الشرطة الألمانية: حادثة الدهس في باساو قد تكون مرتبطة بنزاع على حضانة طفلة    أبرزها الأهلي وباتشوكا وألمانيا ضد فرنسا، مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    موعد مباراة البرتغال ضد إسبانيا والقنوات الناقلة في نهائي دوري الأمم الأوروبية    مصرع طالبة غرقًا فى ترعة بمدينة سوهاج    فلسطين.. زوارق الاحتلال تطلق النار قرب مركز المساعدات الأمريكية غربي رفح الفلسطينية    انقطاع التيار الكهربائي في ضواحي كييف وغارة روسية بصاروخ كروز على أوديسا    مجلس الشيوخ الأمريكى يقر شطب سوريا من قائمة الدول المارقة    لولا دا سيلفا يقترح مبادرة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأحد 8 يونيو 2025 بعد آخر ارتفاع    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. ثالث أيام العيد    القنوات الناقلة لمباراة الأهلي ضد باتشوكا مباشر اليوم.. والموعد والمعلق    تريزيجيه يعلق على انضمام زيزو ل الأهلي    زيزو بعد وصوله ميامي: متحمس جدا لخوض كأس العالم للأندية لأول مرة في حياتي    زيزو يكشف سر رقم قميصه مع النادي الأهلي.. ويختار اللاعب الأفضل في مصر    أوليه: ريفر بليت حاول ضم رونالدو لأجل كأس العالم للأندية    تريزيجيه: هددت طرابزون بعدم اللعب مجددا حال عدم الانتقال للأهلى    خاص| كريم عبد الباقي: تحرك نقابي عربي للدفاع عن السعودية في لجنة المعايير    عقرهم كلب.. كواليس إصابة طالبين في مشاجرة داخل سايبر بالعجوزة    كان بيعدي الشريط.. دفن جثة شاب دهسه قطار بالحوامدية    خلافات عائلية تتحول إلي شروع في قتل ببولاق الدكرور    مصرع طفل وإصابة آخر دهستهما سيارة ربع نقل في قنا    مصرع عامل وإصابة 9 آخرين في انهيار سقف مخزن جلود بالبحيرة    إصابة أسرة كاملة في تصادم سيارة بموتوسيكل أعلى دائري الهرم    محمد عبده يطرب جمهور دبي في ثاني أيام العيد بحفل استثنائي    عرض مسلسل فهد البطل على قناة MBC1    نسرين طافش جريئة وميرنا نور الدين أنيقة..لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    يبدأ اليوم.. برنامج احتفال "القومي للطفل" بعيد الأضحى المبارك    مدير عام "تأمين الغربية" يتفقد مستشفى المجمع الطبي بطنطا في جولة عيد الأضحى    بدون كربون أو مواد ضارة.. استشاري تغذية ينصح ب «الإير فراير»: تعمل بالهواء الساخن (فيديو)    بعد تناول لحمة عيد الأضحى.. 5 أعشاب لتنظيف وتطهير القولون والتخلص من السموم    بسبب بكتيريا السالمونيلا.. سحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق الأمريكية    أصابوه بعاهة.. التعدي على مسؤول حماية الأراضي خلال تنفيذ إزالة بأرض زراعية بسوهاج "فيديو"    معتز التوني: الإخراج أقرب لقلبي.. وأتمنى تقديم مسلسل اجتماعي بعيدا عن الكوميديا    «صندوق المكافحة»: أنشطة بالمناطق «بديلة العشوائيات» للتوعية بأضرار المخدرات    "بوليتيكو": من المُتوقع أن يتهم الاتحاد الأوروبي إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة    محافظ الغربية: ذبح 1168 أضحية مجانًا داخل المجازر الحكومية خلال العيد    البابا تواضروس يناقش أزمة دير سانت كاترين مع بابا الڤاتيكان    تعرف على الخطأ الطبي الجسيم وفقا للقانون    «باعتبرها أمي».. شريف منير يوجه رسالة مؤثرة إلى زوج ابنته أسما (فيديو)    في ذكرى وفاة المشير الجمسي، تعرف على آخر وزير حربية بمصر والمصنف ضمن أبرع 50 شخصية عسكرية بالعالم    بعد هبوطه في 9 بنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 8 يونيو 2025    سعر الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 8 يونيو 2025    إقبال كبير من المواطنين في الدقهلية على الحدائق ثاني أيام عيد الأضحى.. صور    تعرف على برجك اليوم 2025/6/8.. «الثور»: تمل من العطلة.. و«العذراء»: تمر بحالة من الهدوء والتأني    81 عاما من العطاء.. قضتها "نفيسة" في محو الأمية وتحفيظ القرآن للأهالي مجانا    «ماسك» يتحدى «ترامب» ب«حزب جديد» ينافس «الديمقراطيين» و«الجمهوريين»    وزير الخارجية يُندد بمواصلة إسرائيل «انتهاك القانون الدولي»    في لفتة إنسانية.. الرئيس يطمئن على أحد الأئمة ويكلف بعلاجه فورًا    مجلس الوزراء: التوجيه بالمتابعة المستمرة لذبح الأضاحي بالمجازر الحكومية    قد تتحول إلى سموم ..تجنب وضع هذه الأشياء داخل الميكروويف    الحجاج يخلدون رحلتهم الإيمانية في مشاهد مصورة.. سيلفى فى الحرم بين لحظة الخشوع وذاكرة الكاميرا    استمرار أعمال التجميل ورفع المخلفات بميادين الإسماعيلية    كل عام ومصر بخير    فى موسم الرحمة.. مشاهد البر تتصدر مناسك الحج هذا العام.. أبناء يسيرون بوالديهم نحو الجنة بين المشاعر المقدسة.. كراسى متحركة وسواعد حانية.. برّ لا يعرف التعب وأبناء يترجمون معنى الوفاء فى أعظم رحلة إيمانية    البابا تواضروس يلتقي شباب الإسكندرية بمنتدى كنيسة العذراء بسموحة يوليو المقبل    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكراهية الساخنة
هي حب صاخب
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 08 - 2017

في كل قصة حب; هناك كوخ من أوراق الورد تم بناؤه من أحلام صغيرة, تقيم فيه كل التذكارات حلوها مع المرير منها, ولا أحد من العشاق يسمح لرياح هزيمة الحب أن تقتلع جذوره.
هذا ما كنت افكر فيه بينما كانت خطواتي تفودني صيف1969 إلي مكتب نجيب محفوظ في الدور الثاني من قصر عائشة فهمي الذي كان مقرا لمكتب ثروت عكاشة وزير ثقافة تلك الأيام; وكان الروائي الشاهق مستشارا له. كان شباك المكتب يطل علي النيل الذي تصطف فيه بواخر الترفيه البرئ; اما امتداد النهر إلي ناحية إمبابة والكيت كات فهو موقع اصطفاف لعوامات خبرها نجيب محفوط وكانت مسرحا لبعض من أحداث رواياته سواء في الثلاثية أو فيما جاء بعد الهزيمة العسكرية الصاعقة في يونيو1967, فكانت ثرثرة فوق النيل التي تضم من يبحثون_ عبر الدخان الازرق- عن نسيان لانكسار الحلم في مجتمع غير مهزوم.
