كان الدمار الذي سببه الانفلات الأمني والفوضي الاقتصادية التي أصابت المجتمع بعد ثورة52 يناير1102 هائلا إلي درجة لم يتم معها قياسه بدقة حتي اليوم.. كما أن الفترة التي نشهدها حتي اليوم أثرت بشكل مباشر علي القطاع الصناعي.. وعلي الشركات التي لم تستطع أن تواجه عنف التحولات السياسية والاجتماعية. ولقد أجبرت الأوضاع المضطربة بالسوق المصرية معظم الشركات الصناعية علي التوسع في تقديم مجموعات كبيرة من إجراءات الحماية لاستثمارتها الصناعية للمحافظة علي عملها ومعدلات انتاجها وإجراءات أخري للحفاظ علي أسواق التصدير الحالية وتحملت بذلك الكثير من التكاليف والأعباء المالية الإضافية التي أثرت علي ربحيتها أو استمراريتها في كثير من الحالات. ومما لا شك فيه أن الفوضي الاقتصادية التي تشهدها مصر الآن هي في واقع الأمر جاءت كنتيجة حتمية لخطايا حقبة مضت.. جثمت علي صدر الأمة سنوات طوالا.. مارست فيها إدارة البلاد كل أنواع العبث والإهمال والفساد.. واستهانت بالوطن والمواطن وعصفت باقتصاد البلاد وجرفت موارده الطبيعية والبشرية وأوصلتنا إلي حافة الانفجار الذي عجل بثورة52 يناير1102 المجيدة. تواجه مصر اليوم فوضي اقتصادية وأمنية.. عمقت بدورها الكثير من الأزمات التي تمثلت في تآكل احتياطي النقد الأجنبي ليصل إلي2.51 مليار دولار وارتفاع الدين العام المحلي ليبلغ3811 مليار جنيه مسجلا أعلي مستوي في تاريخه.. وارتفاع عجز الموازنة ليصل إلي441 مليار جنيه.. الأمر الذي أدي بدوره إلي قيام مؤسسات التصنيف الدولية بخفض التصنيف الانتمائي لمصر نحو سبع مرات متتالية.. وأصبح الوضع غاية في الخطورة.. تتضح معالمه عند طلب الاقتراض الخارجي.. مما قد يؤدي إلي تداعيات سلبية علي معيشة المواطنين نتيجة لعدم قدرة الدولة علي استيراد احتياجاتهم الضرورية من السلع وعدم قدرتها علي سداد ما عليها من ديون خارجية تجاوزت53 مليار دولار. كما أدت الأوضاع المتردية إلي خروج الأجانب من استثماراتهم في أذون الخزانة وبعض الاستثمارات الأخري.. وتراجع ايرادات السياحة وتباطؤ عجلة الانتاج وعدم دخول استثمارات أجنبية جديدة للبلاد منذ بدء الثورة وحتي الآن. إن التحدي الرئيسي الذي يواجه الصناعة.. هو عودة الانتاج وسرعة استيعاب ما حدث بكل ايجابياته وسلبياته ثم سرعة التكيف مع واقع محلي سريع التغير وواقع دولي بلغ التعقيد والتشابك بما ينعكس مباشرة علي تطور أدائها.. فلم يعد التحدي قاصرا فقط علي سرعة تعويض ما لحق بها من خسائر يصعب حصرها.. وإنما أصبح الأمر يرتبط بمدي التقدم الشامل في ظل التكيف مع المعطيات الجديدة, وبذلك سوف تجد الصناعة نفسها في حاجة إلي صياغة سياسات جديدة تمكنها من إحداث اصلاح جوهري متكامل يستهدف رفع تنافسية قطاعاتها المختلفة والتعامل مع التشوهات الهيكلية والقيود البيروقراطية التي مثلت عائقا أمام اطلاق قدراتها وامكانياتها خلال الحقبة الماضية.. ولقد فرضت الظروف الحالية أن تتركز الجهود من خلال مرحلة انتقالية تقدر بحوالي عام تتجه فيها السياسة الصناعية الجديدة بحزمة إجراءات عاجلة تهدف إلي إقالة الصناعة من عثرتها وتحقيق أقصي حماية لها.. وسرعة العودة بالناتج الصناعي إلي ما كان عليه قبل الأزمة.. واستعادة أسواق التصدير. وبرغم ذلك فإن صناع مصر يراهنون علي أن القطاع الصناعي يمثل بكل المقاييس ركيزة النمو والتشغيل والقادر علي سرعة استعادة معدلات التنمية التي تأثرت كثيرا.. وهم أيضا واثقون من أن جهودا كثيرة وعاجلة سوف تبذل لحماية الصناعة الوطنية والانتاج المحلي.. لتوافر أكبر قدر من الحماية للصناعات الوليدة والجديدة.. وكذا الرعاية للعمالة الصناعية