انتهاء اليوم الثالث من تلقي أوراق الترشح في انتخابات مجلس النواب 2025    رفعت فياض يكتب: تزوير فاضح فى درجات القبول بجامعة بى سويف الأهلية قبول طلاب بالطب وطب الأسنان والآداب بالمخالفة حتى وصلوا للسنة الثالثة    سمير فرج يكشف عن خطة مكافحة «مرض الخنادق» في حرب أكتوبر    سعر مواد البناء مساء اليوم 10 أكتوبر 2025    مياه كفر الشيخ: انقطاع المياه لمدة 12 ساعة عن مركز ومدينة بلطيم اليوم    نائب محافظ المنيا يتفقد أعمال تطوير ميدان النيل ومجمع المواقف    أسلاك شائكة.. ما تبقى من مركز المساعدات الأمريكي الإسرائيلي وسط غزة    الأمن اللبناني يعلن تفكيك شبكة تعمل لصالح إسرائيل    «شكرا يا أصيل يا محترم».. رسالة خاصة من نجم الأهلي للنحاس    الحضرى يشيد بدور الرئيس السيسى فى إيقاف الحرب على غزة واتفاق شرم الشيخ    إصابة 7 أشخاص في انقلاب ميكروباص بقنا    نيابة العامرية تطلب تحريات العثور على جثة فتاة مقتولة وملقاة بالملاحات في الإسكندرية    الداخلية تكشف حقيقة فيديو "التحفظ على دراجة نارية دون سبب" بالجيزة    13 فيلما عالميا بمسابقة الأعمال الروائية الطويلة في مهرجان الجونة السينمائي    قصر ثقافة الطفل يحيي ذكرى انتصارات أكتوبر    إيهاب فهمى عن إيقاف الحرب على غزة بعد اتفاق شرم الشيخ: مبادرة ومباراة رائعة    وزير الصحة يوجه بتكثيف المرور الميداني ل12 محافظة لإتمام 28 مشروعا صحيا    اليوم العالمي للصحة النفسية.. هل نمنح عقولنا ما تستحقه من رعاية واهتمام؟    خبير قضايا الجرائم الإلكترونية: دليل سريع لتأمين الراوتر وكلمات المرور    مواهب مصرية في الملاعب الأوروبية تنضم للمنتخبات    الخارجية الفرنسية: علينا تقديم الدعم اللازم لاتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار بغزة    "سلامتك تهمنا".. حملة من «النقل» لمواجهة السلوكيات الخطرة على قضبان السكة الحديد    أكشن وأحداث غير متوقعة.. موعد وقنوات عرض مسلسل المؤسس أورهان الموسم الأول    كاتب "نهاية العالم" يحصد نوبل للآداب 2025|الهنغاري لاسلو كراسناهوركاي    برلماني: الرئيس السيسى صنع الفارق فى المنطقة    النقض تحدد 22 أكتوبر لنظر طعن مضيفة متهمة بقتل ابنتها على حكم سجنها 15 سنة    وكيل صحة القليوبية يتابع استعدادات التشغيل الكامل لمستشفى طوخ المركزي الجديدة    إقبال واسع على تقديم طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب بمحكمة جنوب القاهرة    الزمالك: ندرس ضم مدرب عام مصري لجهاز فيريرا    مكتب رعاية المصالح الإيرانية يهنئ المنتخب بتأهله لكأس العالم: إنجاز للأبطال المصريين    لبنان: بيروت ودمشق اتفقتا على تشكيل لجان مشتركة لمعالجة الملفات العالقة    فرنسا: العنانى قاد بحملته الدقيقة تحديد رؤية دولية لدور يونسكو والإصلاحات اللازمة    أحمد عمر هاشم يستحضر مأساة غزة باحتفال الإسراء والمعراج الأخير    هالاند لاعب شهر سبتمبر في الدوري الإنجليزي    ياسر ريان: الرئيس السيسي عاملنا هيبة فى الخارج وموقفه تاريخى فى اتفاق شرم الشيخ    شيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف يعزون المهندس إبراهيم محلب فى وفاة شقيقته    الخبراء تطالب بحوار مجتمعي قبل فرض ضريبة على المشروبات الغازية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة الأقصر    أدعية