لانعدام الثقة، إسرائيل تطلب موافقة خطية لتحليق طائرة نتنياهو فوق فرنسا    تنسيق مصري إماراتي لإطلاق برامج شبابية مشتركة وماراثون زايد الخيري في مصر    8.46 مليار مشاهدة في أسبوع، رقم قياسي جديد لمسلسل Stranger Things 5    شقيقة ميسي تتعرض لحادث سير خطير في الولايات المتحدة    اليوم، نظر استئناف النيابة على براءة سوزي الأردنية من التعدي على القيم الأسرية    بعد زحام الركاب، بيان هام من هيئة سكك حديد مصر بشأن منظومة حجز تذاكر القطارات    أمريكا تحظر دخول 5 أشخاص بينهم قيادات ألمانية لمكافحة الإساءة عبر الإنترنت    وزير الخارجية الفنزويلي: ممثلنا في مجلس الأمن فضح أكاذيب واشنطن    «شباب بلد» بوابة جديدة لتمكين الشباب المصري بالتعاون مع الأمم المتحدة    «الأرصاد» تحذر من طقس الأربعاء.. أجواء شديدة البرودة وشبورة كثيفة    التعليم العالي: نعمل مع اليونسكو للاعتراف المتبادل بالشهادات المصرية دوليًا    قناة ON تستعد لعرض مسلسل «قسمة العدل»    كنت شاهدا، سام مرسي يرد على تقرير مثير ل "ذا أتليتيك" حول تحكم صلاح في منتخب مصر    من داخل وكره المشبوه، صور جديدة مرعبة للمجرم الجنسي جيفري إبستين تظهر للعلن    كفتة العدس بالشوفان في الفرن، بروتين نباتي صحي بدون دهون    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 24 ديسمبر    يعرض 7 يناير.. نيللى كريم وشريف سلامة يتصدران بوستر «جوازة ولا جنازة»    عودة مسرحية "نور فى عالم البحور" إلى خشبة المسرح القومي للأطفال    بطولة ياسمين رئيس وأحمد فهمي.. نهى صالح تنضم لمسلسل «اسأل روحك»    الرئاسة اللبنانية: عون يتلقى اتصالين هاتفيين من الرئيس التركي والعاهل الأردني    إيران تنتقد الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة لعدم التزامهم بالاتفاق النووي    فيديو | «ربنا كتبلي عمر جديد».. ناجية من عقار إمبابة المنهار تروي لحظات الرعب    المرتبات في الفيزا، وزارة المالية تعلن بدء صرف مرتبات شهر ديسمبر 2025 اليوم    الصحة: نجاح عملية استبدال صمام قلب لمسن فوق 90 عاما بمبرة مصر القديمة    ابتزاز داخل مجلس الأمن، واشنطن تتوعد مادورو بعقوبات قصوى لحرمانه من النفط الفنزويلي    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    الجيش الأردني يخوض اشتباكات مع عصابات تهريب على الحدود السورية    وزير التعليم: البكالوريا شبيهة بالنظم العالمية.. وستقلل من الدروس الخصوصية    أخبار × 24 ساعة.. بعثة صندوق النقد: الاقتصاد المصرى حقق مؤشرات نمو قوية    إغلاق الأسهم الأمريكية عند مستوى قياسي جديد    د. القس رفعت فتحي يكتب: المسيحية الصهيونية.. موقف الكنيسة المشيخية    ب"احتفالية ومعرض".. تعليم الأقصر تحيي فعاليات اليوم العالمي لذوي الهمم| صور    أمم إفريقيا - بونجاح: درسنا السودان جيدا.. وعلينا المبادرة بالهجوم    رئيس شعبة المصورين: ما حدث في جنازة سمية الألفي إساءة إنسانية    البياضية والزينية تتألقان باحتفالين جماهيريين في عيد الأقصر القومي (صور)    لاعب زيمبابوي السابق: أحرجنا منتخب مصر ومرموش كان كابوسًا    بمساحة 177 فدانًا.. الزمالك يحصل على أرض بديلة قرب القرية الذكية    فايزر تحقق في حادث خلال تجربة علاج جديد لمرضى سيولة الدم    بشرى ل 7 محافظات، الصحة تحدد موعد التشغيل التجريبي للمرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل    أمم أفريقيا 2025| تونس تبدأ مشوارها بالفوز على أوغندا بثلاثية