في الوقت الذي تتكاتف فيه الجهود للنهوض بالمجتمع المصري اقتصاديا وسياسيا نجد اغلب السينمائيين يقفون عند حدود الأفلام الاستهلاكية التي تهدف إلي الربح السريع فقط دون النظر في قضايا المجتمع. كما أنه لايوجد لديهم رؤية وإستراتيجية جديدة للنهوض بصناعة السينما والتي في ظل الأحداث الجارية في طريقها إلي الانهيار من أجل تنمية المجتمع والارتقاء بعقل المتفرج والعمل علي تحسين الذوق العام الذي تم إفسادة في الفترات السابقة.. واليوم وبعد أن بدأ يتشكل وجدان المواطن المصري من جديد ماهي الآفاق المأمولة للسينما المصرية وأي سينما نحلم بها في المستقبل؟ الناقد د. حسن عطية يقول: تنقسم اتجاهات السينما الحالية إلي ثلاثة اتجاهات الاول سوقي متدن يعتمد علي إثارة المشاعر الحسية ويقدم أفلاما بها بعض المشاهد الجنسية وهذا الاتجاه من الصعب تغييره والثاني هو اتجاه حرفي يعرف كيف يقدم أفلاما مصنوعة جيدا دون أن يهتم بالرسالة الإجتماعية والثقافية وهذا الاتجاه من الممكن تطويره لكي يلعب دورا في المجتمع. والاتجاه الثالث هو اتجاه مثقف يعرف كيف يقدم أفلاما تعجب النقاد وتقدم في المهرجانات بغض النظر عن إقبال الجماهير عليه, وهذا الاتجاه من الممكن أيضا تطويره للاقتراب من الإتجاه الثاني ودفعهما معا نحو تقديم أفلام تخاطب الجماهير بصنعة عالية وبرسائل تلعب دورا مهما في المجتمع, ومن ثم فنحن في أمس الحاجة إلي وضع خارطة طريق تجمع بين المؤسسات الثقافية والتعليمية المختلفة مع النخبة الجادة من السينمائيين لصناعة سينما مثيرة لوعي المجتمع وتشارك في حاضر ومستقبل الوطن بمعني أن المركز القومي للسينما علي سبيل المثال عندما فكر مؤخرا في تحويل دعم وزارة الثقافة للسينما المصرية من دعم خدمي إلي دعم مالي بأن يمنح هذا الدعم ليس لأفلام المهرجانات وإنما لافلام تعرف كيف تخاطب جمهورها بصورة تؤمن بمدنية الدولة وبحرية الشباب في التعبير وبالتالي أن الاتجاه الرئيسي المطلوب حاليا هو صناعة سينما واقعية لاتقف عند حدود كشف الفساد ونقد الواقع بل تعمل علي عدم تغييب وعي الناس ودفعها للخروج من دار السينما لتغير نفسها وواقعها. وقال الناقد مصطفي درويش: إن من المفترض أن تغير السينما مسارها لأن ماهو موجود الآن يعد أنعكاسات للعهد البائد, وأن السينما لابد أن تتمتع بحرية التعبير من غير قيود وهذا ليس معناه إلغاء الرقابة. ولكن بخروج السينمائي من دائرة المحظورات الثلاثة, السياسة والدين والجنس] وأن يكون التعبير عن مشاكل المجتمع بطريقة واقعية, كما نأمل أن تكون للسينما المصرية الطابع العالمي وذلك يأتي بالاهتمام بالموضوعات المحلية وبالمشاكل الواقعية للمجتمع وتبتعد قدر الامكان عن التقليد وبالذات أفلام هوليوود, وأيضا يجب أن ينفتح السينمائيون علي السينمات الأخري وهذا دور معهد السينما مثل السينما اليابانية وسينما كوريا الجنوبية, والاتجاه المناضل للسينما الإيرانية وكيف كانت تقاوم حكم الديكتاتورية الموجودة ويتعلمون منها.. ويضيف درويش: إذا لم نعبر عن الواقع الجديد من الممكن أن تنتكس السينما المصرية وتعود إلي سينما التليفزيون الابيض داخل غرف النوم. كما أري أن المشكلة كبيرة وأن المنتجين من المدرسة القديمة لايوجد عندهم أستعداد لتمويل أفكار جديدة تجعل السينما تنطلق إلي أفاق أخري.. فالمجتمع عندما ينهض يخرج منتجين جدد, وبالتالي هنا دور وزارة الثقافة أن ترشد وتمهد لظهور العناصر الجديدة في مجال الاخراج والتأليف والتمثيل والإنتاج وكافة عناصر العملية السينمائية. الناقدة ماجدة خير الله تقول: علي السينمائيين أن يصنعوا أفلاما جديدة تصلح للعرض في أي توقيت وليس شرطا أن تكون لها علاقة بالثورة لأنها ليست خلطة أو وصفة, والبعد عن الأفلام الاستهلاكية التي تصنع خصيصا للعرض في المواسم, والبعد عن فكرة المكسب السريع حتي تستمر الافلام في العرض. وتقول إن المشكلة الاساسية تكمن في منطق شركات الانتاج التي تسعي بدورها الي المكسب ومع العلم أنه ليس عيبا ولكن لابد من النظر إلي القيمة, ومشكلة المكسب السريع تجعل عمر الافلام قصير ينتهي مع نهاية الموسم المعروضة فيه, فلابد من عمل سينما حقيقية لها قيمة دون النظر الي المكسب, فعلي سبيل المثال عندما أنتجت المنتجة أسيا فيلم الناصر صلاح الدين كانت كل التوقعات أن الفيلم لن يحقق أي مكسب في وقت إنتاجة ولكنه حقق هذا المكسب بعد فترة من العرض.. فنظرية اكسب وأجري لاتصلح, فمن المفترض أن يراعي السينمائيون قيمة الفن ولايجب أن يتعاملوا معه علي أنه صناعة استهلاكية. ويري السيناريست فاروق صبري أنه من واجب السينمائيين أحترام الناس من خلال تقديم موضوعات تحمل الإبتسامة الراقية والفكر الناضج وأن ندعو بشكل غير مباشر إلي نبذ العنف والتعصب الديني لأن الدعوة المباشرة تفقد قيمتها. ويضيف: علي السينمائيين الارتقاء بذوق المتفرج في محاولة لإزالة ماشاهدة من أفلام دون المستوي الي جانب ذلك فإن الناس في حاجة أيضا إلي الابتسامة ولابد لهذه الابتسامة ان تزيل من هموم المتفرج لاننا نعلم جيدا أن له مشاعر وأحاسيس.. وهذه الفترة حساسة للغاية ولايجب التعامل معها باستخفاف وما حدث بعد الثورة ماهو إلا إساءة لها لأن الثورة يجب أن يعقبها تغيرات كثيرة ويجب صياغتها في أعمال ذات قيمة عالية..