د. إيمان الريس منذ أن برزت الولاياتالمتحدة كقوة عالمية فى القرن العشرين، شكّلت منطقة الشرق الأوسط محورًا استراتيجيًا فى سياسات رؤسائها المتعاقبين. وفى كتاب «مواجهة الرؤساء»، يغوص المستشار السياسى والكاتب البارز «إريك شولز»، وجورج س. كوفالسكى المؤرخ الكبير فى أعماق العلاقة المعقدة بين البيت الأبيض وهذه المنطقة الحيوية، كاشفًا عن لحظات المواجهة، التحالف، والتوتر التى رسمت ملامح السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، فيستعرض كيف تعامل رؤساء مثل «فرانكلين روزفلت»، الذى كان أول من زار المنطقة خلال الحرب العالمية الثانية، و«دوايت أيزنهاور» الذى أطلق «مبدأ أيزنهاور» لاحتواء النفوذ السوفيتى، و«جيمى كارتر» الذى رعى اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، و«جورج بوش» الأب الذى قاد التحالف الدولى فى حرب الخليج، و«باراك أوباما» الذى ألقى خطابه الشهير فى القاهرة، و«دونالد ترامب» الذى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ووقّع اتفاقيات «أبراهام» مع دول عربية. الكتاب لا يكتفى بسرد الوقائع، بل يسلّط الضوء على دوافع كل رئيس، والضغوط الداخلية والخارجية التى شكّلت قراراته، وتأثير تلك السياسات على شعوب المنطقة. كما يناقش كيف تحوّلت العلاقة من دعم استراتيجى إلى تدخل مباشر، ومن شعارات الديمقراطية إلى حسابات النفط والأمن. «مواجهة الرؤساء» ليس مجرد تأريخ، بل هو دعوة للتأمل فى كيفية صناعة القرار الأمريكى، وكيف يمكن للمصالح أن تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية. إنه كتاب يهم كل من يسعى لفهم ديناميكيات القوة، وتاريخ الشرق الأوسط من منظور «البيت الأبيض.» هذا العرض يرصد سياسات أبرز الرؤساء الأمريكيين، من القرن التاسع عشر حتى القرن الحادى والعشرين، محللين علاقتهم بالشرق الأوسط، وإسرائيل، والنفط، والحروب، والديمقراطية، وعلاقتهم بمصر والأمن القومى المصرى، لنكشف كيف تشكلت ملامح السياسة الأمريكية تجاه هذه المنطقة الحساسة عبر الزمن. إنه ليس سيرة كلاسيكية، ولا تحليلًا أكاديميًا، بل رحلة تتنقل بين دهاليز السلطة وقاعات التاريخ، بين الخطابة والفضائح، بين التمجيد والسقوط... مكتوبة بريشة مؤلفين جمعا بين العين السياسية والبصيرة الإنسانية، فالشرق الأوسط إحدى الساحات المهمة المحورية فى الاستراتيجية الأمريكية، ليس فقط لاعتبارات النفط أو الجغرافيا السياسية، ولكن لأنه يشكل عقدة تقاطع بين المصالح الاقتصادية، والأمن القومى، والتوازنات الدولية. أما بالنسبة لمصر، فقد كانت دائمًا فى قلب هذه المعادلة، لما لها من ثقل استراتيجى فى الأمن الإقليمى، وموقع جغرافى يربط الشرق بالغرب عبر قناة السويس، فضلًا عن دورها المحورى فى قضايا العرب الكبرى. اقرأ أيضًا | لماذا هذا الكتاب: لأننا نعيش فى لحظة فارقة تُشكك فيها الشعوب فى قياداتها، وتتحوّل فيها الرئاسة من رمز للوحدة إلى مرآة للانقسام. جاء هذا العمل ليفتش فى أعماق السياسة الأمريكية، لا ليمجدهم أو يدينهم، بل ليوجههم... كما واجهوا التاريخ. هل تُولد الرئاسة من رجل يطمح؟ أم من شعب يبحث؟ وهل كانت أمريكا دائمًا تعرف ما تريده؟ أم أنها كانت تصنع الرؤساء على قدر احتياجاتها وخوفها وأحلامها؟ هذه السلسلة، فى قلبها، ليست فقط عن الرؤساء. إنها عن سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط. إبراهام لينكولن (1861 – 1865) رغم أن فترة حكم لينكولن تزامنت مع الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، والتى انشغلت فيها الولاياتالمتحدة بالصراع الداخلى، فإن الشرق الأوسط لم يكن بعد على رأس أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. العلاقة مع الشرق الأوسط: كانت محدودة، اقتصرت على نشاطات دبلوماسية وتجارية بسيطة مع الإمبراطورية العثمانية، ولم يكن هناك تدخل مباشر فى الشئون السياسية للمنطقة. العلاقة مع مصر: فى عهد لينكولن، كانت مصر ولاية عثمانية شبه مستقلة تحت حكم الخديو سعيد، ولم تسجل وثائق التاريخ أى سياسة أمريكية نشطة تجاهها، باستثناء بعض التعاملات التجارية فى مجالات القطن والحبوب. بنيامين هاريسون (1889 – 1893) مع نهاية القرن التاسع عشر، بدأت الولاياتالمتحدة تدريجيًا فى الانفتاح على المسرح العالمى، لكن الشرق الأوسط ظل بعيدًا عن مركز الاهتمام مقارنة بآسيا وأمريكا اللاتينية، العلاقة مع الشرق الأوسط: اقتصرت على البعثات الدبلوماسية والأنشطة التبشيرية، ولم يكن هناك تدخل سياسى مباشر. العلاقة مع مصر: مصر فى تلك الحقبة كانت تحت الاحتلال البريطانى (منذ 1882)، وهاريسون لم يتخذ أى مواقف أو سياسات مؤثرة تجاهها. القضية النفطية: النفط بدأ يظهر كسلعة استراتيجية عالميًا، لكن الشرق الأوسط لم يدخل بعد فى المعادلة النفطية الأمريكية. ثم يبدأ الكتاب حقبة أكثر حساسية مع «فرانكلين روزفلت» الذى أسس لعلاقة استراتيجية مع السعودية، وجون كينيدى الذى وضع بصماته على ملفات العرب وإسرائيل فى مرحلة الحرب الباردة. فرانكلين دى. روزفلت (1933 – 1945) يُعتبر فرانكلين روزفلت أحد أكثر الرؤساء الأمريكيين تأثيرًا فى صياغة الإطار الاستراتيجى للعلاقات مع الشرق الأوسط، خاصة فى سنوات الحرب العالمية الثانية. العلاقة مع الشرق الأوسط: خلال الحرب العالمية الثانية، أدرك روزفلت أهمية المنطقة كممر استراتيجى وقاعدة إمداد، خاصة عبر مصر وقناة السويس. العلاقة مع مصر: لعبت مصر دورًا حيويًا كمسرح لعمليات الحلفاء فى شمال إفريقيا كما عزز روزفلت العلاقة مع الحكومة المصرية لضمان استقرار جبهة قناة السويس، وقدم دعمًا سياسيًا غير مباشر ضد النفوذ الألمانى والإيطالى. العلاقة مع إسرائيل: فى تلك الفترة لم تكن إسرائيل قد أُعلنت بعد (1948)، لكن روزفلت أجرى اتصالات مع زعماء يهود، وفى الوقت ذاته طمأن الملك عبد العزيز آل سعود فى لقاء تاريخى عام 1945 على متن الطراد كوينسى بأنه لن يتخذ خطوات تضر بحقوق العرب فى فلسطين دون التشاور معهم. القضية النفطية: أسس روزفلت الشراكة النفطية الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدة والسعودية، والتى أصبحت لاحقًا حجر الأساس للسياسة الأمريكية فى الخليج. الحروب والتدخل العسكرى: لم يقم بغزو مباشر لدول عربية، لكن قواته انتشرت فى المنطقة ضمن عمليات الحرب العالمية الثانية الديمقراطية وحقوق الإنسان: فى الشرق الأوسط، طغت الواقعية السياسية على مبادئ الديمقراطية، إذ كان الهدف الرئيسى هو كسب الحلفاء وضمان الإمدادات النفطية. تأثيره على الأمن القومى المصرى: دعم استقرار مصر كمحور دفاعى ضد المحور النازى، وأمّن قناة السويس، مما جعل بلاده شريكًا استراتيجيًا للقاهرة ولو بشكل ظرفى. جون إف كينيدى (1961 – 1963) كينيدى جاء فى قلب الحرب الباردة، حيث كانت المنافسة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتى على أشدها، والشرق الأوسط ساحة رئيسية لهذا الصراع.