بعد عقود طويلة وسنوات من الإرتحال والرحيل .. كيف تبدو بيوت المشاهير التي شهدت ميلادهم بالريف المصري ؟ ما هو حال مساقط رؤوس أعلام مصر الذين تفتحت أعينهم بها وبزغت مواهبهم المختلفة على ترابها في مجالات الفن والثقافة والسياسة والأدب والدين وصاغوا بحبات عرقهم أمجادا خالدة ونقشوا إنطلاقا منها أسماءهم في سجل النور والخلود ؟ ماذا تبقى من روائحهم وأنفاسهم وما شهادة المكان والزمان على حضورهم العريق ؟ وكيف تدثرت ذاكرتنا الجمعية بغيوم عبقرياتهم وتجاهلت تخليدهم في ذات البقع التي تفجرت فيها ينابيع عطائهم للوطن والعروبة والإنسانية ؟ في رحلة العودة إلى الجذور وجولة إستكشافية إلى عبق الماضي قررت ( الأهرام ) تقصي منابت النبوغ حتى تتعرف الأجيال الجديدة التي ربما طمست ذاكرتها الهشة فنون الحداثة الإلكترونية ، على كنوز الشامخين من جيل الرواد المصريين ، فعمدنا إلى البحث عما تبقى من تفاصيل وروائح الخالدين في قراهم ومرابع إشراقهم ، أسماء من ذهب سطعت في سماء الشهرة منذ منتصف القرن العشرين وما تزال ، كل علم منها أسطورة فريدة شكلت وعينا الثقافي والفني والأدبي والديني ، كوكب الشرق أم كلثوم وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ، وأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد ، وإمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي ، ولحن السماء سيد النقشبندي ، وكروان المداحين نصر الدين طوبار ، وعضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو عبد اللطيف البغدادي ، والباشا الوطني وصاحب أول رواية عربية إسمها « زينب « الدكتور محمد حسين هيكل ، وأمير اللغة والشعر فاروق شوشة ، ونابغة مصر فاروق الباز ، وأسطورة المخابرات صلاح نصر .
دقادوس .. الميلاد والمدفن لإمام الدعاة الشعراوى كان يسمع أم كلثوم ويحب أحمد شوقي وقال لمحمد عبد الوهاب : « حتى كلامك العادي فيه لحن »
في دقادوس مركز ميت غمر يشع النور من بعيد قبل أن تصل إلى القرية ، فهنا ميلاد الإمام المجدد الشيخ محمد متولى الشعراوي ومدفنه أيضا ، كل أبناء القرية يشعرون بالفخر والإمتنان للعالم الجليل الذي ترك لهم «مجمع الشعراوي» الذي حرص على أن يكون دعم وسندا للفقير، ومأوى لمن لا مأوى له، وعلم للأمي، وصدقة لروحه عندما يقابل ربه. يحكي عبد الرحمن مصطفي البياضي، صديق الشيخ الشعراوي، والذي ذكر اسمه كثيراً في أحاديثه، وبعض من مؤلفاته، «كان الشيخ يهتم لأمر الناس أكثر من نفسه، ولا يتباهي بشئ يفعله لأحد، حتى أنه بنى مدرسة كبيرة، ورفض وضع إسمه عليها، وأهداها للتربية والتعليم وسميت بإسم «مدرسة علي بن أبي طالب». وعن حياته، كان الشعراوي يسمع أم كلثوم، وخاصة القصائد الدينية، وكان يحب محمد عبد الوهاب، ويذكر أنه اجتمع معه في السعودية في حضرة الملك، وأثناء حديث عبدالوهاب، قاطعه الشعراوي، وقال له:»حتى كلامك العادي فيه لحن، وزي ما تكون بتغني «، كان شديد الحب للشاعر أحمد