يوم الجمعة.. نداء القلوب إلى السماء    قرار جديد من الجمارك المصرية.. إعفاء لهاتف واحد فقط لكل مسافر كل 3 سنوات    «الداخلية»: ضبط شخص اعتدى على زوجة شقيقه وحطم محتويات شقتها بالدقهلية    مصر تستعد لتطبيق التوقيت الشتوي وبداية فصل الشتاء 2025    أصحاب الكهف وذي القرنين وموسى.. دروس خالدة من سورة النور    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز ال30 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    الحسابات الفلكية تكشف أول أيام شهر رمضان المبارك لعام 1447 هجريًا    الطرح الجديد لوحدات «جنة» و«سكن مصر» 2025.. أسعار مميزة وأنظمة سداد مرنة للمواطنين    محافظ شمال سيناء: زيارات الوفود الدولية لمعبر رفح والمستشفيات ساهمت في فهم الواقع الفلسطيني    «الخريف موسم العدوى».. كيف تحمي نفسك من الفيروسات الهوائية؟ (فيديو)    شرط يمنع التقدم لحج القرعة هذا العام.. تعرف عليه    إعلام إسرائيلى: الحكومة ستجرى تصويتا هاتفيا على استبدال أسماء 10 أسرى فلسطينيين    إقبال ملحوظ في انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء القليوبية ببنها    سعر الأسمنت اليوم الجمعه 10 اكتوبر 2025 فى المنيا    لليوم الثالث.. استمرار تلقي أوراق طالبي الترشح لانتخابات مجلس النواب    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    ترامب يدعو إلى طرد إسبانيا من «الناتو»    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة ب أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    وليد صلاح: عقدنا اجتماعا مع مانشيني.. وتوروب مناسب لكل معاييرنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دخل القاهرة فى يونيو 972
لماذا رحب المصريون بالمعز لدين الله ؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 06 - 2017

عاشقها يسعى إليها سعياً، تخشع العين لجمالها المكنون، تأثرك باسمها وعبقها وعمارتها الإسلامية التى تلهج فيها المآذن باسم الرحمن فى فضاء يتلاطم فيه الضجيج .. بوتقة تستقطب كل البشر وتختزل ألف عام من التاريخ .. يتوقف بك الزمن وأنت تتأمل منازلها التى تعانى الإهمال على يد الدهماء وأبوابها الدفاعية أشهرها باب زويلة والنصر والفتوح .. هنا كان يقف حراس أشداء لا يفتحون أبوابها الضخمة العتيقة إلا بإذن كتابى ..
ساحرة لا يُمل منها ومن الصعب ألا يقع الإنسان ضحية لألفتها .. فالدهشة الدائمة من أسرارها .. ملهمة كبار الأدباء والفنانين .. مرتع الأصالة والعطور والبخور والعطارة .. أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية: بيت السحيمى ومسجد الأقمر والغورية وسبيل عبد الرحمن كتخدا والجمالية وجامع الحاكم بأمر الله والسلطان قلاوون .. موطن الصناعات والحرف اليدوية التى أسست نظام شيوخ الحرف .. تضم 29 أثراً إسلامياً وأطول شارع تاريخى فى مصر .. شارع المعز.. القاهرة الفاطمية التى وصفها ابن خلدون بقوله : «من لم ير القاهرة لا يعرف عز الإسلام، فهى حاضرة الدنيا وبستان العالم ومحشر الأمم وإيوان الإسلام وكرسى الملك .. مررت فى سلك المدينة وقد تغطى بزحام المارة وأسواقهم تزخر بالنعم والعمران .. أن الذى يتخيله الإنسان إنما يراه دون الصورة التى يتخيلها لاتساع الخيال عن كل محسوس إلا القاهرة فإنها أوسع من كل ما يتخيل فيها».