مثيرة    دفنوه في أحضان أمه، أهالي معصرة صاوي بالفيوم يشيعون جثمان الضحية الثامنة لحادث الطريق الإقليمي    كورال "شباب مصري" يحيي حفل غنائي بقصر الأمير بشتاك، الجمعة    وزارة العمل: قانون العمل الجديد يضمن حقوق العمال حتى بعد الإغلاق أو التصفية    أبرز تصريحات وزير التعليم عن اهتمام القيادة السياسية بالملف التعليمي    تفاصيل فوز مصر بمعقد في الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية.. فيديو    خالد مرتجي: نبحث تطوير كرة القدم داخل الملعب وخارجه    "الوطنية للانتخابات": بدء تصويت المصريين بالخارج بجولة الإعادة في 19 دائرة انتخابية    بفستان أحمر قصير.. إيمان العاصي تثير الجدل في أحدث ظهور    وزير التعليم: 750 ألف طالب يمثلون نحو 92% من الثانوية اختاروا نظام البكالوريا بكامل إرادتهم    الأرصاد الجوية ترصد تفاصيل الظواهر الجوية المتوقعة غدا الأربعاء .. اعرف التفاصيل    هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة بأكثر من يوم باليوم الواحد؟.. أمين الفتوى يجيب    هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    "القومي للبحوث" يحصد المركز الأول فى مؤشر سيماجو للمراكز والمعاهد البحثية 2025    نحو منظومة صحية آمنة.. "اعتماد الرقابة الصحية" تُقر معايير وطنية لبنوك الدم    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    الدقهلية تحتفل بانضمام المنصورة لعضوية شبكة اليونسكو لمدن التعلم (صور)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرصيف والسلوكيات العامة
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 11 - 2015

الشعب المصرى أصبحت له سمات تميز شخصيته المعاصرة تتبلور بتجلى فى كل مخرجاته وعلاقاته الداخلية بين أعضائه وعلاقاته الخارجية مع المجتمعات الأخرى. ترسم هذه العلاقات حدود تحدد ما يخص الفرد وما يخص الآخر أو المجتمع: هناك حدود للملكية، وحدود للفراغ الخاص وحدود للأحداث والاحتفالات الاجتماعية.
وفى محيطنا الحضرى منطقة الحدود الفاصلة أو الواصلة بين الملكية الخاصة والعامة، وبين المشاة والسيارات نسميها بالرصيف. هل هى حدود فاصلة أم نقاط تلاقى واصلة؟ هل هى ملكية عامة أم خاصة؟ هذه أسئلة يبدو أن لها عدة إجابات فى المجتمع المصرى بعضها يتناقض مع البعض، ولكن فى مجملهم يبدو أنها ترسم صورة واضحة للشخصية المعاصرة وبالأخص فيما يرتبط بالجوانب الحاكمة للعلاقات بين الأنا والآخر. فمما لا شك فيه أن الرصيف أصبح ساحة للتفاعل بين أطراف المجتمع المختلفة: الفرد والفرد، الفرد والمجتمع والفرد والحكومة. لنتوقف عند بعض المشاهد على أرصفة المدن المصرية لنقرأ لعلنا نواجه بعض حقائق شخصيتنا المعاصرة:
المشهد الأول.. الاقتصاد حر للكل
الحى الشعبى يقارب مبانى فارهة على النيل، والرصيف لا يتعدى عرضه المتر على شارع لا يتعدى عرضه العشرة أمتار. شباك الدور الأرضى للمبنى الملاصق للرصيف يرتفع عن مستوى الشارع مترين تقريبا بحيث تمتد كوابيل حبال الغسيل فوق رأس المارة مباشرة. المرأة متوسطة العمر قاطنة الشقة تطل من الشباك لتباشر عملها اليومى فى تنظيم سيارات العاملين بالمبانى الفارهة على الرصيف تحت شرفتها الذى حولته لساحة انتظار سيارات مقابل ايجار شهرى أو يومى حسب الظروف. أصحاب السيارات يعتبرون نقاط المياه التى تتساقط على سياراتهم من غسيل المرأة نوع من البركة فهم يوفرون أسعار الانتظار الباهظة فى جراجات المبانى الفارهة.. هذا ان وجد المكان!