شوقي، وقصائده، وخاصة، «نهج البرده»، ومسرحية كيلوباترا. ويضيف البياضي أن الشعراوي كان له باع طويل في السياسة، وإنتمى لحزب الوفد، وحبس في صغره وهو طالب ، وكان رئيس اتحاد الطلاب، يخطب في الطلبة، والناس ببراعة شديدة. وسرد شريف عيسى 28سنة محامي موقفا رواه عن جده أن الشعراوي آتي في زيارة لقريته دقادوس فجاءت الناس مهرولة عندما سمعوا خبر مجيئه والتفوا حوله ليحملوه على أعناقهم فشعر بالكبرياء لبرهة، وعندما أحس بأن الكبرياء سيتملكه، دخل إلي أحد المساجد، وقام بتنظيف دورات المياه، حتى يخرج ذرة الكبر التي شعر بها من قلبه». وتابع أحمد رأفت 65عام: «الشيخ الشعراوي فخر للمسلمين، وعلى المستوى الشخصي، فهو فخر لي ولمدينة ميت غمر، فأنا تعلمت منه الكثير، وأشعر بالارتياح الشديد عندما أسمعه، فهو يمتاز بالأسلوب السلس، والمرن، وبلاغته العالية، وهو يعد من افقه فقهاء العصر الحديث، فنحن نفتقده في هذه الأيام بشده، وإن كان الشيخ الشعراوي قد زال بجسده، والدوام لله فهو باق بعلمه وتفسيره للقرآن الكريم . ويكمل وجدي عبدالرحيم صاحب ال 80 عاما: «الشيخ الشعراوي رجل علامة في الدين، وأحب خطبه واستفاد منه، وانتظر يوم الجمعة لأشاهده بعد الصلاة مباشرة في خطبه المذاعة عبر التلفاز، وله مقوله جميلة، أتذكرها دائماً وهي، «الرجال يقولون الحق، ولا يخافون لومة لائم».
أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد إبن قرية برقين صاحب مقولة « الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية »
في قرية برقين مركز السنبلاوين ولد أستاذ الجيل، وأبو الليبرالية المصرية، أفلاطون الأدب العربي، كما قال عنه عباس العقاد، فكان من الطبيعي أن يرفع اسمه على مدرسة قريته، «مدرسة أحمد لطفي السيد الإبتدائية» . ولد أحمد لطفي السيد في 15يناير 1872 من عائلة كبيرة وثرية. نشأ في أسرة على جانب من الثراء، فأبوه السيد باشا أبو علي كان عمدة للقرية ومن أعيانها، فعُني بتعليم ولده، فألحقه بكُتاب القرية، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بمدرسة المنصورة الابتدائية سنة 1882، وبعد ثلاث سنوات من الدراسة انتقل إلى القاهرة، والتحق بالمدرسة الخديوية الثانوية، وظل بها حتى أتم دراسته الثانوية سنة 1889 . ويقول الحاج عبدالحي الزيتوني صاحب السبعين عاما والذي كان يسكن بالقرب من مسكن أحمد لطفي السيد، وشديد الالتصاق به أنه كان يأتي إلى القرية على فترات متباعدة، ويلتف حوله أهل القرية، ويرحبون به، ويجتمع معهم داخل السرايا الخاصة به التي لم يتبق منها سوى الجدران المتصدعة، والمتأكلة من الرطوبة التي تكاد تصل إلى السقف ، مشيراً إلى أنه كان يهتم بوقته للغاية، ويصل به الاهتمام إلى النظر في الساعة عند جلوسه على مائدة الطعام، وعند فراغه من الأكل . وتمنى الزيتوني لو أن يكون له أحفاد مثل أستاذ الجيل، في أخلاقه، وحبه للعلم، واهتمامه برفعة شأن وطنه». مات أحمد لطفي السيد في 5 مارس سنة 1963 في القاهرة .