......................................................................فى البدء كانت الدعوة العلوية لأولاد على بن أبى طالب من فاطمة .. فهم أحق بالخلافة من أبى بكر وعثمان وعمر وخلفاء بنى أمية والعباس .. بعد امتناع العباس عم النبى وطلحة والزبير بن العوام عن بيعة أبى بكر .. عمل عبد الله بن سبأ اليهودى الذى أسلم فى عهد خلافة عثمان على إشعال نار الفتنة بين المسلمين فى الحجاز والبصرة والكوفة والشام ومصر بتشجيع من أبى ذر الغفارى الصحابى الجليل الذى كان ينحاز للفقراء وانتقد سياسة عثمان بن عفان فى جمع الضرائب .. ولظروف ما صادفت دعوة ابن سبأ أرضاً خصبة فى البصرة والكوفة والشام وأسس مذهب السبئية الذى يقضى بأن علياً وصى رسول الله وخاتم الأوصياء .. وكان مغالياً وألب الناس ونفاه سيدنا على بن أبى طالب إلى المدائن .. فيما بعد أسس الأدارسة دولتهم العلوية فى شمال إفريقيا .. واستطاع هارون الرشيد (الخليفة العباسى) أن يرسل له من بغداد رجلاً يدس السم لمؤسسها محمد ابراهيم يحيى ادريس الذى يمتد نسبه للحسن بن على بن أبى طالب وانتشرت دعوتهم بطرق الخفاء وكتمان السر نتيجة لما عاناه العلويون من حبس وقتل .. كان معظم الموالى فى الدولة العباسية من الفرس ساعد على ذلك أن نظرية الحق الإلهى كانت سائدة فى بلاد فارس فى عهد آل ساسان فتاقت نفسهم للخلاص من العرب كان هذا سببا من جملة أسباب تفسر انحيازهم للمذهب العلوى وتدريجياً كان يزداد تضييق الخلفاء العباسيين على أئمة الإسماعيلية نسبة لإسماعيل بن جعفر الصادق من أحفاد سيدنا على والسيدة فاطمة .. يعتقد الإسماعيلية أن الدين وعلومه وقف على الأئمة من أهل البيت لأنها علوم باطنية .. والإمامة فى المذهب الشيعى تعنى قيادة العالم لمعرفة الحقيقة عن طريق وجود إمام فى كل عصر .. وأن عليا وذريته هم الذين اختصوا بتأويل القرآن .. ووضع ميمون القداح دعامة المذهب الإسماعيلى.. مذهب الدولة الفاطمية.
الدولة الفاطمية فى شمال أفريقيا
اختار الفاطميون شمال أفريقيا لبعدها عن بغداد مركز الخلافة العباسية وأسسوا مدينة (القيروان) أو المهدية فى تونس الآن لتكون حاضرة للإمبراطورية الفاطمية .. حاول المهدى مؤسس الدولة غزو مصر ثلاث مصر حيث كانت صالحة من وجهة نظرهم للدعوة الشيعية وقد لمسوا ذلك من رسائل كان يبعث بها بعض الكبار من الشيوخ والتجار .. لمحبتهم لآل البيت.. كانت مصر دولة مستقرة قوية آمنة تتبعها الحجاز والشام وإن تعرضت فى نهايات معظم العصور الغابرة للمحن والحروب .. لكنها كانت دوماً على وعد ببدايات جديدة تستحق الاحتفاء .. لا يوجد عالم مصريات شاهد رمسيس الثانى كما يقول مارك بلوخ لكن التاريخ يستحضر الأحداث والجرائم والاحتفالات التى لم نشاهدها .. فى محاولة لتخيل المشهد واستكماله .. سمع الفاطميون