علي وجه الخصوص حتي تحفظ لها مصادر أرزاقها وتحقق لها الحد الأدني من الكرامة الانسانية والعيش الكريم وتأسيسا علي ما سبق فإن الفترة الانتقالية تحتاج بالضرورة إلي خطط وبرامج ثورية لإنقاذ الأوضاع الحالية ومنعها من التدهور ثم تأهيلها فيما بعد إلي الدخول لمرحلة الانطلاقة لمشروع النهضة. إن ظروف الأزمة الحالية تجعل عبور المرحلة الانتقالية مرهونا بالتزام رئاسي وحكومي بحزمة من المساندة تلبي احتياجات الصناعة في هذه المرحلة وتضع حلولا عاجلة لمشكلاتها وتحقيق أقصي قدر من الحماية لها وتتلخص المطالب العاجلة للقطاع الصناعي المصري في الآتي: 1 بذل كل الجهود الممكنة لسرعة استعادة الاستقرار الأمني وتهدئة وطمأنة المجتمع وإيجاد أنسب الظروف لاستعادة عجلة الانتاج لطاقتها الكاملة إحكام السيطرة علي منافذ البلاد لإيقاف التهريب الكامل والجزئي للسلع المستوردة الذي وصل إلي أكثر من نصف حجم بعض السلع التي تستهلكها السوق المحلية وتتسبب في توقف الانتاج كليا أو جزئيا لبعض المصانع التي تتحمل الأعباء المحلية والرسوم الجمركية علي خامتها وآلاتها.. إضافة إلي ضريبة المبيعات. 2 تفعيل الاتفاقات الدولية من حيث تطبيق الإجراءات الحمائية.. وكذا فرض رسوم الإغراق المناسبة علي أي واردات يثبت أنها تدخل بهدف الإضرار بالصناعات الوليدة والجديدة والتي ما زالت في مراحلها الأولي مع إعادة النظر في اتفاقية التيسير العربية لوضع الصناعة المصرية علي قدم المساواة في مواجهة جميع أنواع الدعم التي تحصل عليه صناعات بعض تلك الدول.. فعلي سبيل المثال.. ليس من العدالة أو المساواة أن تواجه صناعاتنا منتجات دول الخليج المدعومة مباشرة بالأراضي للصناعة بدون مقابل.. والقروض الميسرة وأحيانا بدون فائدة والاعفاء من الجمارك وضريبة المبيعات علي الآلات والمواد الخام والأسعار المخفضة للطاقة.. وغير ذلك بما فيه الدعم المباشر, علاوة علي حماية الأسواق المحلية لديهم. 3 إعادة النظر في منظومة المصروفات والأعباء والرسوم المفروضة حاليا علي مكونات العملية الانتاجية, وكذلك السعي بكل الوسائل لإعلام تشغيل الوحدات الانتاجية التي توقفت كليا أو جزئيا عن العمل وسرعة إعادة الوجود بالانتاج المصري في الأسواق العالمية.. مع إقرار برنامج لسرعة تعويم أكثر من0052 مصنع متعثر بسبب مديونياتها ووضع خطط عاجلة لمعاونة بعض القطاعات الصناعية الرئيسية في اجتياز أزماتها وعلي رأسها صناعة الغزل والنسيج والبتروكيماويات والأخشاب, بالإضافة إلي سرعة تقديم حزمة جديدة ومبتكرة من الحوافز تقتل البيروقراطية والفساد الإداري وتشجيع الاستثمارات الصناعية.. 4 خفض الفائدة علي القروض للصناعة الإيقاف المؤقت لأي زيادة في أسعار الطاقة للمصانع وحتي تقوم الصناعة من عثرتها الحالية والاكتفاء بإلغاء دعم الطاقة علي المصانع كثيفة استخدام الطاقة والذي تم مؤخرا علاوة علي منح اعفاء ضريبي كامل وفوري لأي استثمارات تتم في سيناء.. أو معاملتها معاملة المناطق الحرة مع تخصيص الميزانيات اللازمة لتنفيذ خطط التنمية.. ناهيك عن ضرورة سرعة العناية بالعمالة من خلال جميع العاملين أينما كانوا وتوفير الحقوق التي تعتبرها الدول المتقدمة امرا مفروغا منه, كما يجب أن تضمن لهم حقوقا اساسية تتمثل في حد أدني من الأجور ومعايير الصحة والسلامة والرعاية الاجتماعية في العمل.. وألا يطرد العامل من عمله أو يستغني عنه دون مكافأة كفاية.. كما يجب ألا تتعدي الشركات علي هذه الحقوق أينما كانوا مع محاسبة المسئولين عن المظالم التي تقترفها المؤسسات أينما كانت, وأن يسترد الضحايا أيا كانوا ثمن ما لاقوه. المزيد من مقالات محمد فريد خميس