النقشبندي .. لحن الملائكة حارة الشقيقة بقرية دميرة بطلخا شهدت ميلاده وظل فيها 10 سنوات ومنزله هدم قبل فترة وزوجته الثانية من قرية مجاورة
الشيخ سيد النقشبندي والمعروف بأستاذ المداحين وقيثارة السماء وصاحب المدرسة المتميزة فى الابتهالات لقب بالصوت الخاشع، والكروان الربانى واللحن الملائكي ، ولد عام 1920 في حارة الشقيقة بقرية دميرة التابعة لمركز طلخابالدقهلية وما تزال القرية تحتفظ بأنفاسه وصيته الكبير وتفخر بأنها مسقط رأسه على الرغم أنه لم يبق فيها سوى 10 سنوات ثم إنتقل مع أسرته إلى طهطا بالصعيد قبل أن يستقر في طنطا حتى وفاته . أغلب أقاربه إما ماتوا أو غادروا القرية وحتى زوجته الأخيرة من قرية الطيبة القريبة من دميرة تعيش في طلخا مع ثلاثة من أبنائها وهي السيدة هدية عبد العزيز غنيم والتي أنجبت منه إبراهيم ورابعة والسيد ، أما البيت الذي ولد به النقشبندي فقد تم هدمه وجرى بناؤه قبل 6 سنوات لكن القرية كلها تعرف موضعه وتتبرك بوجود خيط يربطهم مع الشيخ الجليل . في حارة الشقيقة حيث ولد النقشبندي يؤكد الشيخ عبد المعز الشربيني أحد القراء بالقرية ومن المعاصرين للشيخ سيد النقشبندي أن الشيخ كان قارئا ومنشدا ومبتهلا ومتصوفا كبيرا ، حيث شرب من التصوف حتى ارتوى، فأذابه وقد تحول الى روح شفافة تحلق فى الآفاق هائمة فى حب الله ورسوله ، مما جعله يتربع على عرش الابتهالات والانشادالدينى . أما الشيح محمود قنديل أحد القراء بقرية دميرة فيحكي بأن الشيخ سيد كان خلوقا جدا وكان دائما مايحاول مساعدة الفقراء ، وكان دائما يقرأ القرآن بمسجد العمري بقريته دميرة بعد كل صلاة ، وكان يحفظ العديد من القصائد للبوصيرى وابن الفارض وأحمد شوقى كما كان شغوفا بقراءة الكثير من مؤلفات المنفلوطى والعقاد وطه حسين . ويشكو عبدالفتاح الخولي أهالي القرية من تراكم المشاكل وضعف الخدمات رغم صرخاتهم المتكررة إلى المسئولين مع أن عدد سكان القرية يتجاوز 120 ألف نسمة وتعتبر من أكبر القرى كثافة في محافظة الدقهلية . ويضيف الخولي أن القرية التي أنجبت الشيخ سيد النقشبندي والأديب أحمد حسن الزيات والكاتب سعد الدين وهبة وزارها الرئيس جمال عبد الناصر لتوزيع الأراضي علي الفلاحين تواجه نقصا شديدا في خدمات الطرق والكهرباء والنظافة والصرف الصحي .
صاحب « لغتنا الجميلة» وابن قرية الشعراء فاروق شوشة خلال دراسته بالثانوية ألف ديوان شعر اسمه « على مسرح التاريخ »
أمير اللغة والشعر والبيان صاحب « لغتنا الجميلة « الذي فارقنا منذ وقت قريب فاروق شوشة الشاعر والأديب والإعلامي ورئيس الإذاعة الأسبق إبن قرية الشعراء بدمياط ، ولد بمنزل والده والذى كان آنذاك بمنطقة تسمى قنال عزب « النهضة حاليا» قبل أن ينتقل الى منزلهم الحالي بقرية الشعراء وهو الابن الأكبر لأبيه وكان والده يعمل مدرسا بمدرسة الشعراء الابتدائية وتدرج في المناصب التعليمية حتى حصل على درجة مدير عام بالتربية والتعليم . أتقن فاروق شوشة اللغة العربية عن طريق حفظه للقرآن الكريم بكتاب القرية عن طريق الشيخ عماشة محفظ القرآن الوحيد في القرية إنذاك كما تقول شقيقته الصغرى ثم التحق بالتعليم الإعدادي بمدرسة دمياط الإعدادية للبنين ثم دمياط الثانوية العسكرية وخلال دراسته بالثانوية قام بتأليف ديوان شعر اسمه « على مسرح التاريخ « وكان لمكتبة والده الفضل الأكبر في إجادته للشعر وصقل موهبته الشعرية حيث كان يوجد بها كتب لكبار الشعراء وحفظ الكثير من شعر أمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ،وعقب ذلك التحق بكلية دار العلوم وكان من المتميزين بها ومن الأوائل على دفعته ، ثم عين مدرسا للغة العربية بمدرسة النقراشي الثانوية لمدة عام واحد . عندما طلبت الإذاعة المصرية مذيعين جدد تقدم