عن زفاف «قطر الندى» ابنة خمارويه بن احمد بن طولون .. التى كان جهازها يتضمن سريراً من الذهب والأحجار الكريمة وما لا عين رأت ولا أذن سمعت .. حكم مصر أحد عشر خليفة من خلفاء الدولة الفاطمية المعز والعزيز والحاكم والظاهر والمستنصر والمستعلى والآمر والحافظ والظافر والفائز والعاضد .. ويذكر د. أيمن فؤاد سيد فى سفره الجليل «الدولة الفاطمية فى مصر» أن الخلفاء كان من بينهم وقت اعتلاء العرش ثلاثة مراهقين وخمسة أطفال أولهم الحاكم بأمر الله .. ولكن كيف كانت الأحوال فى مصر ومن كان يتولى الحكم ؟
كافور والإخشيد والمتنبى
كان الفيلسوف هيجل يرى عدم التركيز على أفعال الأبطال اللا أخلاقية .. لأن البشر تصدر عنهم مثلها .. فالبطل إنسان طبيعى لا يشتت اهتماماته وله هدف واحد يكرس له جل اهتمامه .. أحياناً يتم تفسير حدث لاحق بحدث سابق وتكون تلك هى الفائدة الكبرى من قراءة التاريخ وبالذات فى مرحلة القراءة التأويلية التى تساعد على قراءة وفهم ما لم يكتب واستنتاجه .. وتاريخ الدعوة العلوية والمذهب الشيعى خضع لتأويلات عديدة منذ نشأتها .. وهذا من شأنه عموماً إضفاء حيوية على الذاكرة الحية .. تحدثنا كتب كبار المؤرخين بالكثير من فترة حكم «كافور» لمصر .. فالإخشيديون أسسوا دولتهم فى مصر والشام والحجاز ومات الإخشيدى وآلت الوصاية على ابنه انجور إلى كافور الذى استبد بالسلطة فى مصر ونجح فى القضاء على ثورة قام بها أهل البلاد ونظراً لأن الفاطميين كانوا يرثون آباءهم ويعين الخليفة أو الإمام ولى عهده فبعد وفاة الإخشيدى أصبح الأمير انجور والياً .. كان كافور مملوكاً اشتراه أبو بكر الإخشيدى لكنه ملك زمام الأمور وأصبح متحكماً فى الأمير ويصرف له راتب سنوى حتى مات عام 349 ه ومات أخوه أحمد من بعده وطالت الشبهات كافور وبقيت مصر بدون أمير نحو شهر وفى عام 355ه تقلد كافور ولاية مصر وما يليها من بلاد من الخليفة العباسى وأصبح لقبه (الأستاذ) ظل على رأس الدولة من 355-357ه فى عهده توالت المصائب وتعرضت الشام لغزو القرامطة ووقعت بمصر زلازل مروعة وشب حريق فى الفسطاط وأغار ملك النوبة على مصر ووصل إلى أخميم وانخفض ماء النيل وقاست البلاد واشتد الغلاء ويذكر – ابن خلكان – أن عدد الذين تم إلقاء جثثهم فى النيل نتيجة للقحط والوباء بلغ ستمائة ألف .. قيل عن كافور : «إنه كان خادماً موفقاً أكثر منه قائداً ناجحاً» وبالرغم من ذلك فقد كان عهده الذى يسبق ولايته لمصر ويزيد على العشرين عاماً فترة تمتعت فيها مصر بالهدوء والرفاهية ولم يتذمر أو يسخط عليه الشعب إلى حد كبير.. كان يدنى منه الأدباء والشعراء وأرباب السير والندماء وأشهرهم الشاعر العظيم المتنبى الذى امتدحه فى البداية وختم علاقته به بأشهر وأسوأ أبيات هجاء وأكثرها بلاغة وشهرة فى الشعر العربى:
