اليوم الإثنين الخامس من يونيو 2017 ميلادية العاشر من رمضان 1438 هجرية يلتقى النقيضان وهما: ذكرى الانتصار المجيد الذى تحقق فى العاشر من رمضان حرب أكتوبر المجيدة 1973م وذكرى الهزيمة العسكرية فى 5 يونيو 1967 والخط الواصل بينهما هو الدبلوماسية الأخلاقية التى حكمت وتحكم علاقات مصر الخارجية ولاتزال سارية المفعول الآن.. ونستشهد فى ذلك بما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى من أن «مصر تتعامل بشرف فى زمن عز فيه الشرف»! ومباشرة ندخل فى الموضوع حين طلبت مصر فى مايو 1967 من «أوثانت» السكرتير العام للأمم المتحدة سحب قوات حفظ السلام الدولية من المواقع التى تمركزت فيها على الحدود الشرقية من شرم الشيخ إلى رفح منذ عام 1957 عقب حرب العدوان الثلاثى ضد مصر وبالفعل نفذ الرجل وفى نفس الوقت بدأت مساعيه الدولية واتصالاته للاستمرار فى حفظ السلام. وفى ذات الوقت كانت الاتصالات على أعلى مستوى تجرى بين القاهرة وعدد من العواصم العالمية فى مقدمتها واشنطن باعتبار أن الولاياتالمتحدةالأمريكية هى «راعية» إسرائيل.. وبينما كانت مصر فى هذه العلاقات والاتصالات الدولية تتمسك بالدبلوماسية الأخلاقية فإن الآخرين لم يكونوا كذلك.. وعلى سبيل التحديد.. فقد تم الاتفاق بين جمال عبدالناصر وبين الرئيس الأمريكى ليندون جونسون، على أن يوفد عبدالناصر نائبه زكريا محيى الدين إلى واشنطن لمقابلة جونسون يوم الاثنين 5 يونيو 1967 للتباحث معه حول تسوية الأزمة، وبينما كانت الدوائر فى القاهرة وعواصم أخرى فى المنطقة ترتاح لهذا الاتفاق المعلن وتتعامل معه أخلاقيا وبشرف.. فإن الآخرين كانوا يدبرون المؤامرة، وكما تكشف فيما بعد فإن إسرائيل كانت تجرى اتصالات سرية مع واشنطن لكى تشن الحرب وتقوم بالهجوم العسكرى المباغت ضد العرب.وبات الموقف متأزما.. غير أن شعاعات ضوء شقت الظلام الذى أرخى سدوله.. ومن ذلك البيانات والتصريحات التى صدرت عن الرئيس الفرنسى «شارل ديجول» إذ دعا إلى السلام والتخلى عن أى نوايا لاستخدام العنف، مؤكدا أن فرنسا ستقف بقوة ضد من يطلق الرصاصة الأولي.. وستدعم الطرف المعتدى عليه واتفقت دول أخرى مع الرئيس الفرنسي. وسط هذه الأجواء ومنها ما كان سرا مجهولا التقى جمال عبدالناصر الطيارين نسور الجو المصريين . وتحدث عن الموقف الراهن وتطوراته وأضاف أن تشكيل حكومة الحرب فى إسرائيل ينذر بالخطر ولكن التزاما بموقف مصر الأخلاقى فإنها لن تطلق الرصاصة الأولى ثم سكت لحظة وقال إن اليوم هو الجمعة الثانى من يونيو وغدا السبت لا يعمل فيه اليهود وبعده الأحد يوم عطلة السفارات والدول الغربية التى تحتاجها إسرائيل. إذن فإنه من المرجح أن تهاجم يوم الاثنين وهو يوم سفر زكريا محيى الدين إلى واشنطن.. لكى تحقق تل أبيب هدفها فإن لم تفعل.. ستفوت الفرصة! لهذا يجب أن نستعد من هذه اللحظة.