعلم ان التاريخ يسجل ولايرحم.. وان الله سبحانه يرعي خطانا.. مادامت في عين الصواب.. وفي مصلحة الأمة. المزيد من مقالات محمود مراد