لا تشتر العبد إلا والعصا معه أن العبيد لانجاس مناكيد
ما كنت احسبنى أبقى إلى زمن يسىء بى فيه كلب وهو محمود
نامت نواطير مصر عن ثعالبها فقد بشمن وما تفنى العناقيد
مرت مصر بعهد الدولة الطولونية والأخشيدية ثم تأسست الدولة الفاطمية فى مصر عام 969 م وكان من أسباب سقوط الخلافة العباسية فى بغداد انتعاش الروح القومية فى بلاد الفرس وسيطرة بنى بويه وهم من غلاة الشيعة على الخلفاء العباسيين فى عصر المأمون بصفة خاصة ولم يعد للخليفة من سلطه سوى سلطته الدينية ونقش اسمه على سكة النقود من أجل احتفاظ هؤلاء الخلفاء بمراكزهم وبعد استحداث منصب أمير الأمراء الذى كان يتولى الإمارة ورئاسة الجيش وتدبير الأعمال أصبح بإمكانه حبس الخليفة أو خلعه أو قتله .. لم يكن الخليفة ظل الله فى الأرض – عموما – على حد تعبير د. نصر حامد أبو زيد وإلا ما قتل - وتفككت أوصال الدولة شيعا وأحزابا .. وفى مصر بعث أنصار الشيعة إلى المعز كتابا قالوا فيه إذا زال الحجر الأسود (أى كافور) ملك مولانا المعز الدنيا كلها.
جيش جوهر مثل جبل عرفات.
كان المعز مثقفا ملما باللغات .. تلقى تعليمه فى فترة صباه فى صقلية .. وقد استفاد من موقع صقلية الاستراتيجى فى صد الحملات التى كان يوجهها له الأمويون فى الأندلس والبيزنطيون.. كانت عينه على صقلية لان الدولة الفاطمية كانت عازمة على تأسيس إمبراطوريتها .. جهز المعز جيشا هادرا بقيادة قائده البارع المقدام «جوهرالصقلى» شبهه بعض المصريين هذا الجيش بجبل عرفات من كثرة اعداده وعتاده وقيل أنه اصطحب معه خمسمائة جمل محملة بالذهب وصف الشاعر ابن هانئ الأندلسى شاعر المعز هذه الحملة بقوله:
رأيت بعينى فوق ما كنت اسمع وقد راعنى يوم من الحشر أروع
غداة كأن الأفق سد بمثله فعاد غروب الشمس من حيث تطلع
ولما بلغ المعز نبأ فتح مصر أنشد يقول:
تقول بنى العباسى هل فتحت مصر قفل بنى العباسى قد قضى الأمر
عندما وصل جوهر الصقلى إلى مصر كانت هناك عناصر مغربية اندرجت فى التركيبة السكانية من القبائل المغربية (الكتامين والزويلين والبطالين والصناجين)وأقاموا مع المعز فى القاهرة التى قيل إن سبب تسميتها يعود لاسم الطالع «كوكب المريخ» الذى يسمى القاهر عند وضع أساساتها،وفقا لأراء المنجمين .. ويذكر د. حسن إبراهيم حسن أن المعز قال لقائد جيشه جوهر: لتدخلن فى خرابات ابن طولون وتبنى مدينة تقهر الدنيا.. فكانت القاهرة مقر الخلافة ومركز الدولة الإدارى والسياسى ومعقل نشر الدعوة الإسماعيلية».
لم يلق جوهر الصقلى وجيشه أى مقاومة عندما وصل إلى الإسكندرية.. ولم يعارض المصريون فى تحويل طاعتهم من الخليفة العباسى للخليفة الفاطمى ، لعلمهم أن الأمر سياسيا محضا لا يمسهم ، ثم جاءت خطبة المعز وعهد الأمان لكى يستتب للفاطميين الأمر فى مصر بصورة ترضى الطرفين.