العلاقة مع الشرق الأوسط: ركز كينيدى على كسب ود الدول العربية لكبح النفوذ السوفيتى، وأبدى انفتاحًا على التعاون مع الحكومات القومية مثل مصر عبد الناصر. العلاقة مع مصر: شهدت العلاقات بين القاهرة وواشنطن فترة دفء نسبى فى عهد كينيدى، حيث قدمت أمريكا مساعدات اقتصادية لمصر فى مجال الزراعة والرى لكنه اصطدم لاحقًا مع ناصر بسبب موقفه من اليمن والحرب هناك، إذ رأت واشنطن أن التدخل المصرى يهدد مصالحها وحلفاءها فى الجزيرة العربية العلاقة مع إسرائيل: كان كينيدى أول رئيس أمريكى يوافق على بيع أسلحة متطورة لإسرائيل، لكنه حاول فى الوقت ذاته ضبط التوازن بين العرب وإسرائيل. القضية النفطية: لم يغيّر كينيدى جوهر السياسة النفطية، بل واصل الاعتماد على الشراكات القائمة مع السعودية ودول الخليج الحروب والتدخل العسكرى: تجنب التدخل العسكرى المباشر فى الشرق الأوسط، لكنه دعم حلفاء أمريكا عسكريًا واقتصاديًا. الديمقراطية وحقوق الإنسان: حاول كينيدى تحسين صورة أمريكا لدى الشعوب العربية عبر خطاب يدعم التنمية والتعليم، لكنه فى الواقع فضّل التحالف مع أنظمة قوية قادرة على حفظ الاستقرار. تأثيره على الأمن القومى المصرى: دعم بعض المشاريع التنموية، لكنه وضع حدودًا للتقارب مع القاهرة بسبب اختلاف المواقف الإقليمية، مما جعل العلاقة تتأرجح بين التعاون والحذر. فى الجزء الثالث استعرض الكتاب سياسات ريتشارد نيكسون الذى شهدت فترته حرب أكتوبر 1973 وتغيّر ميزان القوى، وجيمى كارتر الذى لعب دورًا محوريًا فى اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. جورج بوش الأب (1989 – 1993) الأب دخل البيت الأبيض مع نهاية الحرب الباردة، فى وقت كانت فيه موازين القوى العالمية تتحول بسرعة، وكان الشرق الأوسط على أعتاب أزمة كبرى. العلاقة مع الشرق الأوسط: أهم حدث فى عهده كان حرب الخليج الأولى (1990-1991) بعد غزو العراق للكويت. بوش الأب قاد تحالفًا دوليًا ضخمًا لتحرير الكويت، بمشاركة مصر وعدة دول عربية. العلاقة مع مصر: لعبت مصر بقيادة الرئيس حسنى مبارك دورًا أساسيًا فى التحالف ضد صدام حسين، وحصلت مقابل ذلك على دعم اقتصادى وإعفاء من ديون أمريكية ضخمة. عزز ذلك التحالف العسكرى المصرى الأمريكى. العلاقة مع إسرائيل: رغم الانشغال بحرب الخليج، دعم بوش مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، الذى جمع إسرائيل والفلسطينيين ودولًا عربية على طاولة مفاوضات. القضية النفطية: حرب الخليج أبرزت مركزية النفط فى الاستراتيجية الأمريكية، وضرورة حماية تدفقه من الخليج. الحروب والتدخل العسكرى: قاد عملية «عاصفة الصحراء» لتحرير الكويت، دون السقوط فى فخ احتلال العراق، وهو ما ميزه عن ابنه لاحقًا. الديمقراطية وحقوق الإنسان: لم تكن على رأس أولوياته فى الشرق الأوسط، حيث ركز على التحالفات العسكرية والاستقرار الإقليمى. تأثيره على الأمن القومى المصرى: منح مصر دفعة استراتيجية كحليف رئيسى للولايات المتحدة فى المنطقة، وأعاد تأكيد ارتباط الأمن القومى المصرى بالتحالفات الغربية. بيل كلينتون (1993 – 2001) فترة كلينتون شهدت محاولات مكثفة لدفع عملية السلام فى الشرق الأوسط، مع التركيز على الدبلوماسية بدلاً من التدخل العسكرى المباشر. العلاقة