كلما «سحت» فى حوارى وأزقة ومطالع وجبال وهضاب العمة بودابست.. جززت على أسنانى وعضعضت على شفتى من الغيظ.. حتى تورمت الشفاه وظن بعض الصديقات أننى والعياذ بالله «نفختهم»! مثلما يفعل بعضهن من «مهابيل» النفخ والشد والحرق ذهابا وإيابا على بيروت وآهو رزق الهبل على المجانين. جلست احتسى كوب الشاى المثلج وأضع رأسى تحت فتحة التكييف على المقهى المصري.. والدخان يعبئ المكان من أشكال وألوان وأنواع التدخين من شيشة على سجاير على توباكو البايب، وضربات زهر الطاولة تحاوطنى من كل مكان وأنا أمسك علي» نفسى لسانى حتى لا ينطق يسب ويلعن تلك الضوضاء العبثية فى محاولة لاسترجاع جلستى على مقهى أعلى الجبل، حيث ترقد كنيسة الكاتدرال ومن حولها سوق يشبه مع الفارق السما من العمى سوق خان الخليلى وبالطبع إحنا السما لكن فين الحظ!. هذا السوق تقريبا للمشغولات والمفارش والتطريزات التقليدية المجرية فقط، وهى ما تتميز بها بودابست بل والمجر كلها. صعدت الجبل المحيط هاربة من حرارة الجو، الرطوبة والمطر والهاموش والناموس بالجزيرة، حيث المصحة التى كنت أعالج فيها بالمياه الكبريتية والدفن فى اللامؤاخذة «الطين» البديل للطمى الساخن لامتصاص السموم والوهن وكان يمانى أن أكلة، كوارع ترم بدنه زى الأفلام بدل الشحططة أو ذهب فى عز هذا الحر إلى الواحات وعندنا البحرية أو سيوة أو الداخلة أو الخارجة أو صحراء أسوان أو حتى الكثبان الرملية واندفن فى الرمل بديلا عن الطين، وآهى كلها دفنة، والدفن فى بلدك أفضل كثيرا.. وقبل الاسترسال فى موضوع الدفن الشر بره وبعيد، أفقت على صوت صديقتى الغاوية تطريز وأشغال الإبرة والديكور وهى تدفعنى دفعا للإفاقة من دفنتى والعودة إلى سوق المفارش ومقهى الجبل المجري. كنيسة عادية كل ما يميزها أنها بنيت فوق قمة عالية من قمم الجبال هناك وقام أهل الخير من المسيطرين على السياحة المجرية بنحت سلالم ومطالع ومداخل تمكن السواح من الصعود والهبوط، وبالطبع احتل اليهود هناك الأماكن الإستراتيجية فوق الجبل بجانب الكنيسة، وانشأوا ما يسمى بسياحة المفارش أو الفلفل والشطة.. أو سياحة «أرن الفلفل الحامي»!. نعم هل تعرفون قرن الفلفل الأحمر الصغير المعروف فى جنوبأسوان وبلاد النوبة؟ إنه نفس «القرن» مع الفارق إننا نأكله من أجل تحمية وتحسين المذاق وأشياء أخرى لا أعملها! نستطيع أن تقول إنه تراث أو تقليد أو طبيعة مطبخ.. إنما هم يقومون بتطريز شكله بلونه الأحمر الفاقع الزغلولى على كل شيء بدءا من المفارش القطن أو الكتان الأبيض مرورا على الأدوات المنزلية والاستيكرز والخزف والصينى بحيث أصبح علامة مسجلة، فكلما رأيت «أرن الفلفل أحمر» مطرزا على مفرش أو بلورة أو فستان أو مطبوع على فنجان أو أوان للطهى أو غيرها.. اعلم أنك أمام التراث المجري. إنه رمز الفلفل والشطة مع اختلاف أنواع الاستعمال بين الشرق والغرب أو الجنوب والشمال. وبما أن الحياة عبارة عن كسرات وجبرات، فقد خرجت من المقهى المجرى بعد أن يئست من انتظار من يأتى ليأخذ طلبى ثم اكتشفت أننى أنا التى يجب أن تذهب وتستقدمه.. فقلت بينى وبين نفسي.. أحسن وفرت.. لسه حدفع باليورو والعودة بعد يومين لمقهانا والدفع باللحلوح. وحملت موبايلى وتجولت بين أكشاك صنعت من الخشب حول الكنيسة لا تبيبع إلا المفارش البيضاء أو الكتانية المطرزة بقرون الفلفل الأحمر الصغيرة!. لم أفق إلا على دندنة أغنيات عبد الحليم حافظ أقولها لنفسي: إنى أغرق.. أغرق.. أغرق.. فروعة البساطة فى التطريز واختيار اللون الأحمر للفلفل يجعلك تقبل على الشراء! مفرش ورا التاني.. ده لحورية.. ده لفتحية وهذا لسنية والبنات بتتجهز وخسارة ما عنديش بنات! طيب لو عندى بنات كنت اشتريت قد إيه؟ الذى وترنى وكاد يجهز عليَّ وأنا اسير خارج السور فى اتجاه عربة السياحة للعودة للمصحة والبائع يرد عني.. باي.. شالوم!! شالوم؟ نعم.. حتى ميدان الكنيسة وسوق المفارش لم يسلم من هذا الغزو، حيث السيطرة البودابستية من الإبرة للصاروخ.. من الفلفل الأحمر حتى المصحات العلاجية. وهنا تذكرت الست اليهودية التى قابلت أمى فى طابا منذ أكثر من 30 عاما، ونحن نتسلم أرضنا هناك وهى تغل بأسلوبهم وتقول.. على فكرة الدنيا للشاطر!! وعدت بعدما انتهيت إلى المصحة التى تملكها اليهودية وتديرها بعدما ظللت لربع ساعة احتسى فنجانا من القهوة لأجد صاحبها أيضا من نفس الفصيلة.. إذن هو الاحتلال!. أروح فين؟ أروح فين؟ أروح فين؟ وأخذت اضغط أكثر وأكثر على شفايفى حتى أصبحا مثل قرن الفلفل الأحمر وشطة الغيظ تلهب ضميري.. قومى يا سياحة مصر، فاليهود يتوغلون فى العالم كله.