كتاب جوهر (عهد الأمان للمصريين)
عند دخوله لمصر
( هذا كتاب من جوهر الكاتب عبد أمير المؤمنين المعز لدين الله، لجماعة أهل مصر الساكنين بها من أهلها ومن غيرهم، أنه قد ورد من سألتموه الترسل والاجتماع معى: وذكروا عنكم أنكم التمستم كتابا يشتمل على أمانكم فى أنفسكم وأموالكم وبلادكم وجميع أحوالكم فعرفتم ما تقدم به مولانا (المعز) وحسن نظره لكم فلتحمدوا الله على ما أولاكم وتشكروه على ما حماكم وتسارعوا إلى طاعته العاصمة لكم .. لم يكن إخراجه للعساكر المنصورة والجيوش المظفرة إلا لما فيه إعزازكم وحمايتكم والجهاد عنكم إذ قد تخطفتكم الأيدى واستطال عليكم المستذل.. وتم الاحتواء على نعمكم وأموالكم حسب ما فعله فى غيركم من بلدان الشرق، فعاجله مولانا وسيدنا أمير المؤمنين بإخراج العساكر المنصورة ومجاهدته عنكم عن كافة المسلمين ببلدان الشرق الذين عمهم الخزى واكتنفتهم المصايب وتتابعت الرزايا واتصل عندهم الخوف وكثرت استغاثتهم وعظم ضجيجهم وعلا صراخهم .. وأثر أمير المؤمنين إقامة الحج الذى تعطل وصلاح الطرقات وقطع عبث العابثين بها وأوعز إلى عبده من نشر العدل وبسط الحق وحسم الظلم وقطع العدوان ونفى الأذى ورفع المؤمن وإعانة المظلوم مع الشفعة والإحسان وجميل النظر وكرم الصحبة ولطف العشرة واقتفاء الأحوال .. وحياطة أهل البلد فى ليلهم ونهارهم وجمع قلوبهم وألف كلمتهم على طاعة وليه .. وإسقاط الرسوم الجائرة وأن أجيركم فى المواريث على كتاب الله وسنة نبيه .. وأضع ما كان يؤخذ من تركات موتاكم لبيت المال من غير وصية من المتوفى).
وهو كتاب أو خطبة جامعة كانت بحق افضل استهلال يستحق مسمى «عهد أمان».
شهدت الحقبة الفاطمية بداية ظهور الطبقة المتوسطة فى الإسلام وبنى جوهر القصر الفاطمى الشرقى وكان يشغل خمس مساحة القاهرة (سبعين فدانا) وكان المؤرخون يتجنبون وصفه حتى لا يتهموا بالكذب نتيجة لروعته ويضم فى جنباته مجموعة من أروع التحف والنافورات.. وصف الرحالة ناصر خسرو قاعة الملك وسرير الذهب الذى كان يجلس عليه الخليفة وتحدث المقريزى عن : سراديب القصر الطويلة التى تحض على القتل والاغتيال وتبعث فى النفس الهيبة نتيجة لظلمتها .. كان الدينار فى مصر من أعلى الدنانير فى كل البلاد الإسلامية ونسبة الذهب به لا تقل عن 90% وفى القصر الذى اندثر وبين القصر الشرقى والغربى ظهر بين القصرين وخان الخليلى الذى بنى على انقاض هذه العمائر والنفائس .. أما مكتبة القصر الكبير فكانت مكونة من أربعين غرفة وتشتمل على عدد هائل من المجلدات وخزائن الكتب التى بلغت مائة ألف مجلد.. تم بيع المخطوطات فيما بعد لدفع رواتب الجنود وما تبقى بعد سقوط الدولة الفاطمية فى عهد الأيوبيين بيع بالمزاد العلنى.. قام الأفضل بن بدر الجمالى بنقل رأس الحسين بعد استشهاده فى الكوفة ودفنه فى دمشق ثم نقل الرأس إلى عسقلان ثم حملها بنفسه إلى مصر.
عرفت مصر قبل القاهرة مدنا تأسست على التوالى : منف وحصن بابليون والفساط والعسكر والقطائع .. لكنها كانت كلها تمتد من الجنوب إلى الشمال لمواكبة النيل .. الذى كان ولايزال يحكم جغرافية المحروسة.. وكثيراً ما يموت التاريخ وتبقى الجغرافيا ممهورة ببصمات التاريخ الغابرة.