شوشة للاختبارات ولم يوفق في السنة الأولى لرفضهم خريجي دار العلوم ولكن في السنة الثانية تقدم فحصل على المركز الأول على المتقدمين . يقول الصحفي بجريدة الأهرام والإعلامي حسن سعد إبن شقيقة فاروق شوشة أنه كان دائم الزيارة لوالده ووالدته وأخواته وكان يجتمع في كل زيارة بأصدقائه وكان شديد الارتباط بهم وحريص على زيارتهم وعقد جلسات معهم على المقهى الوحيد آنذاك بقرية الشعراء وكان مرتبطا بهم وبأولادهم من بعد وفاتهم حتى مماته . ويضيف حسن سعد : كان مصدر الهام فاروق شوشة للشعر في القرية أثناء زيارته لها ومن قبلها أثناء طفولته شجرة نبق شهيرة كان يجلس عليها في أطراف القرية وظلت هذه الشجرة من علامات القرية ومزاره حتى فترة قريبة , ومن شدة إرتباطه بالأسرة كان مواظبا على الإتصال به أسبوعيا يوم الجمعة في الصباح الباكر ولم يتغير هذا الاتصال حتى وفاه والده عام 1997 . وكان الشاعر الكبير رحمه الله حريصا على اجراء هذا الاتصال حتى وهو يمارس عمله خارج مصر . تزوج شوشة بعد قصة حب كبيرة من الإعلامية المعروفة هالة الحديدي ابنة المرحوم عبد الحميد الحديدي رئيس الإذاعة الأسبق والذي تبناه في بداية حياته الاذاعية الذي قال عنه المرحوم أنه صاحب فضل كبير عليه .
يونس شلبى إبن ميدان الطميهي بالمنصورة نجاح العجوز ابن أخته : خالى واجه تجاهلا تاما من زملائه خلال أزمته المرضية وزوجته اضطرت إلى بيع بيتها لعلاجه
يونس شلبي، صاحب السعادة، والضحكة الزيادة، رغم حالته المادية المتعسرة، أخ لأختين، عاش يتيماً، وتحمل المسئولية منذ طفولته، ولد بميدان الطميهي، بمدينة المنصورة، حاول محاربة الفقر، والأزمات المالية، ولكنها كانت تلاحقه، ثم سافر إلى القاهرة وبدأ كفاحه في طريق الفن، والشهرة، ورغم ما مر به يونس شلبي، إلا أنه كان سببا في رسم الإبتسامة على وجوه الكثيرين. درس شلبي بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة. وجذب الانتباه إليه بدور منصور في المسرحية الشهيرة مدرسة المشاغبين مع سعيد صالح وأحمد زكي وعادل إمام.تألق يونس شلبي في مسرحية العيال كبرت وفي السينما شارك في العديد من الأفلام مثل الكرنك وقام ببطولة عدد منها مثل سفاح كرموز والشاويش حسن. اشتهر يونس شلبي أيضا في مسلسل “بوجي وطمطم” وهو مسلسل للأطفال قدم على مدى سنوات في شهر رمضان. كما شارك في أكثر من 20 مسلسلا تلفزيونيا منها عيون والستات ما يعملوش كده وأنا اللي أستاهل. ويحكي محمود الدالي صديق طفولته:» كان مهتما في صغره بلعب الكرة، نتجمع ونلعب في ميدان الطميهي، وعندما يكسب فريقه، يظل يقول النكات على الفريق الآخر، حتى ينصرفوا من الجلوس معه، وإذا خسر، يقول: «يادوب نلحق ننام عشان المدرسة»، كان متميز بخفة الدم، ولديه موهبة تقليد الأصوات، وكثيراً كان يقلد الزعيم جمال عبدالناصر في خطبه» يحكي نجاح العجوز إبن أخت يونس شلبي عن المعاناة التي واجهها الفنان في حياته، قائلا: « واجهنا تجاهلا تاما من قبل نقابة الممثلين خلال الأزمة المرضية التي مر بها يونس شلبي، وسعينا كثيراً في جميع الجهات لنتمكن من علاجه على نفقة الدولة، كحال جميع الفنانين بمصر، ولأن هذا دور من أدوار النقابة ، ولكن تخلت النقابة عن دورها وتخلت عن واحد من أبنائها في وقت محنته، مما اضطر زوجته لبيع منزله بمسقط رأسه بالمنصورة ، حتى تتمكن من تغطية تكاليف علاجه، وقد صرح الفنان نفسه لإحدى الصحف، أنه لقي إهمالا شديدا من اصدقائه الفنانين، حيث لم يسأل عليه سوى اثنين أو ثلاثة على الأكثر. ورغم البهجة والسرور التي رسمها يونس شلبي على وجه الكثير من المصريين، إلا أنه لم يلق أي تكريم لاسمه بمكان نشأته بميدان الطميهي بالمنصورة. توفي سنة 2007، عن عمر 66 سنة، ودفن بمدافن العيسوي بمدينة المنصورة.
