لا يخفى على أحد التأثير الذى أحدثته ومازالت تحدثه مواقع التواصل الاجتماعى أو ما يطلق عليها دون ترجمة «السوشيال ميديا» إذ ينشئ الفرد لنفسه حسابا أو حسابات على أحد أو بعض أو كل هذه المواقع، ويغذى حسابه ليل نهار بمنشورات وتعليقات تضم الأفكار والآراء التى تعكس شخصيته وتحدد للناس اتجاهاته ومواقفه السياسية والاقتصادية والحياتية عموما، ويتضمن الحساب قوائم بصداقات ومجموعات عمل وصفحات يشترك فيها نشطا أو متابعا وكلها تمثل سلوكا بشريا يميّزه عمّا سواه، ويحدد له على هذه المواقع بصمة إنسانية مغايرة لبصمات الآخرين . ولا جدال أن التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى لم يعد من قبيل الرفاهية، ولا مضيعة للوقت، فلقد أصبحت هذه المواقع نمطا معيشيا وطريقة للتواصل وتجاوز المسافات والقيود السياسية والثقافية وغيرها لدرجة لفتت نظر المنظمات والشركات سواء الهادفة للربح أو الحكومية أو الدولية وغيرها إلى أهمية هذه التقنية والتعامل مع مئات الملايين من المشتركين بها ومستخدميها، فاندفعت إلى الاشتراك فيها وإدارة حسابات خاصة بها لتسويق منتجاتها وأفكارها وخدماتها. أيضا تهتم الحكومات بهذه المواقع، وما تضمه من حسابات بما تملكه من قدرة على الحشد والتعبئة، وما تتضمنه من أفكار ورؤى تتجدد باستمرار، فنحن نعى جيدا أن اضطرابات سياسية كثيرة حدثت ومازالت تحدث فى العالم والشرق الأوسط تحديدا، والتى يطلق عليها «ثورات الربيع العربى» وفق متغيرات وأسباب خاصة بكل منها، ولاشك أن لمواقع التواصل الاجتماعى، وبالتحديد «فيس بوك» و«تويتر» دورا وتأثيرا قويين فى تسارع الأحداث وتلاحقها لدرجة أنهت نظما سياسية كانت مستقرة إلى حين، ومازالت المنطقة مشتعلة بفعل هذه التقنيات. كل هذا يدفعنا إلى التفكير في القضايا الأخلاقية والقانونية التى ترتبط بهذه التقنيات الجديدة للاتصال والتواصل، وبخاصة ما يتركه المستخدم لها من إرث رقمى يمثل قسما من حياته قضاه فى ترك بصمة تقنية بهذه المواقع، واتجاهات ومواقف أثّرت فى غيره وأخرى تأثّر بها، ونحن لا نقصد الإشارة إلى قضية الخصوصية أو الالتزامات الأخلاقية والقانونية التي تُجبر المستخدم على تحرّى الموضوعية والبعد عن الوقوع تحت طائلة نصوص قوانين العقوبات، لكننا نركز بشكل خاص على ذلك الإرث الرقمى الذى يخلّفه المستخدم عند وفاته، والقضايا المرتبطة به أخلاقية، وبعضها مازال محل بحث ودراسة، ومنها ما يلى: هل يجوز «التوارث» فيما يتركه الفرد على حسابه الشخصى على أحد مواقع التواصل الاجتماعى؟ هل يحق للفرد أن يصيغ «وصيةّ رقمية» للتصرف فى تركته الرقمية الإلكترونية بعد وفاته ؟ هل تخضع التصرفات الرقمية بعد موت صاحب الحساب لذات قواعد التصرف فى التركة الواردة فى أحكام الشرع والقانون؟. هل يجوز التدخل قانونا بدعوى للحجر وفرض الوصاية على حساب فرد أصيب بأحد عوارض الأهلية؟ هل يمكن إخضاع الإرث الرقمى لتشريعات حماية حقوق الملكية الفكرية؟ ماذا لو تصرّف الموقع الرسمى «التواصل الاجتماعى» فى حساب المستخدم المتوفى دون الرجوع للورثة الشرعيين؟ ما هي القوانين التى تخضع لها الوصية الرقمية «بلد المستخدم أو بلد الموقع نفسه»؟ ماذا لو تم التصرف فى الموقع الرئيسى نفسه بالبيع أو الدمج مع أخرى، وما هى ضمانات ورثة الإرث الرقمى؟ فى حالة إصابة المستخدم بأحد عوارض الأهلية.. كيف يمكن التصرف فيما تركه من إرث رقمى متناثر هنا وهناك؟! إن هذه التساؤلات تستدعى إعمال التفكير، والبحث عن حلول خارج الصندوق، إذ ربما تتحول هذه التساؤلات قريبا إلى واقع يمثل أزمة قانونية تقف أمامها المحاكم الوطنية حائرة، وربما آن الوقت لإنشاء كيانات قانونية تقنية تتولى التعامل مع هذه التساؤلات لضمان حقوق المستخدم العربى لمواقع التواصل الاجتماعى. محمود حمدون