مع الشرق الأوسط: رعى كلينتون اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل عام 1993، واتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994. العلاقة مع مصر: حافظ على مستوى عالٍ من المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر، ودعم دورها كوسيط فى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. كان مبارك شريكًا أساسيًا لكلينتون فى جهوده لتحقيق الاستقرار الإقليمى. العلاقة مع إسرائيل: شهدت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تقاربًا كبيرًا فى عهده، خاصة مع رئيس الوزراء إسحق رابين ثم إيهود باراك. القضية النفطية: استمر فى تأمين الإمدادات النفطية من الخليج، لكنه لم يشهد أزمات نفطية كبرى مثل أسلافه. الحروب والتدخل العسكرى: لم يخض حروبًا كبرى فى الشرق الأوسط، لكن وجه ضربات جوية محدودة ضد أهداف فى العراق عام 1998 ردًا على عدم تعاون صدام مع فرق التفتيش الدولية. الديمقراطية وحقوق الإنسان: حاول دعم الإصلاح السياسى فى المنطقة، لكن النتائج كانت محدودة، إذ ظلت التحالفات الأمنية والاقتصادية هى الأولوية. تأثيره على الأمن القومى المصرى: عزز مكانة مصر كحليف استراتيجى ووسيط إقليمى، مع الحفاظ على تدفق المساعدات التى دعمت قوتها العسكرية والاقتصادية. فى الجزء الخامس، سننتقل إلى جورج بوش الابن الذى غيّرت هجماته بعد 11 سبتمبر شكل السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، وباراك أوباما الذى جاء بوعود التغيير وانتهى بإرث مثير للجدل فى المنطقة. جورج بوش الابن (2001 – 2009) تُعد فترة حكم جورج بوش الابن واحدة من أكثر المراحل تأثيرًا فى الشرق الأوسط، إذ شهدت أحداث 11 سبتمبر 2001 التى غيّرت شكل السياسة الخارجية الأمريكية جذريًا. العلاقة مع الشرق الأوسط: تبنى بوش الابن سياسة خارجية قائمة على «الحرب على الإرهاب»، واعتبر الشرق الأوسط ساحة رئيسية لهذه الحرب العلاقة مع مصر: استمرت الشراكة الأمنية والعسكرية مع مصر، لكن بوش مارس ضغوطًا سياسية فى منتصف ولايته لدفع إصلاحات ديمقراطية، خاصة خلال انتخابات 2005، قبل أن يتراجع عنها لاحقًا لصالح الاستقرار. العلاقة مع إسرائيل: شهدت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تقاربًا غير مسبوق، ودعمًا قويًا للمواقف الإسرائيلية فى مواجهة الانتفاضة الفلسطينية الثانية. القضية النفطية: رغم حديثه عن تقليل الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، ظلت المصالح النفطية فى الخليج أساسية، خصوصًا مع العراق والسعودية. الحروب والتدخل العسكرى: غزا أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003، مما أدى إلى إسقاط نظام صدام حسين وتغيير جذرى فى توازن القوى الإقليمى. الديمقراطية وحقوق الإنسان: رفع شعار نشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط، لكنه فشل فى تحقيق نتائج مستدامة، بل أدت سياساته فى العراق إلى فوضى سياسية وأمنية. تأثيره على الأمن القومى المصرى: أبقى على الدعم العسكرى والاقتصادى لمصر، لكن غزو العراق وما تبعه من عدم استقرار إقليمى أثر على البيئة الأمنية المحيطة بمصر. باراك أوباما (2009 – 2017) أوباما جاء بوعود الانفتاح على العالم الإسلامى، وألقى خطابه الشهير فى جامعة القاهرة عام 2009، لكن مساره الفعلى شهد تقلبات كثيرة. العلاقة مع الشرق الأوسط: