وضعت قطر الإدارة الأمريكية وشخص الرئيس دونالد ترامب فى مأزق الاختيار بينها وبين المملكة العربية السعودية من منظور أولوية القواعد العسكرية الأمريكية فى قطر، خاصة قاعدة العُديد، على ما عداها من القواعد العسكرية فى المنطقة وفى الخليج على وجه الخصوص فى الدفاع عن المصالح الحيوية والإستراتيجية الأمريكية فى المنطقة. هذا المأزق تضمنه البيان المنسوب إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى (24/5/2017) أى بعد يومين فقط من اختتام القمم الثلاث: السعودية- الأمريكية، والخليجية- الأمريكية، والعربية الإسلامية- الأمريكية التى عقدت يومى السبت والأحد (20- 21/5/2017) فى الرياض، التى وضعت قواعد جديدة لعلاقة واشنطن بدول المنطقة ترتكز على شراكة إستراتيجية من خلال التأسيس لتحالف إقليمى جديد حمل اسم «تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي» مقره مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية لمحاربة الإرهاب والصراع ضد إيران. ففى هذا البيان انتقد أمير قطر بحدة السياسة الأمريكية والرئيس ترامب وشكك فى إمكانية استمراره فى السلطة ومن ثم هشاشة ما يؤسسه من تحالفات مع السعودية، لكنه أيضاً تعمد أن يواجه الإدارة الأمريكية بإثارة أولوية وأهمية مكانة القواعد العسكرية الأمريكية المقامة على الأراضى القطرية بالنسبة للدفاع عن المصالح الأمريكية، كما تعمد أن يؤكد أن إيران التى سيؤسس التحالف الجديد لإدارة الصراع معها ليست عدواً وليست مصدراً للتهديد، «وليس من الحكمة التصعيد معها»، وأنها «قوة كبرى تضمن الاستقرار فى المنطقة عند التعاون معها»، ما يعنى أن التحالف الأمريكى سيؤسس على «أكاذيب»، ومن ثم يبقى مستقبله مشكوكاً فى جدارته. فقد ذكر الشيخ تميم فى هذا البيان أن علاقة بلاده مع الولاياتالمتحدة قوية ومتينة «رغم التوجهات غير الإيجابية للإدارة الأمريكية الحالية» مشيراً إلى المصاعب التى تواجه الرئيس الأمريكى داخل الولاياتالمتحدة والتى قد تفضى إلى «ووترجيت جديدة» فى البيت الأبيض تضع نهاية مبكرة لرئاسة ترامب للولايات المتحدة بقوله «مع ثقتنا أن الوضع القائم (رئاسة ترامب) لن يستمر بسبب التحقيقات العدلية تجاه تجاوزات ومخالفات الرئيس الأمريكي»، وفى الوقت نفسه تعمد أن يتحدث عن مكانة قطر والقواعد العسكرية الأمريكية المقامة على أراضيها وأن يضع الرئيس الأمريكى أمام الاختيار الصعب بين قطر أو التحالف الجديد مع السعودية بتوضيحه أن «قاعدة العُديد، مع أنها تمثل حصانة لقطر من أطماع بعض الدول الخليجية (يقصد السعودية بالتحديد) فإنها هى الفرصة الوحيدة لأمريكا لامتلاك النفوذ العسكرى بالمنطقة، فى تشابك للمصالح الذى يفوق قدرة أى إدارة على تغييره». هذا الكلام المهم والخطير لأمير قطر بقدر ما يمكن أن يؤدى إلى ارتباك فى السياسة الأمريكية ولسياسة الدول العربية الحليفة إذا ما فتحت ملفات القواعد العسكرية فى الدول العربية؛ ما هى هذه القواعد، وما هى أهدافها؟ وما هى أدوارها، ومن يدفع تكاليفها، ولماذا الحاجة إليها؟ بقدر ما يمثل تحدياً للسياسة الأمريكية وبالتحديد لإدارة الرئيس الأمريكى ومشروعه التحالفى فى الشرق الأوسط، خصوصاً مع تداعى روابط الولاياتالمتحدة مع الحلفاء الأوروبيين على نحو ما تكشف فى أثناء وعقب قمتى ترامب مع قادة دول حلف شمال الأطلسى (الناتو) التى عقدت فى بروكسل، ومع قادة الدول الصناعية السبع الكبرى فى جزيرة صقلية الإيطالية عقب اختتام جولته الشرق أوسطية، وهى تداعيات قد تقود إلى افتراق فى علاقات أوروبا بالولاياتالمتحدة. هل يمكن أن يخسر ترامب تحالفه الشرق أوسطى أيضاً والذى لم يولد بعد والمعرَّض للتفكك، وأن يخسر فى ذات الوقت تحالفه مع الشركاء الأوروبيين؟ أم أنه سيقاتل للدفاع عن التحالف مع الشرق الأوسط، وأنه سيجد وسائل أخرى للتفاعل مع الشركاء الأوربيين؟. السؤال أربك الأمريكيين وبالذات سؤال العلاقة مع قطر، وبقدر ما أثار الموقف القطرى استياءً أمريكياً، فإن التعبير عن هذا الاستياء كشف بعض خطايا الشراكة القطرية- الأمريكية فى رعاية منظمات وجماعات إرهابية كثيرة، لكن الاستياء من الموقف القطرى كان له مردود آخر لدى أطراف أمريكية أخرى. من أبرز معالم هذا الاستياء ما نقلته وسائل إعلام عالمية عن «إد رويس» رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب الأمريكى من دعوة «لنقل القاعدة العسكرية الأمريكية من قطر إلى بلد آخر» إذا لم تغير الدوحة من تصرفاتها الداعمة لجماعات متشددة، وقوله إن «التعريف الوحيد الذى أستخدمه لقطر هو أنها دولة ساعدت فى تمويل القاعدة وداعش وجماعة الإخوان وطالبان، ولا يمكننى أن أفهم لماذا؟» واعتبر رويس أنه «من غير الملائم أن تستضيف قطر القوات الأمريكية فى منطقة العُديد وفى ذات الوقت الذى تدعم فيه قطر حركات متشددة». واضح أن الأمريكيين يعرفون جيداً الأدوار القطرية لكنهم تستروا عليها إما لأنهم شركاء وإما أن هذه الأدوار تخدم مصالحهم بدليل صمتهم عليها طيلة السنوات الماضية، ومن هنا جاءت الرؤية المغايرة التى عرضها «روبرت جيتس» وزير الدفاع الأمريكى الأسبق الذى اعتبر أن «مغادرة القوات الأمريكية مراكزها فى قطر مسألة معقدة» رغم اعترافه بأن «هناك تاريخاً طويلاً فى قطر يؤكد ترحيبها بالإخوان وتوفيرها ملجأ آمناً لهم». هذا الموقف عارضه دينيس روس منسق السياسة الأمريكية الأسبق فى الشرق الأوسط الذى تحمس لدعوة نقل قاعدة «العُديد» من قطر واستبدالها بقاعدة أخرى فى دولة خليجية وفضل الإمارات كبديل مأمون وأكثر كفاءة لذلك. هذا التباين حسمه «ناثان تك» المتحدث باسم الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط الذى أوضح بجلاء أن قطر التى تستضيف مركز القيادة المركزية الأمريكية «تعد شريكاً مهماً فى الحرب على الإرهاب»، ما يعنى أن إدارة ترامب ليست فى معرض تفكيك تحالفها مع قطر، فى الوقت الذى أكد فيه أمير قطر تمسك بلاده بسياسات تتعارض مع القواعد المقترحة لتأسيس التحالف الإقليمى الجديد . مفارقة تكشف إلى أى مدى الوضع المأساوى الذى يواجه الرئيس الأمريكى وتحالفاته الجديدة فى ظل كل هذا الارتباك فى إدارة الصراعات مع وبين الحلفاء، كما تكشف أيضاً حدود مصداقية عزم ترامب فى الحرب ضد الإرهاب فى ظل حرصه على إبقاء التزاماته وتحالفاته مع دول تدعم وتمول الإرهاب وتوفر له الملاذ الآمن الذى يحتاج إليه. لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس;