بعد أن تحولت قاهرة المعز الى كتلة اسمنتية وملحمة بشرية وصارت أرصفتها مزينة بالسيارات بدلا عن الأشجار ، وأصبح الهواء – ان وجد – مشبعا بالعوادم والكربون والرصاص وخلافه ، لم يعد أمام الحشود طريق الا النزوح الى المدن الجديدة ، وعلى الرغم من تضاعف المسافات التى سيقطعها المواطن من مسكنه الجديد الى محل عمله فى وسط المدينة وربما على أطرافها الأخرى الا أن الاختناق دفع البعض بقوة «قهروحركية» الى قبول الواقع أملا فى اقتناص بعض الهواء النظيف ورؤية القليل من اللون الأخضر بعد أن أوشك على الانقراض . ولم تبق أمامنا سوى الكارثة الوقتية التى تجعلنا نستهلك أكثر من ثلث اليوم فى الطرقات وهو ما يتنافى مع معايير حقوق الإنسان فى الدول المتقدمة فالوقت لديهم يساوى الكثير ! ناهيك عن الاستهلاك المفرط للوقود «البنزين» . ثم ضحكت لنا الدنيا وفوجئنا بإنشاء العديد من المحاور والطرقات الحديثة التى تربط بين الضواحى والمدن الجديدة ووسط البلد فضلا عن المحافظات كالطريق الدائرى الذى أصبح سبيلا سحريا خارج بوتقة الزحام المرورية ، وأمعنت الدنيا فى الضحك حين أعلن السيد الرئيس عن تدشين العاصمة الإدارية الجديدة وكادت الفرحة تقفز من صدورنا لتعانق السماء . ولكن .. يا فرحة ما تمت ، فقد تحول «الدائرى» الى طريق للموت الحتمى ، ليس فقط لهروب الكثير اليه وبالتالى انتقال عدوى الزحام القاهرى ولكن وجود بعض الهيئات والمؤسسات والشركات على جانبى الطريق حولته الى ميدان العتبة حيث ينزل الكثير من العمال والعاملين بتلك المنشآت على جانبى الطريق ويقطعونه مشيا على الأقدام بدون إشارات أو شرطى مرور أو كبارى للمشاة أو أنفاق !! ولا يعبأ هذا العامل بخطورة أن يعبر طريق يضج باللوريات والمقطورات والأتوبيسات والنتيجة الحتمية أنه لا يمر يوم الا وتجد رصيف الدائرى مخضبا بدماء أحد عابرى الطريق وخصوصا فى المساء وكأن هذا المشهد المفزع أصبح مفروضا علينا ذهابا و إيابا ! ثم تصل الى عملك أو منزلك وقد خارت قواك من بشاعة المشهد شبه اليومى ، وتصبح شخصا منزوع البهجة غير مقبلا على الحياة . ونتاجا لما سبق فقد احتلت مصر مرتبة متقدمة عالميا فى حوادث الطرق ، فلم تعد المشكلة فى القطارات المتهالكة أو عدم الانضباط من قبل سائقى النقل الثقيل أو المطبات والحفر والصرف الصحى وفقط بل فى المنظومة المرورية كلها ! ولست أدرى ما قيمة وجود إدارة كاملة فى وزارة الداخلية تسمى إدارة المرور ! فما هى وظيفتها؟ وأين شرطى المرور ؟ وأين اشارات عبور المشاة ؟ وأين ممراتهم الآمنة للعبور؟ إننى أطالب السيد رئيس الحكومة والسيد وزير الداخلية بإعادة النظر فى تلك المنظومة التى تحصد أرواحنا ، كما أطالب بفرض غرامات مالية كبيرة على من يعبر الطرق فى غير الأماكن المخصصة للمشاة كتلك الغرامة المفروضة على السيارات التى تركن فى الممنوع أو تمشى عكس الإتجاه . فكيف لسائق سيارة على طريق سريع «هاى واى» أن يجد شخصا يمشى على قدمين أمامه فى حلكة الليل المظلم ، علما بأن السرعة المسموح بها على الدائرى هى 80 كم /الساعة ، يا سادة بالله عليكم أغيثونا فنحن نطالب بأقل حق من حقوقنا ألا وهو «الأمااان» .