وصلت الخلافة العباسية في بغداد إلى درجة كبيرة من الضعف ولم يعد للخليفة أي سلطة بل أنه أصبح تحت سيطرة قواده من الفرس والأتراك الذين جاء بهم ليكونوا جنودًا له بدلًا من العرب، فتحولوا هم إلى القوة الحقيقية المسيطرة، واستقل حكام الولايات بولاياتهم مع بقاء اعترافهم بالسيادة الدينية للخلفاء العباسيين ممثلة في ذكر اسم الخليفة العباسي في خطبة الجمعة ونقش اسمه على العملة. وكانت مصر قد استقلت أيام الدولة الطولونية ثم الإخشيدية، وحاول الفاطميون فتح مصر 3 مرات سابقة حتى تولى الخلافة الفاطمية في بلاد المغرب الخليفة المعز لدين الله الفاطمي سنة 341 هجرية الذي قام قائد جيشه جوهر الصقلي بفتح مصر. قائد الجيش هو أبو الحسن جوهر بن عبد الله، ولد في جزيرة صقلية الواقعة في البحر المتوسط في عام 316 هجرية 928 ميلادي ونسب إليها، وكانت صقلية في تلك الفترة إمارة فاطمية، جُلب صغيرًا إلى المهدية أيام حكم المنصور بالله الفاطمي وتربى تربية عسكرية وانتظم في سلك الجيش وترقى فيه حتى أصبح بعد ذلك قائد القوات الفاطمية في عهد المعز لدين الله. وعندما قرر المعز لدين الله فتح القاهرة جهز جيشًا ضخمًا بلغ عدده 100 ألف جندي، وولى على قيادته جوهر الصقلي، وخرج الجيش في ربيع ثاني سنة 358 هجرية الموافق فبراير 969 م، من مدينة القيروان ودخل الإسكندرية فسلمها أهلها بدون قتال. وأرسل الوزير جعفر بن الفرات، وزير الفسطاط، رسولًا من العلويين إلى جوهر الصقلي يطلب منه الأمان، ووافق جوهر وكتب عهدًا بنشر العدل وبث الطمأنينة وترك الحرية للمصريين في إقامة شعائرهم الدينية. دخل الصقلي الفسطاط في 17 شعبان، وخرج الوزير جعفر بن الفرات وسائر الأشراف والعلماء في استقباله ورحبوا به، وقام جوهر بالعسكرة في الموضع الذي بنا فيه مدينة القاهرة، وبذلك زال سلطان الخلافة العباسية والحكم الإخشيدي في مصر وأصبحت مصر ولاية فاطمية. وحكم جوهر الصقلي مصر نحو 3 سنوات من 358 هجرية إلى 362 هجرية كإحدى الولايات الفاطمية نائبًا عن الخليفة الفاطمي المعز الله الفاطمي. وحكم جوهر الصقلي بالعدل أثناء فترة حكمه فقد كان يجلس للمظالم بنفسه ويرد الحقوق لأصحابها و يضرب على أيدي المفسدين ومثيري الإضطرابات. وقام الصقلي بتأسيس القاهرة، لتكون مقرًا لحكم الخليفة الفاطمي في مصر، وقام ببناء سور يحيط بالمدينة الجديدة من الطوب اللبن له 8 أبواب هي: باب زويلة، وباب الفرج، وباب الفتوح، وباب النصر، وباب المحروق، وباب البرقية، وباب القنطرة. وأنشأ الصقلي قصرًا كبيرًا لإقامة الخليفة الفاطمي بالقرب من السور الشرقي لذلك سمي ب"القصر الشرقي". وعمل الفاطميون منذ اليوم الأول لهم على تحويل أهل مصر إلى المذهب الشيعي، وأمر جوهر الصقلي المؤذنين في المساجد بأن يؤذنوا ب"حي على خير العمل" بدلًا من "حي على الفلاح" وهي طريقة الشيعة في الآذان. وأنشأ الصقلي الجامع الأزهر ليكون مركزًا عقائديًا للمذهب الشيعي، وكان يقوم بتعيين معتنقي المذهب الشيعي من المصريين في مناصب الدولة المهمة. وأقيمت أول صلاة جمعة في الجامع الأزهر يوم 6 رمضان سنة 361 هجرية، ولم يدع الخطيب للخليفة العباسي كما كان من قبل، وإنما دعى للخليفة الفاطمي المعز لدين الله. واتبع الفاطميون وسائل مبتكرة في الترويج لمذهبهم الشيعي، مثل استحداث احتفالات دينية لم تكن موجودة من قبل، وربطها بمظاهر فرح وطقوس يغلب عليها البهجة؛ لتحبيب الناس في المذهب الجديد مثل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وليلة النصف من شعبان، وعاشوراء، واحتفالات شهر رمضان، وابتداع أكلات مخصوصة لهذه الأعياد مثل "الكنافة" و"القطائف" في شهر رمضان.