ليست هناك عقوبة أشد من الطرد من مكان عشت فيه حياتك لمدة تزيد على نصف قرن فهو بمنزلة الحكم بالاعدام ..ورغم ان العيشة لا تمت للادمية بصلة والحياة بلا أى مظهر للسعادة فلكى يحصل الاهالى على كوب ماء نظيف صالح للشرب عليهم قطع مسافة كيلو مترين سيراً على الأقدام بل ويدفعون مقابل حصولهم على هذه الشربة ،وإذا مرض أحدهم وعجزت الطرق البدائية عن علاجه فعليهم تحمل مشقة 5 كيلو مترات لأقرب مستشفى وهو أصلاً غير مؤهل لاستقبال الحالات الحرجة أو حتى العادية فيضطرون للذهاب إلى أماكن بعيدة عنهم لإسعاف مرضاهم هذه المقدمة تكشف ماساة اهالى قرية مزرعة الجبل الاصفر الذى أصاب سكانها الفشل الكلوى وأمراض الكبد. بداية الحكاية يرويها أهالى القرية القريبة من منطقة الخانكة بالقليوبية قائلين: منذ عام 1913 كانت وزارة الزراعة تلح على عمالها ان يستقروا فى هذه البيوت المبنية من الطين اللبن وارتضوا بها لتقوم الحياة بهذه الأرض حتى مات منهم من مات وبقى منهم البعض يواجه المتاعب وقسوة الحياة بمرها وحلوها ورغم كل الظروف الصعبة التى عاشوا فيها إلا أنهم الان مهددون بالطرد والتشرد وليس المهم إلى أين سيذهبون فهذا لا يعنى وزارة الزراعة ولا يهمها ماذا سيحدث لهم ولكن المهم أن يخرجوا لأن سكنهم الإدارى إنتهت مدته بإنتهاء مدة خدمتهم وليس لهم الحق فى الإقامة أكثر من ذلك. الغريب فى الأمر أن 41 منزلاً من أصل 208 فقط مهدد من فيها بالطرد فالوزارة ملكت 168 منزلاً على اعتبار أن هؤلاء لهم الأحقية فى التملك نهم مدرجون عمالاً فى السجلات أما الباقى فهم إداريون وليس لهم الحق (وهو أمر غير واضح ) يروى الحاج محمود أحد سكان المنازل المهددة من فيها بالطرد الذى يبلغ من عمره 70 عاما بداية المشكلة قائلا: كنت أعمل بالمزرعة منذ عام 1970 وأنهيت خدمتى مديراً عاما بها حيث أفنيت عمرى أنا ووالدى الذى كان يعمل بها أيضاً وكانت وزارة الزراعة تعطى المنزل كمنحة للعامل إلى أن صدر قراراً من وزير الزراعة الأسبق يوسف والى بتمليك 168 منزلًا من أصل 208 واعتبار ال 41 منزلاً الاخرى إدارية لا يتم تملّكها لأصحابها وحاولنا مراراً وتكراراً ولكن دون جدوى. وأضاف الحاج محمود أن من يطلقون عليهم إداريين سجلوا بهذا المسمى الوظيفى لأنه كان يعمل «كاتبا» بالمزرعة على الرغم أنهم ليسوا متعلمين ولا يحملون أى شهادات وفى 2010 صدر قرار وزارى بالموافقة على تمليك ال41 منزلًا أسوة بباقى المنازل بزيادة 10% أى تزيد عن ثمن البيوت المجاورة لنا بهذا المقدار على أن يتم دفع 25% من قيمة المنزل والباقى على 10 سنوات وكانت سعادتنا لا توصف بهذا القرار ولكن سرعان ما تبددت أحلامنا بعد ثورة يناير وانقلب الحال وبعدها توالت الحكومات ولم يهتم بنا احد. اما الحاجة زينب مصطفى الشرقاوى تقول: ولدت فى هذا المنزل أنا وإخوتى وبعد وفاة والدى تزوجت وأنجبت أولادى الثمانية وبعدها زوجت أولادى الذكور معى لصعوبة الحياة فهم يكسبون بالكاد قوت يومهم ولا يستطيعون شراء منزل خاص بهم فأصبحنا نعيش معاً فى منزلى الصغير المكون من 3 غرف فقط وحمام مشترك. وبانفعال شديد وبكاء حار قالت زينب منذ فتحت عينى ولا أعرف سوى هذا المنزل على الرغم من حياتنا الصعبة هنا فى المزرعة حيث لا توجد مياه صالحة للشرب ولا توجد بالمزرعة خدمات فأقرب مستشفى على بعد مسافة 5 كيلو مترات ولا توجد بها حتى الإسعافات الأولية ولا يتوافر بها أطباء فى جميع التخصصات فنضطر عندما يمرض أى شخص للذهاب إلى أماكن بعيدة. ولا يختلف الحال مع أسرة الحاج إبراهيم الدمنهورى الذين توفى والدهم منذ عام وعاش أبناؤه الثلاثة فى المنزل المكون من غرفتين تزوجت الابنة الكبرى وشقيقها به وكان أبوهم يعمل فى المزرعة منذ نحو 60 سنة وأولاده الآن خائفون على مستقبلهم إلى أين سيذهبون لو تم طردهم بالفعل وهم لا يملكون من حطام الدنيا شيئا سوى هذا المنزل. وردا على كل هذه الشكاوى سألنا المتحدث الرسمى لوزارة الزراعة حامد عبد الدايم وأكد أن السكن الإدارى يسقط حق الانتفاع به بمجرد خروج العامل والموظف للمعاش، مضيفا أن وزير الزراعة يعمل للصالح العام ولا يرضيه بالطبع تشريد تلك الأسر وإذا ثبت بالأوراق والمستندات التى سنبحثها أحقيتهم فى هذه المنازل فسوف نعمل لصالحهم.