كوكب الشرق وطماى الزهايرة بالنسبلاوين مشروع المتحف باسمها تحول إلى ورش حدادة مزعجة
كوكب الشرق أم كلثوم إبنة « طماي الزهايرة « مركز السنبلاوين وهي قرية تبعد عن مركز المدينة بخمسة كيلومترات وعن مبنى محافظة الدقهليةبالمنصورة نحو 30 كيلومترا لا أثر لها في مسقط رأسها وهي التي خلعت أساور ذهبها ومصوغاتها وجابت عواصم العالم لتقدمها بروح طيبة وسخاء منقطع النظير إلى خزينة مصر في المجهود الحربي إبان نكسة 67 وحرب الإستنزاف . في الطريق إلى القرية من مدينة السنبلاوين لا شيء يدل على هوية « ثومة « إلا تمثال يعلوه الغبار ولا يليق بمكانتها وضع في مدخل المدينة، وفي طماي الزهايرة لا توجد علامات إرشادية تدل حتى على إسم القرية ، لكن المؤلم حقا أن إسم أم كلثوم غاب عن كل شيء في مسقط رأسها وكأن هناك حالة تجاهل مقصودة لسيدة ألهمت الناس الحب والحنان والعشق . فلا مدرسة أو مستشفى أو مركز ثقافي أو أي مشروع يحمل إسمها في القرية بإستثناء عزبة أم كلثوم وهي منطقة مجاورة للقرية كانت تملكها أم كلثوم على مساحة 160 فدانا باع الجزء الأكبر منها بعض ورثتها من أبناء أختها سيدة وزوجها الدكتور حسن الحفناوي وأزيلت إستراحتها منها ، والغريب أن أبناء القرية يذكرون أن إسرائيل أطلقت إسم أم كلثوم على أحد شوارعها . هدم بيت أم كلثوم من خمس سنوات إلا من غرفتين يتيمتين في أحد أركانه أسعدنا صمودهما وربما نسيانهما ، ولم يفكر أحد في شراء البيت وترميمه وتحويله إلى متحف سواء من أهلها أو من الدولة . في المنزل يسكن خالد سمير رضوان عبد النبي البلتاجي وجده يكون إبن عم أم كلثوم قال أن الشيخ إبراهيم البلتاجي والد كوكب الشرق وإخوته عاشوا في هذا المنزل قبل أن يسافر إلى القاهرة . ويفخر خالد بجدته أم كلثوم لكنه يؤكد أنه وإخوته لم يستفيدوا شيئا منها سواء في الميراث أو حتى فرصة عمل رغم تربعها على عرش بيع الإسطوانات والأشرطة حتى الآن وإستفادة الشركات منها ، وكل الناس والمشاهير يزورون المكان ويترحمون على الست ويقدمون الوعود ثم يرحلون في صمت . ويؤكد شقيقه شعبان سمير رضوان أن حوالي عشرة أشخاص على الأقل من أسرة أم كلثوم عاطلون وبعضهم يعمل في جمع القمامة أو عمال ، مشيرا إلى مشروع لمتحف للسيدة أم كلثوم بقريتها وضع حجر أساسه من قبل محافظ الدقهلية ومسئولين كبار منهم ثم أزال مالك الأرض من أحفادها اللوحة وباع الأرض لتصبح بعد ذلك ورش حدادة مزعجة وليذهب الحلم هباء حيث يأتي زوار من الصعيد ومن الخليج ودول عربية ليسألوا عن مسقط رأس الست ويعيشون الصدمة عندما يعلمون أن وجودها أصبح أثرا بعد عين .