وكان تمثال لبوذا ينتصب صامتا في حجرة الكاتب الموسوعي بتفاصيل فلسفة الحياة في بر المحروسة منذ تنصيب الحضارة الفرعونية إلي أحداث ثورة1919, إلي تفاصيل جنة الغياب عن الواقع بحكم ضراوة التغير الإجتماعي. وكان وعي نجيب محفوط بقيمة الزمن هو ما يجعل تنظيمه لحياته من جدية وإنطلاق وسيطرة غير مسبوقة علي مرض السكر, كان هذا الوعي هو ما جعلني أتوقف مرة علي كوبري قصر النيل أثناء ممارسة الكاتب الكبير لرياضة المشي فقد دهمني خاطر مجنون لأحسب الزمن الذي تستغرقه كل خطوة من خطواته في الصباح وكانت كل خطوة تستغرق ثانيتين, في انتظام دقيق كأنها دقات قلب. وتمنيت ذات عصر أن أسمع ما يكلم به أثناء سيره منفردا; فقد راح يشير بيده وكانه يخاطب أحدا, بينما لم يكن امامه سوي مستقبله كما هو حال معظم البشر, وخمنت فيما بعد انه كان يتحدث إلي وجدانه المصقول حيث كان هذا الوجدان يمليه احب روايتين لقلبي ألف ليلة والحرافيش حيث تتدفق الموسيقي عبر المعاني لتقرر خلود الرجل وهو من كان يقطع الكوبري في طريقه إلي مقهي علي بابا لقهوة وسيجارة تتبع فنجان القهوة, ثم لقاء من يواعده.
كان السؤال الذي يعصف بوجداني عند لقياه في مكتبه هو عندي عشرة اسئلة في السياسة وسؤال واحد في الحب وكانت أسئلة السياسة تتجه كلها حول بركان الغصب مما انتهت إليه ثورة يوليو حيث هزم أحدهم_ عبد الحكيم عامر_ فكرة الولاء للوطن; عندما استقر به الحال في سوق المتعة الذي أفضي إلي هزيمة كل الأحلام الكبيرة, قكان تقصيره في المواجهة مع إسرائيل يفوق أي خيال وكانت ثقة جمال عبد الناصر فيه معتمدة علي تقديس الامن الشخصي مع تدهور أمن الوطن كله. صحيح ان ناصر عرض علي المصريين استقالته وأنه يتحمل كل المسئولية; وصحيح ان المصريين رفضوا غيابه عن القيادة وسط دهشة الكون لهذا الرفض; وكأن عموم المصريين قد عرفوا التمييز بين قيادة كانت مخلصة وبها تقصير عنيف وبين من قاموا بالتقصير وهم شلة عبد الحكيم عامر, وصحيح إلي حد موجع أن عبد الناصر قد أعاد تصحيح فهمه لفكرة الأمن فلم تعد مركزة في أمنه الشخصي هو ومن حوله بل أمن كل ما يحمله من أفكار فلجا لمن يحسنون قيادة وتدريب المقاتلين. لكن جرح الهزيمة جعلنا نعود إلي نقطة الصفر وصار علينا أن نبدا من جديد. فهل كانت البداية تحتاج إلي مؤتمر وطني وبيان قرأه عبد الناصر في الثلاثين من مارس. والهدف هو تصحيح مسار ثورة يوليو مع الإستعداد للقتال.
وغرقنا في تساؤلات عن التفاصيل التي قادتنا إلي كارثة النكسة لنقرا مذكرات أحد قادة يوليو الذي اسدل عليه الستار لبعض الوقت هو عبد اللطيف البغدادي ليكتب مذكراته بان عبد الناصر عرف عجز عبد الحكيم عامر منذ نهاية حرب1956, وتاكدت تلك المعرفة بقسوة سوء إختيار من يعملون معه; قكان إنفصال سوريا عن مصر قد تم بواسطه اعضاء مكتب عبد الحكيم عامر. وكان هذا الإنفصال هو الرصاصة شبه القاتلة لمعني القومية العربية التي سبق لها تحقيق إنتصارات لا مثيل لها في تحرير الجزائر غربا إلي اليمن جنوبا وكل قارة أفريقيا التي صارت ضمن كتلة عدم الإنحياز.