الحاكم بأمر الله والشدة المستنصرية
حرص الفاطميون على ابتداع الاحتفالات والمناسبات التى تضفى البهجة على المصريين فى المناسبات الرسمية والأعياد ووفاء النيل وأحسن المعز لدين الله إلى الأقباط واليهود وشغلوا أرقى المناصب فى عهده وعهد العزيز ولم يحاولوا إجبار المصريين على نشر المذهب الشيعى ولكن فى عهد الخليفة الحاكم بأمر الله التى شبهه بعض المؤرخين بالطاغية «كاليجولا».. عانى المصريون عموماً والأقباط خصوصالأنه كان متناقضا.. كتبت سيرته بصورة جدلية فهو مرجعية اتباع المذهب الدورزى .. تولى الحاكم الولاية عام 996م واستشهد به الرئيس جمال عبد الناصر فى إحدى خطبه مشيراً لأحكامه العجيبة التى فرضها على أهل مصر وكانت تقضى بالسهر طوال الليل والنوم نهاراً ومنع أكل الملوخية والجرجيروالزبيب والسمك بدن قشر .. أمر الإسكافيين بعدم تصنيع أحذية ونعال للسيدات حتى لا يخرجن .. يشير . د. أيمن فؤاد إلى الثورة التى انفجرت فى عهده وقام بها أبى ركوة) حاول كسب ود السنيين وألغى سب الصحابة ثم عاد ونقض عهده وكان كذلك فى كل عهوده لأنه كما كان يقال مصاب بالفصام .. أنشأ دار الحكمة لكنه فرض على الأقباط واليهود أزياء وألوانا خاصة وارتداء الصليب وأمر فى فترات بهدم الكنائس ولعب الشطرنج وقتل جميع الكلاب فى القاهرة .. اختفى بطريقة غامضة ويقال إن أخته ست الملك هى التى دبرت اغتياله وعانت مصر كثيراً فى الشدة المستنصرية التى يعلمها الجميع حتى أن أهل الخليفة المستنصر لم يجدوا قوتهم وكان سببها كما يقول المقريزى : ضعف السلطة واختلال أحوال الممالك واستيلاء الأمراء على الدولة واتصال الفتن بين العربان وقصور النيل وعدم وجود من يزرع.
انتهت الدولة الفاطمية وزالت بعد أكثر من قرنين وفقاً لقانون التاريخ حين ضعفت وتفككت وضربها الفساد .. يقال أن رشيدة ابنه المعز توفيت وكانت تملك مليونا وسبعمائة ألف دينار عام (1051م) وعمامات مرصعة بالجواهر والخيمة التى توفى فيها هارون الرشيد .. فى بلد عانى من المجاعات وقت الشدة المستنصرية وأكل أهله القطط والكلاب.. زالت الدولة الفاطمية ولم تغير عادات المصريين الاجتماعية وتقاليدهم .. تغيير الشعائر لا يغير جوهر الشخصية .. مازلنا نمارس نفس طقوسنا الاجتماعية منذ عهد الفراعنة فى طقوس الوفاة .. لكن تجربة المصريين مع الدولة الفاطمية وعدم تشيعهم وتركيبة الشعب الذى ظلت جيناته عصية .. حكاية مليئة بالتفاصيل والتحليلات.
يقول فلاندرز نزى : مصر لم تكن مقبرة للغزاة فقط ولكنها كانت مقبرة بيولوجية .. ذابت فيها كل الغزوات وانصهرت فى جيناتها الفرعونية التى اعتادت أن تسود دائماً مهما تكاثر الوافدون من الأزمان الغابرة.. إنها القاهرة العامرة وتاريخها حفظها الله وحفظ اهلها ، فلها من إسمها النصيب الاوفر،
فهى لا تقهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.