بدأ بسياسة الانفتاح والحوار، لكنه انخرط لاحقًا فى أزمات كبرى مثل الحرب فى ليبيا، والأزمة السورية، والاتفاق النووى الإيرانى. العلاقة مع مصر: شهدت العلاقات فتورًا بعد 2011، خاصة مع أحداث الربيع العربى، ودعم واشنطن لتغييرات سياسية داخل مصر، ما تسبب فى توتر مع القيادة المصرية بعد 2013. العلاقة مع إسرائيل: رغم خلافاته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول الملف الإيرانى والاستيطان، حافظ على الدعم العسكرى والسياسى لإسرائيل. القضية النفطية: استفاد من طفرة النفط الصخرى فى أمريكا، مما خفف نسبيًا من اعتماد بلاده على نفط الشرق الأوسط، لكنه لم يقلل الاهتمام الاستراتيجى بالمنطقة. الحروب والتدخل العسكرى: سحب القوات الأمريكية من العراق عام 2011، لكنه انخرط فى ضربات جوية ضد «داعش» لاحقًا، ودعم عمليات فى ليبيا وسوريا. الديمقراطية وحقوق الإنسان: دعم التحولات السياسية خلال الربيع العربي، لكنه واجه اتهامات بازدواجية المعايير فى التعامل مع قضايا الديمقراطية. تأثيره على الأمن القومى المصرى: فترته تميزت بعدم وضوح الرؤية فى دعم استقرار مصر، مما خلق حالة من الشك فى الموقف الأمريكى لدى صناع القرار فى القاهرة. فى الجزء السادس، سنتناول دونالد ترامب بسياساته الحادة فى دعم إسرائيل وإعادة ترتيب أولويات أمريكا فى المنطقة، وجو بايدن الذى تعامل مع إرث معقد من الصراعات والاتفاقيات، ثم تأتى الفترة الثانية لترامب. دونالد ترامب (2017 – 2021) ترامب تبنى نهجًا صريحًا وعمليًا فى الشرق الأوسط، ركز على التحالفات الاقتصادية والأمنية، وابتعد عن الخطاب التقليدى حول الديمقراطية وحقوق الإنسان. العلاقة مع الشرق الأوسط: عزز العلاقات مع دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، وركز على مواجهة إيران عبر الانسحاب من الاتفاق النووى عام 2018 وتشديد العقوبات عليها العلاقة مع مصر: كانت العلاقات وثيقة مع إدارة ترامب، حيث دعم الرئيس عبد الفتاح السيسى سياسيًا، واعتبره شريكًا رئيسيًا فى مكافحة الإرهاب. العلاقة مع إسرائيل: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس عام 2018، واعترف بها عاصمة لإسرائيل، وطرح «صفقة القرن» التى انحازت إلى المواقف الإسرائيلية. القضية النفطية: استثمر فى تعزيز إنتاج النفط والغاز الأمريكى لزيادة الاكتفاء الذاتى، لكنه حافظ على شراكات النفط التقليدية فى الخليج. الحروب والتدخل العسكرى: لم يبدأ حروبًا جديدة، لكنه كثف العمليات ضد الجماعات الإرهابية، وأمر باغتيال قائد فيلق القدسالإيرانى قاسم سليمانى فى بغداد عام 2020. الديمقراطية وحقوق الإنسان: لم تكن أولوية، بل ركز على المصالح الاستراتيجية المباشرة. تأثيره على الأمن القومى المصرى: عزز التعاون الأمنى والعسكرى مع القاهرة، وقدم دعمًا فى مواجهة الإرهاب فى سيناء، مع تقليل الضغوط السياسية بشأن الإصلاحات الداخلية. جو بايدن (2021 –2024) جاء بخطاب يعيد الاعتبار لحقوق الإنسان والديمقراطية، لكنه وجد نفسه مضطرًا للحفاظ على التحالفات التقليدية فى الشرق الأوسط بسبب التطورات الجيوسياسية، العلاقة مع الشرق الأوسط: سعى لإعادة إحياء الاتفاق النووى مع إيران، لكنه واجه عراقيل كبيرة. تعامل مع تداعيات الحرب فى غزة (2023-2024) وضغط من أجل وقف التصعيد،العلاقة مع مصر: أعاد بعض الضغوط المرتبطة بحقوق الإنسان، لكن التعاون