وثمن هذا الترهل في عدم إزاحة عبد الحكيم عامر هو القاتل لمئات من الشهداء أثناء انسحاب غير مدروس في حرب يونيو, تلك الحرب التي غسلنا عارنا منها بانتصار ليس له مثيل في حياة الشعوب في اكتوبر1973. عن نفسي لا انسي أنه في عام1966 زرت مع زميلتي نجاح عمر النجمة برلنتي عبد الحميد المتزوجة سرا من عبد الحكيم عامر في شقتها الواقعة فوق شقة نجيب محفوظ الذي ضحك ساخرا يوم وقوع زلزال بالقاهرة وكان الكاتب الكبير جمال الغيطاني في زيارته. وأطلق نجيب محفوظ نكته قال فيها لو أن الزلزال هدم السقف الفاصل بين شقتنا وشقتها لرأينا غادة حلوة. وعندما قرأت ذلك ذات مساء تساءلت هل صحيح ما قالته برلنتي لمن التقتهم بعد إنتحار عبد الحكيم عامر كان يتمني لو إلتقينا قبل ثورة يوليو, كان سيفضل الإرتباط بي عن المشاركة في الثورة وعندما سمعت ذلك قلت لنفسي إن حرف لو هو حرف شعلقة في الجو, وكنت أتمني لوحدث ذلك علي الأقل لوفرنا علي انفسنا ما جري من إنفصال سوريا عن مصر ولكان هناك أحفاد يتذكرون معارك آبائهم في حرب يونيو1967. وقطع خيالي مشهد دموع لم تنزل من عيون شاهد زواجي العميد أركان حرب عدلي الشريف الذي كان مسئول التواصل بين الجيش والخارجية والصليب الاحمر, كانت الدموع يوم إستشهاد عبد المنعم رياض, فقد قال لي ونحن أمام منزل صديقنا الفنان بسمي ميلاد الذي تركنا ليلمع في سماء فلوريدا كفنان مصر, قال عدلي الشريف منعني عبد المنعم رياض من تقديم إلتماس خروج من القوات المسلحة بعد أن عدت من رحلة كلفني بالقيام بها إلي دمشق أيام الوحدة, كي أقدم للمشير عامر أمر قتال تطلق فيه مدفعية الجيش السوري بضع طلقات من هضبة الجولان فتنتهي محاولة إسرائيل لتحويل مجري نهر الليطاني, لكن علي شفيق مدير مكتب المشير إسقبلني بكلمات تسيء لي ولمن أرسلني, فعدت مقهورا بالطائرة التي وصلت مطار دمشق وعليها زوجة علي شفيق وهي المطربة مها صبري. قلت لصديقي عدلي الشريف وهل كانت ترتدي البالطو الفرو الذي إشترته من باريس بعشرات المئات من الفرنكات والتي دفعها مسئول بالسفارة علي أساس أنها ثمن جرائد ومجلات قرأتها بعثة المشير للقاء ديجول ؟. قال عدلي الشريف: لم أدقق فيما كانت ترتديه, لكن دعني أذكرك بان رحلة المشير التي عرفت أنت فيها من صديقة عمرك أن مها صبري إشترت هذا البالطو, وهي في رحلة المشير عامر للقاء الجنزال ديجول, هذه الرحلةحدثت بعد إنفصال سوريا عن مصر.
وإنفجرت تلك الحكايات كلها أثناء لقائي بنجيب محفوظ الذي أراد أن يخرج بي من منطقة حساب ثمن البالطو الفرو; فروي ضاحكا أن الكثير من ثروة صفية زغلول زوجة زعيم الامة سعد زغلول; خسرها سعد باشا أثناء إدمانه للعب القمار. فخطايا القادة مغفورة إن كانت لاتعتدي علي الغير. ولكن كان بيننا أثناء الحوار إتهام يقول فيه نجيب محفوظ عن الذين يؤدون عملهم القيادي بأسلوب عمال علي بطال عليهم الانتباه إلي الحد الفاصل غير المرئي أحيانا بين خيانة المبادئ الكبيرة والتي لا تتجسد أبدا في أي شخصية مهما عظمت.