عبد اللطيف البغدادى أول طيار مصرى ألقى قنابل على تل أبيب سراياه في قرية شاوة تفتحها أخته بالمناسبات لمساعدة المحتاجين
في قرية شاوة مركز المنصورة تحول منزل عبد اللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 من سرايا فخمة، إلى مبنى تسكنه الأشباح والحيوانات والحشرات، وتنتشر فيه القمامة. البغدادي كان والده عمدة هذه القرية. حصل على البكالوريا من مدرسة المنصورة الثانوية 1937، ثم التحق بالكلية الحربية وتخرج فيها في 31 ديسمبر 1938 وكان الثاني على دفعته، ثم التحق بكلية الطيران وتخرج فيها عام 1939 وكان الأول. كان البغدادي أول ضابط طيار مصري ألقى قنابل على تل أبيب. حصل على وسام النجمة العسكرية مرتين خلال حرب فلسطين، وهو قائد أول تنظيم سرى في سلاح الطيران. في عام 1948 تم تعيينه قائداً لمحطة طيران غرب القاهرة. وتقلد العديد من المناصب السياسية الهامة، وتوفي في 8يناير 1999تقدم جنازته الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. يقول أحمد عبد الجواد أحد العاملين السابقين بالمزرعة الخاصة به في شاوة : «كان يأتي إلى القرية يوم أو اثنين في الأسبوع، نلتف حوله فرحا بوصوله، كنا نفتخر به وبما وصل إليه من مناصب، ونغبطه على وطنيته وشجاعته الواضحة وضوح الشمس، كان ينصف المظلوم ويأبي المصالح الشخصية، وإذا طلب منه أحد مطلبا شخصيا، يقول له اطلب شيئا يفيد الجميع، ساهم بأمواله ومعارفه في بناء مدرسة بالقرية، وأنشأ أولاده مركز شباب بالقرية، ولا يتأخرون عن مساعدة أحد . وتقول الحاجة ذكية إحدى جيرانه: «كان زينة الشباب، مثال للإحترام والأخلاق، لا يتكبر على أحد رغم ما وصل إليه من مناصب، لكن الناس كانت تهابه إحتراماً» وتمنى عم هلال حارس السرايا أن تعود الأيام مرة أخرى، وتدب الروح بها من جديد، معبراً عن حزنه الشديد كلما ينظر إلى السرايا التي كانت مليئة بالناس ليل نهار ويجدها خاوية، ويضيف : والد عبد اللطيف البغدادي، كان عمدة القرية، وكانت حجرة استقبال الناس لا تفرغ من أهل القرية، الذي يحكمه في أمر ما، وحين توفي عبداللطيف البغدادي، تحولت السرايا إلى أطلال وتأتي أخته فقط بالمناسبات وتفتحها وتوزع الهدايا على بعض المحتاجين .