المشهد الثانى.. الملكية العامة الخاصة
الحى راقٍ قياسا بعدد وانواع السيارات التى تملئ جانبى الشارع. الرصيف تتوسطه أشجار قديمة عالية، مالك أحد الشقق، التى لا تقل قيمتها السوقية عن المليون جنيه يضع ماسورتين أمام الرصيف يربط بينهما بسلسلة حديد وقفل كبير يغلقه كلما أخرج سيارته من بين الماسورتين فى الصباح ليضمن بذلك بقاء هذا المكان لسيارته فى المساء، وعلى باقى سكان وزائرى الحى إيجاد حلولهم الخاصة لسياراتهم، مواسير وسلاسل أخرى، «وإيه يعنى ما الحكومة بتعمل كده كمان!».
المشهد الثالث.. الملكية الخاصة العامة
الحى جديد فى مدينة جديدة، مفروض أن جميع المنشآت فيه تكون فيللات من دور أرضى وأول، ولكن الحكومة اتزنقت فى مصاريف مدارس الولاد فباعت حقوق ارتفاع للدور الأول.. ثم الثانى.. ثم.. صحيح أن تعريف الفيللا أن بها مساحة لحديقة إلا أن المالك استغل كل شبر مصرح به للمبانى فلم يتبقَ الكثير للحديقة، ولكن هناك رصيفا محترما لا يستخدمه مارة بما أن هذه المدينة لم تصمم للمشاة، فقط للسيارات. صاحب الفيللا، يحول كامل مسطح الرصيف أمام سور أرضه إلى حديقة بأشجار ونجيلة وورود، حتى بسور الشجيرات الذى يستخدم لتحديد حدود ملكية للحدائق، وبهذا يكون ساهم فى تجميل الحى على حسابه الخاص!
المشهد الرابع.. الحياة مسابقة حواجز
الحى فى وسط البلد والأرصفة عريضة مصممة أصلاً للمشاة (من زمان يعنى)، كما صمم الدور الأرضى لغالبية المبانى فى الحى لتحوى نشاطات تجارية: محلات ومطاعم، إلا أن حركة المشاه أصبحت شبه مستحيلة بسبب التحديات، التى يتعرضون لها، والتى لا يجتازها إلا أصحاب اللياقة البدنية العالية المتخصصين فى مسابقات الحواجز الأوليمبية. الرصيف يعتبر امتدادا للمحل (فى رأى صاحبه طبعا)، وبالتالى فمن الطبيعى أن يعتبر الرصيف أمام محله امتداد له فيغير فى خاماته ومناسيبه بما يناسبه بدون مراعاة الشكل العام للرصيف: فنجد درجة أعلى أمام محل الجزم، ثم اثنين لتحت أمام محل الشنط، ثم نرى التنوع فى خامات الرصيف: بلاط موزايكو يليه رخام يساعد على التزحلق مع وجود بعض الماء، فهذا جزء من التحدى وطبيعة المسابقة.. اطلع انزل اقفز.. وحديثا استحدث تحديا جديدا يتمثل فى المنافسة بين أصحاب المحلات والباعة الجائلين فى ملء مسطح الرصيف بالبضاعة والمعروضات لاختبار قدرات المحترفين من المارة فى اجتياز الموانع.
المشهد الخامس.. ديمقراطية المنافسة
الحى جزء منه صناعى وجزء سكنى عشوائى، يخترقه طريق سريع يفصلهما سور خرسانى منخفض بجانبه رصيف ليس للمشاه طبعا فعرضه لا يتعدى الخمسين سنتيمترا. فى الجزء المقارب لبعض المساكن يختفى الرصيف تحت أكياس قمامة تتطاير من وراء السور الخرسانى لتنفجر فوق الرصيف والشارع لتشكل سلسلة العوائق الأولى للسيارات العابرة والتى إذا نجحت فى العبور تجد التحدى الأكبر فى اجتياز جبال مخلفات المبانى، التى يتركها مساء مقاولو نقل المخلفات الذين تقاضوا أجرة لنقلها إلى المقالب العمومية.. ففعلوا ذلك بالضبط!
