الاستخدام المفرط للألفاظ السوقية البذيئة والخارجة التى تخدش حياء الأسر، خاصة ونحن فى شهر رمضان الكريم، أصبح من السمات البارزة فى أغلب الأعمال الدرامية من مسلسلات وأفلام فى هذه الأيام. الواقعية هى الحجة الجاهزة للقائمين على هذه الأعمال لتبرير هذا الإسفاف والخروج عن النص وعن قيم وعادات وتقاليد مجتمع شرقى محافظ ومتدين بطبعه وفطرته التى فطره الله عليها، فحينما توجه أى انتقاد لما تقدمه هذه الأعمال من أنماط سلوكية غير سوية، ومشاهد هابطة يقول أصحابها إنما نحن ننقل الواقع بغرض التنبيه إلى المشكلات والأمراض الاجتماعية، وهذا كلام مردود عليه، لأن العكس هو الصحيح، ذلك أن تكثيف هذه المشاهد وتجسيدها وتقريبها من المشاهد سيجعل الأمور الغريبة عليه أمرا طبيعيا معتادا وعليه أن يتعامل معه، دون أن يستنكره أو يرفضه، ليصبح التبذل والانحلال سلوكا عاما مقبولا فى المجتمع تألفه الأبصار ثم يصبح سمة عامة من سماته، وهو بداية سلم الانهيار الأخلاقي. فى غمرة المنافسة وحسابات المكسب والخسارة المادية وجذب أكبر عدد من الجمهور والمشاهدين، نسى القائمون على هذه الأعمال أن للاعلام رسالة أخلاقية سامية مقدمة على حسابات السوق وقوانين العرض والطلب، وحتى على واقعيتهم المزعومة، ذلك أن بناء الأوطان والنهوض بالأمم يحتاج إلى تقديم النماذج البشرية السوية، والشخصيات التاريخية صاحبة الانجاز فى العلوم والفنون الراقية، وليس النماذج الساقطة ومشاهد العرى والإسفاف والأعمال السطحية التى لا تفيد المجتمع بقدر ما تسهم فى تدميره وانهياره. مَنْ من صغارنا يعرف رائد الاقتصاد المصرى طلعت حرب الملقب ب «أبو الاقتصاد المصري» مؤسس بنك مصر ومجموعة المؤسسات والشركات الكبرى التابعة له، أو الدكتور على مصطفى مشرفة «أينشتاين العرب» عالم الفيزياء المصرى الكبير، وغيرهم من النماذج المشرفة الكثير والكثير، طه حسن والعقاد والرافعى ومحفوظ، فقط يعرفون الشخصيات الشائهة التى تقدمها دراما هابطة تسهم فى تسطيح عقول النشء وإلهائهم وإغراقهم فى كم هائل من الإسفاف البصرى وبالتالى يشبون على هذا الخواء الفكرى والثقافي. هذه الظاهرة تستوجب تدخلا حاسما من أولى الأمر والمؤسسات المعنية فى الدولة لوقف سيل الفوضى الدرامية، وعلى المجلس الأعلى للإعلام التصدى لها بقوة بما خوله له الدستور والقانون من صلاحيات. لمزيد من مقالات عبد الناصرسلام ;