أسطورة المخابرات صلاح نصر ابن قرية سنتماى ميت غمر ولد صلاح محمد نصر النجومي في 8 أكتوبر 1920 في قرية سنتماي، مركز ميت غمر، محافظة الدقهلية وكان والده أول من حصل من قريتهم على تعليم عال، وكان صلاح أكبر أخوته لذا كان مميزا كابن بكر بالنسبة لأبيه وأمه. وتلقى صلاح تعليمه الابتدائي في مدرسة طنطا الابتدائية وتلقى تعليمه الثانوي في عدة مدارس نظرا لتنقل أبيه من بلدة لأخرى فقد درس في مدارس طنطا الثانوية، وقنا الثانوية، وبمبة قادن الثانوية بالقاهرة، ونشأ في طبقته الوسطى وكانت أول هدية حصل عليها من أبيه كاميرا تصوير ماركة «نورتون» ثمنها اثنا عشر قرشا عام 1927. في قرية سنتماي، حيث ولد صلاح نصر، لا توجد علامات واضحة عن حضوره ربما لطبيعة عمله ووظيفته أو لأن أهل القرية لم يشعروا بخدماته فيها . يقول الحاج سامي سيد أحمد النجومي 76 عاما وهو إبن عم صلاح نصر وإشترى منزله في القرية أخيرا ، أن صوره مع عبد الناصر والسادات والزعماء ما تزال موجودة بالمنزل ، ويتذكر الحاج سامي طفولة صلاح نصر في مدرسة محسب بقرية كوم النور القريبة من قريته ، مشيرا إلى أن عمه عبد الله هو من أدخله للجيش وبعد وفاة عمه تزوج إمرأته لرعاية أبنائها وأنجب منها أربعة أبناء هم سعاد وسلوى وهاني ومحمد نجيب . ويؤكد الحاج سامي أن صلاح نصر شخصيته قوية جدا ولديه نظرات حادة وفراسة يمكن أن يفهم الشخص الذي يتحدث معه بسرعة ، وأكثر الفترات التي كان يجلس معهم فيها بعد إعتقاله وعودته إلى القرية عدة مرات فكان يسهر معه وهو يكتب مذكراته ، ويعتقد إبن عم صلاح نصر أنه ظلم كثيرا في الإعلام وأنه كان وطنيا مخلصا وأعطى بلده الكثير ، مفسرا الحملات ضده خاصة من مصطفى أمين بكشفه لقضية التخابر مع أمريكا معتبرا أن صلاح نصر كان سببا مباشرا في نجاح ثورة 23 يوليو عام 1952 ، وفي ليلة الثورة قاد صلاح نصر الكتيبة 13 التي كان فيها أغلب الضباط الأحراروعينه عبد الناصر في 23 أكتوبر عام 1956 نائبا لرئيس المخابرات وكان علي صبري مديرا للمخابرات، وكان زكريا محيي الدين مشرفا على المخابرات ، ثم عينه رئيسا للمخابرات العامة المصرية في 13 مايو عام 1957. وهكذا بدأ صعود صلاح نصر. تم اعتقاله وقدم استقالته عدة مرات، وكانت الاستقالة الأولى نتيجة استقالة المشير عامر عام 1962 لأن صلاح نصر انحاز للمشير على الرغم من أن صلاح نصر كان وسيطا نزيها في التعامل بين الصديقين ناصر وعامر وهو الذي أقنع عامر بالعودة، والاستقالة الثانية كانت بسبب قضية الإخوان المسلمين حيث كان عبد الناصر يريد أن يوكلها للمخابرات العامة، ، وقد تم الحكم عليه بعد انتحار أو قتل عبد الحكيم عامر بالمؤبد ، لكنه لم يقض المدة كاملة إذ أفرج عنه الرئيس أنور السادات في 22 أكتوبر 1974 ، وتوفي عام 1982 .