الأمنى استمر، خاصة فى ملفات غزة وليبيا،العلاقة مع إسرائيل: حافظ على الدعم العسكرى والأمنى، مع انتقادات محدودة لسياسات الاستيطان. القضية النفطية: اضطر للتعاون مع دول أوبك لضبط أسعار النفط، خاصة بعد الحرب فى أوكرانيا،الحروب والتدخل العسكرى: ركز على خفض الانخراط العسكرى المباشر، مع الحفاظ على الوجود الأمريكى فى نقاط استراتيجية،الديمقراطية وحقوق الإنسان: حاول إعادة دمج هذا البُعد فى السياسة الخارجية، لكنه اصطدم بضرورات الأمن والاستقرار فى المنطقة، تأثيره على الأمن القومى المصرى: استمر فى التعامل مع مصر كركيزة للاستقرار الإقليمى، خاصة فى إدارة الأزمات الفلسطينية، مع موازنة التعاون الأمنى والضغوط السياسية. دونالد ترامب (الولاية الثانية منذ 2025) يتبنى ترامب نهجًا قاطعًا وقائمًا على المصالح المباشرة، بعيدًا عن خطاب «الديمقراطية» أو «حقوق الإنسان». يراهن على التعاون الاقتصادى والأمنى كمحرك أساسى للاستقرار الإقليمى كما يسعى لتوسيع اتفاقات أبراهام لتشمل المزيد من الدول العربية ضمن رؤية سلام اقتصادية وتطبيعية مع إسرائيل. العلاقة مع إسرائيل يُظهر دعمًا مفتوحًا لإسرائيل، خصوصًا فى الصراع الحالى مع غزة. دعا إلى انتهاء منظمة حماس من القطاع واعتبر استخدام القوة خياراً مقبولاً، مع التأكيد على أن القرار النهائى يعود لإسرائيل. قضايا النفط والاقتصاد خلال زيارته للسعودية، دعم علاقات اقتصادية ضخمة تضمنت استثمارات عالمية وصفقات أسلحة ضخمة (بما يزيد عن 600 مليار دولار، منها 142 مليار على الصعيد العسكرى)، فى إطار رؤية تُعلى من قيمة الاستقرار الاقتصادى كسبيل لتحقيق السلام. الحروب والتدخل العسكرى، شن ضربات جوية مباشرة على منشآت إيرانية نووية، مع تعزيز حملة الضغط القصوى على إيران عبر عقوبات اقتصادية مشددة تستهدف قطاعات النفط والمالية /موقفه من الديمقراطية وحقوق الإنسان، نادرًا ما يُذكر هذا البعد فى سياسته الجديدة، إذ يُفضّل التعامل مع الدول التى لها موارد أو نفوذ اقتصادي، بغض النظر عن التجربة الديمقراطية أو الحقوقية. علاقته بمصر: تخلل سياسته طرح مثير للجدل: الاقتراح بالسيطرة الأمريكية على غزة وإعادة توطين أكثر من مليونى فلسطينى فى مصر والأردن، مع تهديد بقطع المساعدات عن الدول الرافضة. وقد قوبلت هذه الخطوة برفض واسع من القاهرة وعمان. الخاتمة من إبراهام لينكولن فى القرن التاسع عشر إلى جو بايدن فى القرن الحادى والعشرين، تكشف السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ومصر عن خيط مشترك: مزيج من المصالح الاستراتيجية والأمنية مع قدر متفاوت من البراغماتية السياسية، تبدلت الأدوات بين الدبلوماسية الناعمة والقوة العسكرية، وتباينت الأولويات بين النفط، ومكافحة الإرهاب، ودعم إسرائيل، وملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان. أما بالنسبة لمصر، فقد ظلّت دائمًا لاعبًا محوريًا فى المعادلة الأمريكية، سواء كممر استراتيجى عبر قناة السويس، أو كقوة إقليمية فى مواجهة التحديات، أو كشريك فى تحقيق الاستقرار فى النزاعات العربية الإسرائيلية.. لقد أثبت التاريخ أن الأمن القومى المصرى يتأثر بشكل مباشر بتحولات السياسة الأمريكية، وأن فهم هذه التحولات ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة لصانعى القرار، ولأى قراءة جادة لمستقبل الشرق الأوسط فى عالم سريع التغير.