ومضى اليوم.. ولم تستقر قيادة القوات المسلحة على خطة محددة.. فقد كانت هناك آراء تناهض رأى عبدالناصر، وتراوحت فيما بين أن تبدأ مصر بالهجوم.. وبين أن إسرائيل لن تبدأ يوم الاثنين والتراخى فى الاستعداد بدلائل، اختار منها دليلين: الأول انه فى يوم الهجوم كان المشير عامر فى طائرة فوق سيناء متجها إلى مطار المليز، حيث احتشد القادة للقائه ولما فوجئ بما جرى عادت طائرته وهبطت فى مطار القاهرة المدنى !! أما الدليل الثانى: فهو أن اللواء عبدالمنعم رياض كان قد سافر إلى الأردن بناء على طلب الملك حسين وفى الخامس من يونيو استيقظ مبكرا كعادته وخرج إلى الشرفة فشاهد طائرات إسرائيلية متجهة جنوبا.. فأسرع يرسل بالشفرة إلى القيادة فى القاهرة محذرا ومنبها.. وللأسف الشديد فإن القيادة ليلتها أى قبل ساعات كانت قد غيرت رموز الشفرة ولم تخطر قيادة عبدالمنعم رياض.. فضاع تحذيره!! وإذا تناولنا: الانتصار فى العاشر من رمضان.. ودور نفس الموقف الأخلاقي.. ولعل أول ما يصادفنا هو قرار انهاء مهمة الخبراء العسكريين السوفييت فى مايو 1972، فقد كان هؤلاء ينتشرون فى كل وحدات القوات المسلحة المصرية وللحق فقد استقبلت موسكو القرار بضبط النفس وحزم الخبراء أمتعتهم ورحلوا. وفيما بعد قال هنرى كيسنجر إن مصر لو كانت قد تفاهمت معنا.. لكانت قد حصلت على مقابل ثمين منا، وللحق أيضا فإن السادات لم يكن يجهل هذا لكنه طبق الموقف الأخلاقى فى التعامل الدبلوماسى ولم يساوم على هذا.. واتخذ قراره كما قال حتى لا يقال عندما يبدأ تحرير الأرض إن هذا لم يكن بفعل المصريين. وفى ذات الوقت وقبلها الحرب فى عهد عبدالناصر ثم بعد رحيله وفى عهد السادات فإن الشعار المصرى المرفوع كان ضرورة «إزالة آثار العدوان وتحرير الأرض» ولم تتاجر القاهرة بهذا الشعار على طول المدى منذ مؤتمر القمة العربية فى الخرطوم أغسطس 1967 بعد النكسة بنحو شهرين.. وإلى ما قبل الحرب بقليل.وفى عهد السادات، قبيل الحرب المجيدة، عندما ذهب محمد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى المصرى إلى واشنطن والتقى كيسنجر وغيره طالبا التدخل لدى إسرائيل.. قيل له: اننا لا نستطيع ان نفعل شيئا.. وموقفكم مثل جثة هامدة!! ثم كان الموقف الأخلاقى ساطعا خلال اللقاءات المصرية السورية لتحديد ساعة الصفر لبدء الهجوم، فكان اتفاقهم على الثانية وخمس دقائق ظهرا..وكان لمصر موقف أخلاقى بارز مع الأسرى الإسرائيليين وبينهم قادة كبار.. وجنود عاديون وبدلا من قتلهم أو تعذيبهم كما فعل الإسرائيليون مع بعض الأسرى المصريين فى يونيو 1967.. فإن مصر أحسنت معاملتهم. والخلاصة.. إن الحرب شرف عندما يكون هدفها تحرير الإنسان والأرض.. وهنا تلزم الأخلاق والتعاملات بشرف ونزاهة.. وهذا عكس ما نراه الآن حولنا. والذى يكشف عن مواقف غير أخلاقية فى التعاملات الدولية.. وصارت الدبلوماسية الأخلاقية.. فعلا ماضيا. لمزيد من مقالات محمود مراد;