فاتن حمامة ابنة شارع الثانوية بالمنصورة مسابقة جمال الأطفال فتحت لها طريق القاهرة والشهرة
ولدت فاتن حمامة في أسرة متوسطة الحال، بمنطقة شارع الثانوية، بمدينة المنصورة، والدها هو أحمد أفندي حمامة كان من كبار موظفي وزارة المعارف وعمل مدرساً . يحكي السيد إمام أحد جيران بيتها القديم:» كانت تتميز باللباقة في الحديث، رغم صغر سنها، يحب الجميع التحدث معها لخفة الدم، وسرعة البديهة، والردود غير المتوقعة منها، ويقول كنت أقول لها مازحاً» كبرتي وبقيتي عروسة حلوة، فرددت علي برد لم أتوقعه وقالت:» وأنت أكبر»، فرغم صغر سنها كانت تتفنن في الرد، وترى في نفسها الأنوثة والذكاء ، مما ساعدها على النجاح بسرعة شديدة». وتقول الحاجة أم سمير جارة بيت فاتن حمامة المسنة :» فاتن كانت بنت شقية، ولديها كبرياء حتى أنها لم تقض طفولتها لعباً في التراب كباقي أطفال المنطقة، وكلما دعاها أحداً للعب معه، تقول له:» مستنية أنجح وبابا يجيبلي عروسة ألعب بها»، وعندما أحس والدها بموهبتها، نقل حياته إلى القاهرة من أجلها، ورغم أنه تربى في مجتمع شرقي إلا أنه كان متفتحا، ولم يرفض ظهورها على الشاشة، وظل يدعمها إلى أن أصبحت سيدة الشاشة العربية . ويقول جيران سيدة الشاشة أن والدها صحبها معه لمشاهدة فيلم في سينما عدنبالمنصورة ، فانبهرت بالفنانة أسيا داغر والتي كانت تلعب دور البطولة في الفيلم ، وجذبها تصفيق الجمهور وتمنت لو كانت بمكانها ، وبدأ من هنا شغفها وولعها بعالم السينما. وكانت بداية انطلاق فاتن حمامة في التمثيل ، عندما فازت بمسابقة أجمل طفلة، في الوقت الذي كان يبحث فيه المخرج محمد كريم عن طفلة تلعب دوراً في فيلم «يوم سعيد» مع الموسيقار محمد عبدالوهاب وحصلت على أجر قيمته 10 جنيهات . وحين قرأ والدها إعلانًا في الصحف للمخرج محمد كُرَيم يطلب ممثلة طفلة بعث له بصورة لها، وبالفعل سافرت إلى القاهرة وتمت مقابلتها، حيث أعجب بها للغاية وقام بتغيير السيناريو لإعطائها دورا أكبر. بعدها رفض والدها عدة عروض سينمائية حرصًا على مستقبلها الدراسي حتى أقنعه المخرج محمد كريم مرة ثانية بعد ثمان سنوات بأن تعمل فاتن في فيلمه الجديد رصاصة في القلب، فشاهدها يوسف وهبي وقدمها في فيلم ملاك الرحمة ثم في فيلم القناع الأحمر، بعدها التحقت بمعهد التمثيل في دفعته الأولى بعد أن أسسه الأكاديمي والفنان الراحل زكي طليمات . توفيت سيدة الشاشة العربية يوم الأحد 17 يناير 2015 وعمرها 84 عامًا.
فاروق الباز ابن قرية طوخ الأقلام تمت إعادة بناء منزله ويسكنه الأحفاد في قرية طوخ الأقلام التابعة لمركز السنبلاوين أبصر العالم فاروق الباز النور لأسرة بسيطة الحال، اعتادت التنقل بين محافظتي الدقهلية والشرقية التي ولد بها شقيقه الدكتور أسامة الباز إلى أن استقر بهما الحال في قاهرة المعز، فكان ذلك دفعة قوية للدكتور فاروق الباز لأن ينتهي من دراسته الجامعية، ويشرع في أبحاثه في مجال الكيمياء، والجيولوجيا، وتكون بداية طريقة للوصول إلى وكالة ناسا العالمية، والعمل بها. وأخيرا مدير مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن. ولد فاروق في الأول من يناير عام 1938م شجعه الوالدان على التدرج في مراحل التعليم المختلفة، حيث كانا يؤمنان دائما بقدراته ونبوغه. كان والده أول من حصل على التعليم الأزهري في قريته. وكانت أمه رغم بساطتها خير معين له في اتخاذ قراراته المصيرية، إذ كانت تمتلك ذكاء فطريا على حد وصف فاروق لها. كان الباز يهوى منذ الصغر الذهاب إلى الرحلات الكشفية وجمع العينات الصخرية، ومع ذلك لم يسمع عن علم الجيولوجيا، منبع نبوغه، إلا حينما التحق بكلية العلوم. ويقول الحاج محمد الباز 85 عاما، وتربطه صلة قرابة بالدكتور فاروق الباز:» إن ما وصل إليه فاروق وأسامة لم يكن فخرا للعائلة فقط، وإنما لمصر، وأشار أنه منذ فترة لم يأت للقرية نظراً لمسئولياته تجاه مصر وأهلها، مؤكدا أن البيت الذي نشأ فيه، تم هدمه من سنوات، وتم بناء بيت جديد يسكنه أحفاده .