قررت أن أنهي لقائي بنجيب محفوط عن العجز في الحب المصاحب لهزيمة الأفكار الكبيرة, أجابني بأن الحب لا يكتمل إلا بالإطمئنان. وفي لحظات هزيمة المجتمعات يغيب الإطمئنان ونسترد بعضه بأي مغيب للتفكير
هنا عرفت لماذا دارت ثرثرة فوق النيل داخل عوامة يهرب عليها عديدمن الحشاشين, ولمست أيضا لماذا زاد بعد هزيمة يونيو إستهلاك المهدئات.
وعلي المستوي الشخصي لم أستطع توفير شقة ليتم زواجي بمن صار قلبي علي هيئتها. وكان أي لقاء لنا يبدا بكلمة تحية ناقصة تكتمل بصوتها لتصبح جملة تتبعها بكلمة يأتي إكتمالها كمعني عندما أنطق أنا, فبدء أي لقاء لنا هو موسيقي تنبع مني لتكتمل منها أو تنبع منها فتكتمل بي. وقررنا أن ننفصل كعاشقين ويحتفظ كل منا بالآخر كصديق. لكن في أي لقاء كنا نجد أنفسنا نواصل العشق كأنه لم يسمع بقرار إنفصالنا, وهل يمكن أن أنسي كيف قررنا قضاء يوم كأصدقاء في القناطر الخيرية تحية لرحلة قديمة سافرناها معا إلي هناك وكان هناك لقاء يفوق الإندماج المكتمل رغم أن كل منا كان يجلس بعيدا عن الاخر مراعاة للمراكبي العجوز الذي حملنا في نزهة نيلية ؟ ونعود بالاتوبيس الذي يتوقف بميدان التحرير امام الهيلتون; لأسمع إتهامها بأني أختار الأماكن التي توقظ الأشواق القديمة, فأقرر لها كاذبا أني نسيتها كبطلة لقلبي وانها مجرد صديقة. ويفاجئنا عبد الحليم حافظ داخلا لفندق النيل هيلتون; فيقرر دعوتنا إلي فنجان شاي بالهيلتون; فلم أجب بالموافقة علي دعوته التي تمنيتها, لكن إمرأة جوهر تلك الأيام; كانت اكثر جراءة مني بان أمسكت بيدي لنخطو إلي الهيلتون, سألنا عبد الحليم بشكل مباشر: إن كانت هناك أي عقبات في الزواج دعوني أساهم في مواجهتها. قلت: هي تعمل بالخارج وأنا أعمل هنا. ولا استطيع أن أعيش زوج الهانم. فصرخت هي: هل تريد مني أن أحرق مستقبلي وأعيش كأمينة في رواية بين القصريين ؟. ولم أملك إجابة. مضت تعدد تهوري وغضبي وكثرة مشكلاتي مع العديد من المسئولين, وأنني بتعبير كل من يرأسني مشاغب, فضلا عن إستقلالي وتحملي مسئولية علاج والدتي المريضة والتي يستهلك علاجها كل دخلي فأتحمل دون أن أقول آآه; علي الرغم من ملايين الآهات. عند تلك النقطة قررت ان أقوم غاضبا, فتلحق بي وأنا مرتعد من الخوف أن تتركني وحدي. تسألني هل ما زلت تحبني ؟ فأجيبها بأني أكرهها تلك الكراهية الساخنة النابعة من عشق صاخب, قتضحك قائلة أنت تقرأ مشاعري بكلماتك تلك. فجاذبية كل منا للاخر هي إدمان لا يعرف أحدنا فكاكا منه. أقرر أمامها بأنها فور سفرها سوف تجد من تنساني به. فتقسم أنها سوف ترتكب جريمة قتل لأي واحدة أنساها بها. يتركنا عبد الحليم ليشكونا إلي صديق مشترك هو السفير جمال منصور الذي يجمعنا بدعوة منه, فنقرر أمامه بأنه لا مفر من إنفصالنا.
