حين نطرح بعض التحديات أو المعوقات أو حين يتم الإشارة إلى بعض السلبيات والمحاذير فان ذلك لا يعنى رسم صورة متشائمة للواقع الاقتصادى والحقيقة اننا نسعى من خلال ما نطرحه على الرأى العام وأمام صانعى القرار إلى الكشف عن ملامح ورؤى واقعية من خلال خبرة العمل التنفيذى بهدف تدعيم المسار الاصلاحى للاقتصاد المصري... فبدون أى مزايدات نحن ندرك أن برنامج الاصلاح الإقتصادى هو حتمى وليس اختيارا ، كما أن قرارات إعادة هيكلة الدعم ورفع أسعار المحروقات والكهرباء والغاز هى ضرورة لا غنى عنها كما أن اللجوء لاستخدام بعض الأدوات النقدية فى ضبط حركة السوق هو شر لابد منه .. ولذلك فإننى أسعى فى كل ما أكتبه وما أصرح به لوسائل الاعلام على أن أظل دائماً متمسكاً بالحرفية والحيادية ولم ولن أكون مغايراً للحقيقة أو مجاملاً أو متشائماً فى معادلة تستهدف المساهمة فى توجيه الانظار لبعض مواطن الخطر أو بعض الاشكاليات التى يجب على صانع القرار النظر إليها بعين الاعتبار. ورغم كل المحاذير أو التخوفات إلا أن ذلك لا يمنع من التأكيد على تفاؤلنا بمستقبل الاقتصاد المصرى وأكثر ما يدفعنا الى ذلك بعيداً عن الأرقام والاحصائيات هو بطولة المُواطن فى تحمل أعباء واجراءات الاصلاح الاقتصادى .. فهذا الصبر وهذا التفهم من جانب المواطن هو أهم انجازات البرنامج الاقتصادى المصري... واذا كانت تقديرات المسئولين صحيحة بأنه قد تم تنفيذ 80% من الاجراءات الصعبة فإن ال 20% الباقية لن تمثل مشكلة كبرى خاصة وأن معدل دوران أعباء قرارات تحرير سعر الصرف قد اقترب من تحقيق التوازن مع حلول موعده السنوى فى نوفمبر القادم بمعنى الدخول الى مرحلة توازن جديدة يمكن بعدها أن يشهد الاقتصاد حالة من التحسن فى الاتجاهات المؤثرة على ميزانية المواطن وتجعله يبدأ بشكل مؤقت وتدريجى فى حصاد نتائج تحمله الإجراءات الصعبة فى المرحلة الماضية. وبطبيعة الحال وإذا كنا حالياً أمام بعض المؤشرات التى تمثل أعباء على المواطن والمنتج والمستثمر والصانع إلا أننا فى المقابل قد استطعنا خلال الفترة الماضية التقدم على بعض المسارات الهامة ومنها ارتفاع الرقم الاجمالى للناتج القومى 4.3 تريليون جنيه فى ديسمبر الماضى وانخفاض عجز الميزان التجارى وانخفاض عجز ميزان المدفوعات وأيضاً انخفاض عجز الموازنة المتوقع إلى 9.3% فى المتوسط عن العام المالى 2017/2018.. والنقطة الايجابية الأكثر أهمية من وجهة نظرنا هى ارتفاع معدل النمو لحوالى 3.6% خلال العام الماضى مع توقعات باستمرار المزيد من الارتفاع خلال الفترة القادمة ويعتبر هذا المؤشر هو أهم المؤشرات على الاطلاق لأن زيادة معدل النمو يعنى زيادة حجم ما ننتجه فى مواجهة حجم ما نستهلكه .. ومن المعروف أن أكثر الطرق فاعلية لخفض الأسعار هو زيادة المعروض من خلال الأدوات والوسائل الإنتاجية المحلية وهو ما لايمكن تحقيقه بدون اقتصاد قوى ذى معدلات نمو عالية... فإذا كان العبء الرئيسى الآن والشغل الشاغل للحكومة والمواطنين هو كبح جماح الأسعار فإن الأمر المؤكد هو أن المبادرات والعروض والحملات الرقابية وغيرها كلها ما هى إلا أدوات أشبه بالمسكنات الوقتية وهى أيضاً ذات آثار جانبية ضارة ، أما الحل الجذرى فهو فقط وفقط فى زيادة المعروض من الانتاج المحلى .. وهو نفسه العلاج الضامن لتوازن سوق الصرف واحتفاظ الجنيه بقوته فى مواجهة الدولار .. فاستمرار ارتفاع معدل النمو هو الحل الأكيد لكافة مشكلاتنا الراهنة سواء ارتفاع الأسعار أو تذبذب قيمة الجنيه أمام الدولار أو ارتفاع تكاليف الاقراض وتكاليف خدمة القروض وغيرها من المشكلات التى تعتبر زيادة معدل النمو وما يتبعه من زيادة المعروض من المنتجات والسلع محلياً هو حصان «طروادة» الانطلاق المصرى القادم...