فقدت الجالية المصرية في كندا اخيرا واحدا من أغلي أبنائها ممن هاجروا من مصر ولم يهجروها. ترك كريم شكري الذي يكتب الشعر ويعزف علي البيانو ويلحن بنفسه أغانيه قلبه ومشاعره النبيلة في مصر وصاحبته في وطنه الجديد في كندا ذكريات الطفولة والشباب وأحزان فراق الأصدقاء وعشق وانتماء لمصر. ربما لا يعرف شباب مصر كريم شكري أو جان زلعوم الحفيد لأديب سوري هاجر لمصر, في أول القرن الماضي لكن أباءهم استمعوا الي أغانيه التي انتشرت في الستينيات ورددوا معه أغنيته الشهيرة عد بي الي القاهرة التي كتب كلماتها وموسيقاها عام1959 ولقيت نجاحا كبيرا وظلت هذه الأغنية إحدي وسائل الدعاية للسياحة في مصر منذ ذلك الوقت وحتي الآن, فعندما استمع اليها الدكتور ثروت عكاشة وزير السياحة في هذه الفترة طلب من كريم شكري أن يصور الأغنية بالفيديو ويغنيها وسط أهرامات الجيزة وأبو الهول ووزعت علي جميع مكاتبنا السياحية في الخارج, كان كريم شكري أول من قدم في الإذاعة المصرية وعلي مسارح القاهرة أغاني الفرانكو آراب في الستينيات من القرن الماضي. عمل كريم شكري الذي ولد في يناير عام1933 مديرا لشركة أفلام مترو جولدن ماير الأمريكية ودرس السينما العالمية وتعرف علي كبار المخرجين الذين كانوا يزورون مصر لتصوير أفلامهم بين آثار مصر في الخمسينيات ثم ترك السينما الي الصحافة, فعمل حتي هاجر الي كندا عام1965 سكرتيرا لتحرير جريدة وطني التي كان يتم طبعها بمطابع الأهرام وكان يحضر الي الأهرام مساء كل سبت لمراجعة صفحات الجريدة التي تصدر صباح كل أحد, كما كان يشرف علي صفحة الفن بها. بعد ان هاجر كريم شكري لكندا واختار مونتريال مقرا لإقامته ترك الموسيقي والغناء واتجه للعمل بالإنتاج والإخراج السينمائي. كان الفنان الراحل عاشقا لمصر, بعد ثورة يناير بشهر التقيت به كان في غاية الحماس للثورة وقال لي أريد أن أعود لمصر لأغني لشباب الثورة وكان وقد سافر نجله الأكبر آلان المخرج السينمائي الأمريكي المقيم في لوس أنجلوس الي مصر في العام الماضي وعندما اتصل بوالده ليطمئن عليه قال له كيف تترك بلدا مثل مصر الجميلة والدافئة الي كندا التي يغطيها الجليد ستة أشهر في العام؟ وبكي الأب المحبط في غربته وقال لي إنه لم يعشق بلدا في حياته غير مصر. أما حلم كريم شكري أو جان زلعوم الأكبر والذي لم يتحقق فكان إخراج فيلم عن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر المثل الأعلي لكل المناضلين الشرفاء في خمسينيات وستينيات القرن الماضي, وقد اعتمد الفنان الراحل علي كتاب الصحفي الأمريكي مراسل النيويورك تايمز في القاهرة في الخمسينيات كينيث لاف الذي صدر في أول الستينيات من القرن الماضي بعنوان الحرب التي اشتعلت مرتين وكان كينيث لاف الذي اقترب خلال عمله بالقاهرة من عبدالناصر وأعجب بنضاله وأدائه السياسي وكان يأمل أن يكتب سيناريو الفيلم الأستاذ محمد حسنين هيكل, وقد زار كريم شكري القاهرة في أول الثمانينيات لبحث امكان انتاج وتمويل الفيلم مع المسئولين في وزارة الثقافة لكنه وعلي حد قوله لم يجد أدني حماس منهم. كان آخر لقاءاتي مع كريم شكري مساء الأربعاء16 أبريل في موعدنا المحدد كل أسبوع مع مجموعة من أساتذة الجامعات والمثقفين ورجال الأعمال المصريين المهاجرين, وقد زار صباح نفس اليوم القنصلية المصرية وأدلي بصوته في انتخابات الرئاسة لكنه لم يحضر الأربعاء التالي واتصل بي معتذرا عن عدم الحضور ووعد بأن نلتقي الأسبوع التالي قبل عودتي الي القاهرة, لكن القدر لم يمهله وقد أوصي شقيقته قبل وفاته بأيام بأن يدفن في القاهرة, قال لها إذا لقيت ربي أرجو أن تعودي بجثماني الي القاهرة ليدفن في الأرض التي ولدت بها وأعشقها وكأنه يغني لهاTakemebacktoCairo [email protected]