المشهد السادس.. المشاركة المجتمعية واجب
الحى يتكون من عمارات إسكان متوسط يقطنها موظفون ومهنيون. الأدوار الأرضية لتلك المبانى كانت مصممة كشقق سكنية، ولكن مع الوقت تحولت إلى محلات ومقاهٍ ومطاعم (ولا داعى للسؤال عن قانونية هذا التحول فهذا سؤال غريب وكمان خارج الموضوع) وبما أن الشيشة يبدو أنها أصبحت ضرورة اجتماعية، فأغلب المحلات تحولت إلى مقاهٍ، وبما أن مساحة المقهى أصلاً شقة صغيرة فافترشت المقاهى الأرصفة ومساء تمتد إلى الأسفلت لتملئ كراسيها وطاولاته الشارع ليتحول هو الآخر لامتداد للرصيف وينتفى معه دوره كممر حركة للسيارات، كما انتفت قبله مهمة الرصيف كممر للمشاه. يتحول الحى بأكمله إلى قهوة كبيرة يعيش قاطنوه كل يوم حياة الترفيه، كما لو كان كل يوم عيدا أو استادا كبيرا لمباريات الكرة، والهواء مفعم برائحة الاحتفالات.. المعسل!
المشهد السابع.. الحكومة جزء من المجتمع
الشارع اتجاهان يتوسطه جزيرة ويحاذيه على الجانبين رصيفان. بصمات المحافظة والحى واضحة بتجلٍ: فقد تم إلغاء البردورات التقليدية واستبدلت بسور خرسانى بارتفاع أربعين إلى خمسين سنتيمترا لمنع السيارات من ركوب الرصيف. طبعا عدم إمكانية فتح أبواب السيارات المنتظرة بمحاذاته تفصيلة ثانوية، كما هى إشكالية اعتلاء المارة للرصيف والنزول منه بدون كسر أو شرخ أرجلهم. محطة انتظار للأوتوبيس تتوسط الرصيف وتملأه بكامل عرضه لراحة المنتظرين، وعلى المارة الالتفاف حولها من الشارع للمرور. ولتجميل الشارع حفرت أحواضا للشجر فى منتصف الرصيف وبينهما وضعت هياكل معدنية للإعلانات لتمويل عمليات التجميل هذه. أما الجزيرة فتمت زراعتها بالنجيلة أو ما كان فى الأصل نجيلة لأنها الآن أصبحت حشائش متوغلة وبحيرات تغذيها حنفيات المياه المكسورة.. أسهل لك تمشى فى الشارع يا مواطن بدل النزول والطلوع!
المشهد الثامن.. الخدمات العامة دائما ميسرة
الرصيف تحت الكوبرى فى شارع عمومى فى حى راقٍ. حمار يأكل برسيم ويترك مخلفاته بجانبه فى انتظار صاحبه، الذى يبيع البطيخ لسكان الحى أمام المسجد. إلى يمينه مرحاض عمومى فى حماية اعمدة الكوبرى لسد حاجات المارة المزنوقين، وعلى الجانب الآخر للحمار تجلس سيدة على الرصيف وأمامها نصبة شاى تبيعه لسائقى التاكسى الذين يعتبرونها محطة استراحة فى ظلال الكوبرى. وإلى جانبها تغسل البنت الصغيرة الأكواب فى جردل ماء متعكر وتلقى ببواقى الشاى والماء فى الشارع لتغذية كتلة العجين السوداء التى حلت محل الأسفلت.
المشهد التاسع.. التكافل الاجتماعى عام
ناصية الطريق حيث يتسع الرصيف لتلاقى الشارعين تفترش السيدة عدة بطانيات وأكياس تحتوى على كل ممتلكاتها، تنام ليلاً وتتكئ نهارا على السور المتاخم للرصيف، والمارة من المشاة أو السيارات يقومون بتوفير ما يمكنهم من دعم. ونفس المنظر يتكرر بعد بضعة أمتار كأن الحكومة وجدت فى الرصيف بديلاً سهلاً لحل مشاكل الإسكان!
المشهد العاشر.. وأنت ماذا تقرأ فى رصيف شارعك؟
اقتباس
مما لا شك فيه أن الرصيف أصبح ساحة للتفاعل بين أطراف المجتمع المختلفة: الفرد والفرد، الفرد والمجتمع والفرد والحكومة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.