ترتكب حماقة إعلان خطبتها لغيري وارتكب نفس الحماقة, لكن من قام بخطبتها قال لها بمنتهي الوضوح أنا لا أصلح علاجا لشفائك من حب ضائع وتقول لي من خطبتها نفس الكلمات, فأندهش, لياتي لقاء بيني وبينها فتقول لي لقد إقترب سفرها لعملها خارج مصر فماذا أنا فاعل. فأقرر أني في إنتظار أن ترسل لي بانها وجدت شريك رحلة عمر تتواصل به حياتها. توجه لي اللعنة فأضحك, لأجد دموعا تسبق ضحكاتي في عيوني, وتختنق بالبكاء فتضحك لأن دموعها تفضح مشاعرها.
وتسافر لأنشغل بمتابعة أخبار القتال علي ضفة القناة وتولد أيامها معرفة بالعديد من المقاتلين. ولن أنسي كلمات يوسف صبري أبو طالب أثناء زيارة لي إلي جبهة القتال, وكانت إسرائيل قد دقت بطائراتها موقعا به عدد من المقاتلين, فجرح البعض وصعد عدد منهم كشهداء. وكان يوسف صبري أبو طالب يركب بجانب سائق عربة إسعاف. فيها بعض من جثامين الشهداء وحذرني من فتح باب سيارة الإسعاف الخلفي كيلا يصدمني المشهد. وكان المشهد وقت الوصول إلي المستشفي فوق الإحتمال, وكانت القاهرة تثرثر بإعترافات سيدة تنظيم أوقات الغياب لمجموعة المشير وصلاح نصر. وطبعا بعد وفاة جمال عبد الناصر وبعد إنتصار أكتوبر وخروج مصطفي أمين من السجن بعفو صحي بعد ترجي عديد من زملائه للرئيس السادات, خرج الرجل ليرصد خطايا وأخطاء عصر جمال عبد الناصر. طبعا تناسي مصطفي أمين ان كمال حسن علي مدير المخابرات ايامها اخبر الرئيس السادات بإستحالة الإفراج عن مصطفي امين بعفو شامل لان قضية تجسسه صارخة. وحدث أن إلتقيت بصديق كنت أعلم مدي إيمانه بأفكار عبد الناصر من العدالة الإجتماعية وكثيرا ما نبه إلي خطورة فساد عديد من رجال الحكم قبل النكسة, الصديق هو شعراوي جمعة وزير داخلية عبد الناصر. وقد حاولوا حصاره في إشاعات لم يكن لها ظل من حقائق, بل تدمير وإغتيال سمعة شخصية, ولم يكن يهتم, كان إهتمامه فقط بأن يرعي حق العدل في أي قرار, ولعل هذا ما سهل علي السادات تصفية كل تلاميذ جمال عبد الناصر ليعيد تشكيل المجتمع علي هوي نصائح الطبقة الجديدة التي تكونت سرا في نهايات عصر عبد الناصر والتي رصدها الكاتب صلاح عيسي بسلسلة مقالات في مجلة الحرية الصادرة ببيروت بعنوان محنة الإنزلاق الطبقي. وعلي أثرها صدر قرار إعتقال له من أحد نواب رئيس الجمهورية ولم يفرج عنه إلا بعد وفاة عبد الناصر. ورصد عبد الرحمن الابنودي تلك الطبقة وهو يعيش في السويس وكان يري بعضهم يجمع ما بقي من أخشاب وحديد من البيوت المهدمة بفعل الغارات الإسرائيلية. وعندما سألته لماذا لا تكتب عنهم ؟ كان يقول ولماذا لم تكتب أنت عن نساء الطبقة اللاتي إحترفن الحصول علي تصريحات بالسفر إلي باريس ولندن وبيروت وتعود الواحدة منهن محملة بما يملأ محلات شارع الشواربي بتلك البضائع ؟. كان عبد الرحمن يري أن ستر المجتمع وقت الإستعداد للحرب أمر هام.
ويقرر صديقي الفنان يوسف فرنسيس أن يعالج شرودي العاطفي فيدعوني كلما إستطاع لنادي التوفيقية, لألتقي هناك من تقبلني كما أنا. وعندما يقرر الأطباء جراحة معقدة في كتفي لإصلاحه من حالة شلل جزئي نتيجة سقوطي أثناء التدريب العسكري عام1956; فأجدها في السابعة صباحا بالمستشفي تدير كل شيئ في حجرتي وتناقش الاطباء فيما يجب ان يجري بعد الجراحة. وتظل هي ومحمد زغلول كامل مرابطين أمام غرفة العمليات, وعندما أخرج أقول لزغلول كامل انت وكيل وزارة برئاسة الجمهورية فكيف تترك عملك ؟ فيقول هناك اخوة ترتبط بهم لمجرد معرفتك الجيدة بهم وانت اخي. واتعرف أثناء المرض علي طاهر ابو زيد مدير إذاعة الشرق الاوسط الذي يسألني سؤالا محددا كيف يمكن التعامل مع المراهق وانت دارس لعلم النفس كما توحي كتاباتك ؟ فأقول: أي شاب يحتاج إلي إن يحب ويجد من يحبه ويتيح له المجتمع فرصة للنمو, فيسند لي كتابة برنامج تحت العشرين وكانت تقدمه سيدة الميكروفون سناء منصور ويشاركها الإذاعي الراحل كمال جامع, ثم تسافر سناء إلي إذاعة مونت كارلو وتتولي مديحة نجيب مسئولية إذاعة الشرق الأوسط فتكلف زميلها المقتدر المخرج الكبير محمد علوان كي يدربني علي التعامل مع الميكروفون فأنجح فأقدم البرنامج مع إيناس جوهر, ودرية شرف الدين. والحرص فقط علي أن نناقش كيف يكون من حق الشاب أن يحب حياته بمجملها ويجد من يحبه لينمو ويساعدني سيد الطب النفسي في مصر أحمد عكاشة ويفكر العالم الجليل الراحل محمد شعلان أن يدخلني في زمرة المعالجين النفسيين فارفض لاني سأضعف عند أول إغراء عاطفي فيضحك كثيرا وتنتؤ شجرة العمر بالشفاء من قصة الحب المراقصة علي سلم الراهية الزاعقة, ويكون الزواج ممن تصمت كثيرا وتترك ثمرة أيامنا معا بناء بيت كان خاليا من أي أثاث إلأ غرفة نوم مكتب وأنتريه. وأجد إدارة لأيامي تحترم جنوني وتستقبل تقديسي لعطائها بكل مودة وإمتنان وحب يبدو كنهر النيل بعد تهذيب جنونه.
وعندما أسافر إلي الولايات المتحدة أجدني وجها لوجه مع قدر هائل من سيدات العلاج النفسي, وتفتح د. مارلي أمامي كيف يكون التواصل مع فنون العلاج النفسي, فأبدا في رحلات جديدة من التعلم. وبعد كتاباتي عن تلك الرحلات أجد صوت أحمد عكاشة يحدثني قائلا ما تكتبه لا يفيد القراء فقط بل يفيد الأطباء أيضا. فأقول: يمكنك أن تشكر أستاذنا المشترك الذي تراه أنت أكثر مني ولكني لم أترك حرفا كتبه دون أن أدرسه منذ أن أخترته مثلا أعلي لي وأنا في عمر الرايعة عشر وهو شقيقك د. ثروت عكاشة. ويكرمني أحمد عكاشة بأكثر من لقاء من د. ثروت لأسمع متبتلا ومبتهلا لترانيم الضوء الخارج من كلماته.
..........................
أضحك لصخب الأيام التي تتوالي وأحاول تلمس كيف أروي ما حدث من قصص حب صاخبة تنبع من كراهية ساخنة, فيقرر لي أحمد عكاشة: الأعماق يا صديقي غابة شاسعة الأرجاء نتوه ونحن في دهاليزها إن لم تعصمنا حكمة المواجهة أو حكمة الهرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.